اضطهاد اليهود في إنجلترا
وحين حكم السكسون إنجلترا، كان عدد اليهود قليلا، وكانت حرفتهم التجارة وقد زادوا مع وصول وليم الظافر في 1070م، وأقاموا في لندن «في أولد جوري شيبسايد»، وفي أكسفورد وغيرهما، وقد استمتع يهود فرنسا المهاجرون إلى إنجلترا بشيء من الحرية ورغادة العيش.
غير أنه قد كدر صفو عيشهم ما اتهموا به في عهد حكم ستيفين، بأنهم قتلوا في «نوريش» صبيا مسيحيا في 1144م، وكان هذا هو الاتهام الأول من هذا القبيل في العالم، وقد تبعه في إنجلترا اتهامان آخران على غراره.
ولئن كانوا قد استمتعوا في عهد هنري الثاني بشيء من الحرية والسلام، غير أنه قد حدث أن أشاع الغوغاء في إنجلترا حين احتفل بتتويج الملك ريتشارد قلب الأسد أن جلالته قد أمر بذبح اليهود. فسرعان ما كانوا فريسة السلب والنهب، وكانت دورهم عرضة للحريق والدمار، وزاد هذا حين خرج الملك في الحرب الصليبية. وقد حدث في «يورك» أن أحد الرهبان كان بين محاصري قلعة لجأ إليها اليهود، قد رماه أحد هؤلاء بحجر فثار ثائر المحاصرين للقلعة، واضطر اليهود أن يقتلوا أنفسهم بأيديهم، فقد ذبح رئيسهم «جوس» زوجه وأولاده، وذبح الكاهن اليهودي بوم توساس جويني-جوس ثم قتل نفسه. وقد حبس الملك جون جميع اليهود وصادر أموالهم.
الاضطهاد في سائر البلاد الأوروبية
ولم تظهر الحركة ضد السامية في مثل هذا المظهر العنيف إلا في رومانيا، فقد كان اليهود يعيشون في غبطة وسعادة في أيام الحكم التركي، فلما حررت رومانيا قام الرومانيون يضطهدون اليهود، وقام زعماؤهم يدعون لإعلان الحرب الدينية ضدهم، وصدر قانون يجعلهم من الأجانب على الرغم من إقامتهم القرون الطويلة في البلاد، وقام الأهلون في 1900م يضطهدونهم اضطهادا شنيعا وينهبون دورهم، وشرع اليهود يهاجرون من رومانيا ويفرون منها زرافات ووحدانا.
أما في النمسا فقد بدأت حركة اضطهاد اليهود في الوقت الذي بدأت فيه في روسيا وألمانيا. وكان مبدأها أن فتاة مسيحية تدعى «إسترسوبيموس» اختفت من قريتها في المجر في أبريل 1882م، وأشيع أن اليهود اختطفوها وذبحوها، فثار الأهلون وقبض على خمسة عشر يهوديا أودعوا السجن، ودبرت محاكمتهم تدبيرا، وجيء بشهود يشهدون زورا، وقبض البوليس على ابن أحد المتهمين وهو غلام في الرابعة من عمره وما زال يعذبه حتى حمله على أن يقرر أن أباه ذبح الفتاة. وبدأت المحاكمة في 19 يونية. وكانت من أشهر المحاكمات التاريخية، واستمرت إلى 3 أغسطس؛ فانكشفت في أثنائها مؤامرة البوليس، وافتضح أمره، وحكمت المحكمة ببراءة المتهمين جميعا. ومع أن هذه أخمدت حركة العداء ضد اليهود إلا أن المحرضين الألمانيين لم يدخروا وسعا في إثارة خواطر العامة في بلاد النمسا ضد اليهود، فاستمر اضطهادهم طويلا، ولم تخف وطأة هذا الاضطهاد إلا في سنة 1907م.
