أشياء عن الحبشة
1 - تاريخ المسألة الهندية
2 - الهند القديمة
3 - الآريون في الهند
4 - الآرية والبوذية
5 - الآرية والبرهمية بعد غزو الهند
6 - الفيدا كتاب الهندوس المقدس
7 - الكتب الهندية المقدسة كمصدر للتاريخ
8 - أصل نظام الطوائف الهندية
9 - الحياة الاجتماعية القديمة
Halaman tidak diketahui
10 - الهند الأولية الهندوسية
11 - حملة الإسكندر على الهند
12 - الإمبراطورية المورية
13 - الغزو الإسلامي في الهند
14 - في القرن السادس عشر
15 - البرتغاليون في الهند
16 - غزوات تيمور
17 - الهند المغولية
18 - عصر الشركات التجارية الأجنبية
19 - الهند الحالية
Halaman tidak diketahui
أشياء عن الحبشة
1 - تاريخ المسألة الهندية
2 - الهند القديمة
3 - الآريون في الهند
4 - الآرية والبوذية
5 - الآرية والبرهمية بعد غزو الهند
6 - الفيدا كتاب الهندوس المقدس
7 - الكتب الهندية المقدسة كمصدر للتاريخ
8 - أصل نظام الطوائف الهندية
9 - الحياة الاجتماعية القديمة
Halaman tidak diketahui
10 - الهند الأولية الهندوسية
11 - حملة الإسكندر على الهند
12 - الإمبراطورية المورية
13 - الغزو الإسلامي في الهند
14 - في القرن السادس عشر
15 - البرتغاليون في الهند
16 - غزوات تيمور
17 - الهند المغولية
18 - عصر الشركات التجارية الأجنبية
19 - الهند الحالية
Halaman tidak diketahui
المسألة الهندية
المسألة الهندية
تأليف
عبد الله حسين
مقدمة
بقلم عبد الله حسين
في 1935 أصدرت كتاب «المسألة الحبشية» متحدثا عن تاريخ أتيوبيا وصلاتها بجيرانها إلى أن غزتها إيطاليا في ذلك العام وجعلت منها إمبراطورية إيطالية، أو قل إمبراطورية رومانية جديدة. وبعد قيام الحرب العالمية الثانية في سبتمبر 1939 بعامين، هزمت إيطاليا في إريتريا والصومال والحبشة، وعاد الإمبراطور الأتيوبي هيلاسلاسي إلى أديس أبابا. ومن الوجهة الدولية نستطيع أن نقول: إن مسألة الحبشة قد حلت، وذلك باسترداد الحبشة استقلالها وزوال الإمبراطورية الإيطالية منها.
هذا ونؤثر أن نتحدث عن المسألة الهندية عارضين لتاريخ الهند القديم وكتبها المقدسة ومنبوذيها وللحكم الإسلامي وعهد الشركات الأجنبية وإقامة الإمبراطورية البريطانية في الهند، والمقترحات البريطانية للحكم الذاتي هناك.
أما غايتنا من بسط هذا الموضوع، فهي أن يقف أبناء العربية على شئون البلاد الشرقية في أفريقيا وآسيا.
وينبغي أن نذكر هنا ما ذكرناه في مقدمات الكتب التي أصدرناها في عامي 1944 و1945، وهو أن عدم حصولنا على الورق الجيد وندرة الورق غير الجيد وغلاء الأسعار، شفيعنا لدى القراء في أن نقدم كتابنا في هذه المساحة على هذه الصورة.
Halaman tidak diketahui
أشياء عن الحبشة
كان للحبشة صلة قديمة جدا ومتجددة مع الهند وآسيا من الوجهة التجارية. أما أشهر اللغات الحبشية فهي ثلاث: (1)
اللغة الأتيوبية القديمة:
وهي لا تستعمل الآن إلا في الكتابة الأدبية. (2)
اللغة التجرانية:
وهي لغة الإريتريا وشمال الحبشة، وهي المستعملة الآن. (3)
اللغة الأمهرية:
وهي اللغة الرسمية، نسبة إلى أمهرا.
هذا وحروف الهجاء الحبشية مأخوذة من لهجات العرب القديمة، مثل الصابئية والحميرية.
