كنيسة بأورشليم أنشأها النبراوي مقاره في خلافة هارون الرشيد بما اجتمع له من المال في بطريركية يعقوب، وهو الخمسون في العدد، وهي ملجأ من يمضي إليها من المؤمنين «125». وهذه هي كنيسة المجدلانية، وقد بقيت في يد الأقباط إلى سبعة قرون مضت. (3)
وبيعة اليعاقبة عمرها منصور اليعقوبي المصري، ودشنت في بطريركية أنبا كيرلس السابع والستين في العدد «135»، وهذه الكنيسة لم يعين مكانها تماما، والراجع أنها في دير السلطان. وقد ذكر المقريزي المؤرخ المعروف في الجزء الخاص بالقبط: «ولهم بغزة كنيسة مريم، وبالقدس القيامة وصهيون.»
فمما تقدم يبين أن أملاك الأقباط في القيامة ترجع إلى أبعد عهودها. على أنه مما لا شك فيه أن مركزهم ازداد قوة منذ عهد مجدد مصر رأس الأسرة العلوية محمد علي باشا الذي كان يرعى الأقباط ويخصهم بعنايته واهتمامه. هذا؛ وكل طائفة تزعم لنفسها نسبة أكبر مما للأخرى. ويقلل من نسبة ما للطوائف الأخرى تعظيما لشأن طائفته. ولو كان بالإمكان تحديد هذه النسبة لكانت الحكومة الفلسطينية أول من يعنى بتحديدها، ولكنها تحاشت ذلك بامتناعها عن تعيين الحصة التي تستحق على كل طائفة في المبالغ المطلوبة لترميم كنيسة القيامة، وتركت الطوائف حرة فيما تدفعه - وهي تتبارى في ذلك - حتى ولو زاد ما يدفع من الكل عن المبلغ المطلوب للترميم؛ إذ تعتزم الحكومة حفظ ما يزيد منه لأعمال الصيانة مستقبلا في كنيستي المهد والقيامة.
ومن البديهي أن عدم إمكان تحديد نسبة بين أملاك الطوائف إنما يرجع إلى اشتراكها في الأماكن التذكارية الأخرى بداخل القيامة. هذا؛ ويملك المصريون في القيامة كنيسة لا شك في أنها صغيرة في المساحة، ولكنها من أعظم الكنائس قيمة؛ فهي الكنيسة الوحيدة المتصلة بالقبر المقدس والملاصقة له، وهي الكنيسة الوحيدة التي تقع قبلتها على القبر ذاته؛ الأمر الذي تغبطها عليه جميع الطوائف؛ لأنه إذا كان بعضها يحرص على حقوقه في إقامة صلوات على القبر المقدس في مناسبات معينة فإن للأقباط هذا الحق على الدوام بحكم موقع كنيستهم.
وعلى هذا كان المقياس الصحيح لتقدير نسبة أملاك الطوائف إلى بعضها ذلك هو «الموقع». والأقباط يمتازون في المرتبة عن السريان، ومع أن الفرق بين أملاك الطائفتين، سواء من حيث القيمة أو من حيث اتساع حق الملكية ومزاياه لا يدع أي مجال للمقارنة بين الطائفتين. فللأقباط - دون السريان - غرفتان «تختان» بالقيامة شأنها في ذلك شأن باقي الطوائف الأولى بجوار المغتسل، وهي مكونة من دورين مساحة كل منهما 35 مترا تقريبا، والثانية أمام الكنيسة ومكونة من دورين أيضا تبلغ مساحة كل منهما نحو ثمانين مترا، وتشمل ثلاث بواك بها قناديلها وشموعها وبينها وبين الكنيسة وحول الكنيسة «الهيكل» مكان متسع لوقوف المصلين من الأقباط. هذا غير ما للأقباط من حقوق أخرى تماثل ما لباقي الطوائف كوضع قناديل فوق المغتسل وبداخل القبر وخارجه، وإجراء المراسم الدينية المعتادة يوميا «ليلا ونهارا» في جميع أنحاء القيامة.
وللأقباط عدا ما تقدم أملاك ليست داخل القيامة، ولكنها متصلة بها من الخارج ومجاورة لها، ويقع بعضها بأعلى بناء القيامة. فلهم كنيستان متصلتان بمبانيها لهما باب يطل على ساحتها بجوار أبوابها، ولهما باب علوي آخر يوصل إلى دير السلطان الذي يقول البعض إنه هبة من السلطان الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب - ملك مصر - إلى أقباطها، والبعض الآخر يرجع ملكيتهم له إلى ما قبل ذلك بنحو قرن. وقد كان الأقباط يهتمون بهذا الدير اهتماما كبيرا، ويواظبون على تعميره كما يؤخذ من نص الحجة الشرعية المؤرخة 13 شوال سنة 1098ه «22 أغسطس سنة 1686م». وقد جاء فيها:
بالمجلس الشرعي المحرر المرعي أجله تعالى لدى جناب سيدنا ومولانا، أقضى قضاة الإسلام، أولى ولاة الأنام، بدر سماء المعالي الفخام، الحاكم الشرعي الموقع خطه الشرعي الموقع خطه وختمه الكريمين في أصله أعلاه، دام فضله وزاد علاه. لما كان سابقا على تاريخ أدناه كشف على دير طائفة نصارى القبط بمحمية القدس المنيف المعروف قديما بدير السلطان بمحلة النصارى المحدود بمقتضى حجة السابق الآتي بيانها فيه بطلب المعلم سالم البنا المتكلم على أوقاف نصارى القبط. ووجد الدير المذكور مشرفا على الخراب وبعض أماكن منه تحتاج إلى الترميم والتبطين والعقادة والكحلة الضروريان، وإذن مولانا الحاكم الشرعي المشار إليه للمعلم سالم المتكلم المسطور أعلاه بترميم وتبطين ... إلخ.
وقد ختمت هذه الحجة بختم فضيلة القاضي الشرعي الشيخ أحمد راقم.
وللأقباط أيضا دير آخر ودار للبطريركية بها كنيسة كبرى تقع بأعلى بناء القيامة تماما، ويصل هذا الدير بدير السلطان باب تقع عنده المرحلة التاسعة لآلام المسيح التي يقدسها جميع الطوائف، وبعض حوائط هذين الديرين مشتركة بينهما وبين كنيسة القيامة.
هيكل سليمان والمسجد الأقصى
Halaman tidak diketahui