ولقد كان الموقف غاية في الحرج، فقد صار أبو مسلم مع المنصور في بلد واحد، وأصبح أقل همس يصل إليه عن هذه المؤامرة كافيا لإحباطها وقلب التاريخ رأسا على عقب.
وقد كان من الطبيعي أن يتقرب أحد هؤلاء إلى أبي مسلم فيفضي إليه بسر المؤامرة وينال الحظوة عنده، فقد كانت الآمال معقودة به كذلك.
ولما أحكمت المؤامرة أمرهم الخليفة أن يكونوا خلف الرواق حتى إذا صفق خرجوا فقتلوا أبو مسلم، قالوا: «أرسل إليهم رسلا بعضهم على إثر بعض.» فقالوا: «قد ركب.»
قال أبو أيوب: «فقلت يا أمير المؤمنين ألا أخرج فأطوف في العسكر فأنظر ما يقول الناس، هل ظن أحد ظنا أو تكلم أحد بشيء؟»
قال: «بلى» فخرجت، وتلقاني أبو مسلم داخلا فتبسم، وسلمت عليه ودخل فكان هذا آخر أيام أبي مسلم من الدنيا. (5) بين براثن الموت
والعجب لأبي مسلم، حطب لنار أكلته، وقتل في طاعة ولاة قتلته، وليس بأول من دأب لسواه، وأغواه الطمع فيمن أغواه، وإنما سهر لأم دفر،
4
وتبع سرابا في قفر، فوجد ذنبه غير المغتفر عند صاحب الدولة أبي جعفر، وكل ساع للفانية لا بد له من الندم.
رسالة الغفران
ولما دخل عليه أبو مسلم قال له أبو جعفر: «أخبرني عن نصلين أصبتهما في متاع عبد الله بن علي؟» قال: «هذا أحدهما الذي علي.» قال: «أرنيه» فانتضاه، فناوله فهزه أبو جعفر ثم وضعه تحت فراشه. وأقبل عليه يعاتبه، فقال: «أخبرني عن كتابك إلى أبي العباس تنهاه عن الموات، أردت أن تعلمنا الدين؟»
Halaman tidak diketahui