وفي 8 فبراير عقدت الجلسة لتسوية الخلاف القائم بين حزبي عرب فلسطين، الأول وهو الأكثرية العظمى برئاسة سماحة السيد أمين الحسيني، والثاني أقلية برئاسة راغب النشاشيبي بك، وفي 9 فبراير بدأ المؤتمر عمله في قصر سان جيمس، وكان اللورد هاليفاكس والمستر ماكدونالد والمستر بتلر في الجانب البريطاني، وقرر مندوبو فلسطين في هذا اليوم ضم راغب النشاشيبي بك ويعقوب فراح أفندي مندوبين عن حزب الدفاع العربي. وقد ألقى جمال الحسيني بك بيانا هاما عن القضية الفلسطينية بسط فيه ما لعرب فلسطين من حقوق طبيعية وسياسية وعهود مقطوعة، وبطلان تصريح بلفور وصك الانتداب الذي قال عنه: إنه وثيقة غير مشروعة، ومخالف لعهد عصبة الأمم، وقال: إن العرب يعدون مسألتي الهجرة وبيع الأراضي باطلتين لاستنادهما إلى صك الانتداب الباطل. ثم أجمل البيان مطالب فلسطين النهائية كما يلي: الاعتراف باستقلال فلسطين، والعدل عن محاولة تأسيس الوطن اليهودي، وإلغاء الانتداب، واستبدال عوضا عنه معاهدة كمعاهدة العراق، ووقف الهجرة، ومنع بيع الأراضي بتاتا في الحال.
أما بيان الدكتور وايزمان في المؤتمر البريطاني اليهودي فقد استغرق ساعتين كاملتين، وطلب الدكتور وايزمان في بيانه تنفيذ وعد بلفور، وصك الانتداب، وإنشاء وطن قومي لليهود، وإلغاء القيود الوقتية الأخيرة على الهجرة اليهودية، ومنحهم الحرية للسير في سبيل ترقية الأراضي والحالة الاقتصادية، والتعهد بعدم وضع اليهود في مركز الأقلية، وأعرب عن استعداد اليهود للتعاون مع عرب فلسطين في إعادة السلام إلى البلاد، ثم تحدى دعوى العرب بأن فلسطين بلد عربي صميم قائلا: إن مركز اليهود المادي والروحي حفظ لفلسطين كيانها طول الأجيال. وفي 10 فبراير دارت مباحثات عامة شفوية، وفي 11 فبراير عقد المؤتمر العربي جلسة سرية. وقد رد المستر مكدونلد على البيان الفلسطيني فقال: إن ما أعربت عنه فلسطين من رغبتها في تأمين المصالح البريطانية له قيمة عظيمة، ثم قال: إنه يعتب على العرب لشكواهم من عدم وجود حكومة دستورية في فلسطين، ويرى أن هذه الشكوى في غير محلها؛ لأن إنجلترا أعربت غير مرة عن رغبتها في إنشاء حكومة دستورية في البلاد، ثم تكلم عن صداقة إنجلترا للعرب، ثم تكلم عن مسألة الهجرة فقال: إن العرب يخشون سيادة اليهود ونحن نصرح بأننا لا نقبل سيادة اليهود على العرب ولا سيادة العرب على اليهود. وعلق المستر مكدونلد على البيان اليهودي، فبسط الخطة البريطانية تجاه المأزق الذي تصطدم به مشكلة فلسطين، وبعد أن شرح لليهود نظرية العرب قال لهم: بالنظر إلى توتر الحالة الدولية تعلق الحكومة البريطانية أهمية كبرى على وجوب الوصول إلى حل سريع لمشكلة فلسطين. ثم أشار إليهم بأن تقسيم فلسطين يكون وقت الحرب خطرا على اليهود أنفسهم بقدر خطره على المصالح البريطانية.