وقد حدث في 1518م أن أنشأت الحكومة النمسوية «محاكم لليهود»، وأخيرا طردتهم من فينا منذ 1670م، حين حولت معبدهم إلى كنيسة، وفي 1740-1780م طردت «ماريا تريزا» اليهود من بوهيميا، وفي 1750م أمرت بأن يضع اليهود الذين من غير لحية رباطا أصفر على ذراعهم الأيسر، كما قيد نشاطهم التجاري؛ من ذلك أنه قد حظر عليهم في براج أن يشتروا الأغذية من الأسواق قبل ساعة معينة، والخضر قبل الساعة التاسعة، والماشية قبل الساعة 11، والسمك في أيام معينة، كذلك ضوعفت عليهم الضرائب. غير أن جوزيف الثاني 1780-1790م ألغى كثيرا من هذه القيود، ومن ذلك الزي الخاص بهم، وضريبة ال
، ورخص لهم بالخدمة العسكرية، ولأولادهم بالالتحاق بمدارس الدولة، بما أصدره من لائحة التحرير في 1782م، ولكن هذا التسامح لم يستمر بعد جوزيف الثاني، فقد زاد القيود فرنسيس الثاني 1793-1835م؛ فحرم عليهم الزراعة، واستعاد مؤتمر فينا في 1815م طبع اليهود بطابع يغاير المواطنين، على أنه في 1846م ألغي اليمين الخاص باليهود، وفي 1848م زاد تحريرهم لاشتراكهم في الحركة الثورية الديموقراطية، فقد اعترف دستور 1849م بحرية الاعتقاد الديني بعد أن علا العرش فرنسيس جوزيف الأول 1848م. على أن القيود قد أعيدت في 1855م، حين علا نفوذ رجال الدين في النمسا في كونكوردا 1855م، وفي 1875م ألغيت جميع الفوارق بين الأديان، فأصبح اليهود أعضاء في مجلس الريشرات وفي مناصب الجنرالية والتعليم والفن، فبرز منهم يوليو وحللنيك وكاوفمان وكومبرت وفرانسوس وفرانكل وموسكتلز وهوسينال والممثل سونيتال والحسابي أثيبترز ولاعب الشطرنج شتاينتز. وقد فرض قانون 1875م على كل يهودي أن يكون عضوا في جمعية المركز الذين يقيمون به، ويكون للجمعية حق فرض ضريبة عليه. وكذلك في ألمانيا، ولليهودي أن يقدم تقريرا عن حالة فقره لكي يعفى من ضريبتها.
ولئن كانت فرنسا لم تتأثر بالدعاية ضد السامية كثيرا على الرغم من أن كل الظروف الاجتماعية والسياسية التي أثارت الألمان على اليهود كانت متوافرة فيها، إلا أنه قد ظهرت حركة الاضطهاد في سنة 1882م حين خرج من خدمة آل روتشيلد وكيل أعمالهم «بول بونتو»، فسعى لتحطيم ذلك البيت المالي الكبير، وأخذ ينشر الدعاية ضد اليهود، وكان لنفوذه الكبير أثره في إثارة الخواطر، وزاد في ذلك الكتاب الذي نشره «إدوارد درومون» في سنة 1886م، وعنوانه «فرنسا اليهودية»، وطعن فيه اليهود طعنا شديدا، وذكر عنهم فضائح شنيعة، وانتشر ذلك الكتاب انتشارا واسعا، ثم أصدر درومون جريدة اسمها «الكلمة الحرة» وقفها على الدعاية ضد اليهود فراجت رواجا شديدا، ثم كانت سنة 1892 عندما ظهرت فضيحة قتال باناما وانكشف ما كان في مشروع القنال من اختلاسات وسرقات شملت بعض اليهود؛ فانفجر الغضب الكامن، ثم اتسعت الحركة في الأوساط العسكرية حين قبض في سنة 1894م على ضابط يهودي يدعى «الكابتن ألفريد دريفوس»، وحوكم بتهمة الخيانة العظمى، فكان ذلك أساسا لاشتداد الحملات ضد اليهود، خصوصا بعد أن حكم بتجريد «دريفوس» من رتبته ونياشينه وبسجنه مؤبدا. ولما كانت أسرة دريفوس ذات مكانة ونفوذ واثقة من براءة ولدها، سعت دون تراخ في إثبات براءته، وعلى الرغم من ظهور الأدلة القاطعة ببراءته فإن وزارة الحربية صممت على عده مجرما، وأخيرا أعيدت محاكمته، ولكن حكم عليه مرة أخرى بالإدانة فكان لذلك الحكم وقع سيئ في نواحي أوروبا؛ مما أدى إلى أن الحكومة الفرنسية تداركت الأمر مشيرة على رئيس الجمهورية بالعفو عن «دريفوس » فتم ذلك.
Halaman tidak diketahui