وفي 12 فبراير قضت الوفود هذا اليوم في راحة وزيارات، فقضى الوفد المصري يومه في ضيافة المستر مكدونلد بمنزله الريفي، وذهب الوفد السعودي إلى ولاية «لكس»، وهي المقر الريفي لأرل أثلون والأميرة أليس قرينته، وتناولوا الغداء على مائدتهما، وقضى الوفد الفلسطيني يومه في زيارة بعض المعاهد العلمية. وفي 13 فبراير عقد المؤتمر العربي جلسة سرية في الصباح حضرها المستر مكدونلد والمستر بتلر ... وقد ألقى نوري السعيد باشا بيانا في 13 صفحة، تضمن وصفا مسهبا للعهود المقطوعة للعرب، وللمباحثات التي جرت على أساسها مع المغفور له الملك فيصل وغيره، واستطرد إلى مسألة فلسطين، وكيف كان اليهود راتعين في بحبوحة العيش في البلاد العربية، قبل تصريح بلفور، وكيف تبدلت الحالة منذ زيارة السر ألفرد موند للعراق. وقال: إن الهياج الذي أثارته الصهيونية تعدى العراق إلى جميع البلاد العربية والإسلامية، وهزها هزة عنيفة. ثم تناول الوثائق التي بسط فيها السر هنري ماكماهون للملك حسين القواعد الأساسية لتسوية الحالة في الشرق الأدنى بعد الحرب، ونصت على إجابة أماني العرب الوطنية.
هذا؛ وقد أصدرت الوكالة اليهودية في مؤتمر فلسطين بيانا كان مما جاء فيه:
ومن بواعث الأسف أن يباشر المؤتمر أعماله قبل إعادة النظام إلى فلسطين، وإن زعم العرب أن فلسطين بلد عربي هو حلم غير قابل للتحقيق. فاليهود الآن يبلغون ثلث سكانها، ويقومون بثلثي النشاط الاقتصادي والثقافي فيها، وهم لم يتخلوا يوما عن المطالبة بحقهم التاريخي فيها.
وفي 14 فبراير استأنف المؤتمر العربي اجتماعه بالمستر مكدونلد وزير المستعمرات والمستر بتلر وكيل وزارة الخارجية. وقد ألقى الأمير فيصل بيان الوفد السعودي عن موقف بلاده بإزاء المشكلة الفلسطينية، فبعد أن بسط سموه العهود المقطوعة للعرب، وأقام الأدلة على صحتها وقوتها، تكلم عن علاقات الصداقة الوثيقة بين بلاده وإنجلترا، وقال: إن هذه العلاقات التي يريدها العرب وطيدة يخشى أن تتصدع إذا لم يعامل عرب فلسطين بالعدل والإنصاف. وقد رد المستر بتلر عليه قائلا: إن إنجلترا نفذت عهودها للعرب، وإن فلسطين ليست داخلة في هذه العهود.
وفي مساء اليوم استأنف المستر مكدونلد والمستر بتلر اجتماعهما بالمندوبين اليهود. وكذلك اجتمع مستر تشمبرلين بعلي ماهر باشا ونوري السعيد باشا وفؤاد حمزة بك، وقد حضر الاجتماع المستر مكدونلد وبعض كبار موظفي وزارة الخارجية والمستعمرات: وفي 15 فبراير خصصت جلسة المؤتمر لبحث العهود التي قطعتها إنجلترا للعرب.
وتكلم الأمير سيف الإسلام مؤيدا وجهة النظر العربية ومطالبا بتحقيقها.
وتكلم أبو الهدى باشا ممثل شرق الأردن، فوصف الصعوبات التي تلقاها حكومته في حفظ الأمن بسبب تأثير حوادث فلسطين في البلاد، وقال: إنه يخشى كثيرا ألا تستطيع الحكومة ذلك في المستقبل، إذا لم تحل القضية حلا مرضيا يحقق أماني فلسطين والعهود المقطوعة للملك حسين.
وتكلم علي ماهر باشا فأيد باسم مصر مطالب الوفود العربية، وأوضح تأثير حوادث فلسطين فيها. وقال: إن البيانات التي سمعها لا تترك شكا في أن عهود السر هنري ماكماهون تتناول فلسطين.
Halaman tidak diketahui