ومن عادات الأحباش أن يجرى ختان الطفل الذكر في يومه السابع أيام الأربعاء والجمعة، والأنثى يجرى ختانها بعد ذلك. وإذا كانت الأم مريضة ينبغي أن يكون طفلها من دون ختان حتى شفائها، وينصر الطفل الذكر في اليوم الأربعين وتنصر الطفلة في اليوم الثمانين، ولا تدفن المرأة في أماكن الرجال، ولا يجوز للرجل أن يشرب البيرة قبل زوجته إذا كانت حاملا؛ لأنها تتألم باشتياقها للشراب. وعندما يغيب أحد الآباء عن بلده يختار صديقا له لحراسة بيته والإشراف على أولاده، ويوسط الخطيب أصدقاءه لدى والد الفتاة ليقبل الزواج، ومعظم الآباء يقاسمون بناتهم نصف مهورهن، وتقام أعراس بها مزامير وتنحر الذبائح.
Halaman tidak diketahui
أما المرأة فمشهورة بالجمال وخاصة جمال العينين وبالجاذبية، ولها أنف دقيق وشفتان غليظتان مستديرتان وقامة هيفاء، وطالما كانت بيوت كبار المصريين والحجازيين والأتراك والأعيان مزدانة بالجواري الحبشيات، وطالما تزوجوا منهن. والمرأة الحبشية مثال الشجاعة والإقدام والتضحية، وهي تشترك في الحرب مع الرجال، وهي وافرة الذكاء بسيطة الهندام والأناقة. وفي أديس أبابا جمعية اسمها جمعية نساء أتيوبيا الوطنية، وقد قامت بمظاهرة وحملت لوحة جاء فيها باللغة الأمهرية: «أيها الشبان، انهضوا ولا تخافوا، ودافعوا عن وطنكم، دافعوا إننا سنموت معكم». هذا ولا تتزوج المرأة الحبشية إلا بإذن أبيها، وإلا كانت ملعونة، وهي تشجع بجاذبيتها الشبان على خطوبتها، وأحيانا تهرب مع عشيقها، وهي تشرب البيرة، وقد يتخذ الرجل الحبشي عشيقة له لمدة سنة - وهي زوجية مؤقتة، وعلى المرأة الحبشية أن تطيع زوجها.
هذا والبغاء في الحبشة منتشر والطلاق كثير، وأكثر بغايا السودان من الحبشيات المهاجرات، وتكثر بينهن الأمراض التناسلية في صورة مخيفة محزنة.
والحبشة متقسمة ولايات وممالك صغيرة وقبائل متنازعة، وقلما تهدأ الحالة الداخلية في الحبشة؛ فهناك حروب بين ملوك الحبشة أو بين بعضهم وبين إمبراطورها.
وقد نادى «ساهالاسيلاسي» - ملك شواه وإيفات والجالا في سنة 1813 - بنفسه ملكا على ملوك الحبشة، وجعل الملك بطريق التوارث في أسرته.
و«ساهالاسيلاسي» الذي ولد في سنة 1795، وعين ملكا سنة 1813، ومات سنة 1847؛ ولد له ستة أولاد، كان منهم «هيلاملاكوت» الذي ولد سنة 1825 ومات سنة 1885، وخلفه ابنه منليك الثاني الذي ولد سنة 1844 وصار ملكا لشوا سنة 1866، وإمبراطورا سنة 1889، ومات سنة 1913، وتزوج الإمبراطورة تاتو سنة 1883 ولم يرزق منها ذكورا. وقد كان من بناته ثواراجا التي تزوجت الرأس ميكائيل، ورزقت بولد اسمه ليج ياسو سنة 1896، وعين إمبراطورا سنة 1913 خلفا للإمبراطور منليك إلى سنة 1916، ثم قامت ضده فتنة لأن الأحباش المسيحيين اتهموه بأنه يمالئ مسلمي الحبشة ويقربهم ويؤثرهم، وبأنه اعترف بخلافة سلطان تركيا وحالفه وحالف الألمان وأغضب الحلفاء. وقد أعلن مطران الحبشة حرمانه، وهرب ياسو ولكنه لم يذعن لقرار المطران، وجمع جيشا وآزره الرأس ميكاييل حاكم ولاية جايا. وقد خلفته الإمبراطورة زوديتو ابنة منليك الثاني التي ولدت سنة 1876 وتوجت سنة 1916، وقد قامت بينها وبين أتباع ياسو والرأس ميكاييل مذبحة عنيفة في ساجال في أكتوبر سنة 1919 وأسرت الرأس ميكاييل وهرب ياسو ثم مات وتوجت زوديتو رسميا سنة 1917.
أما إمبراطور الحبشة الحالي فهو هيلاسلاسي، كان أصله الرأس تفري ولد سنة 1881 وهو ابن الرأس ماكونن بن وزيروتانا أحد أبناء الملك ساهالاسيلاسي. وقد عين الرأس تفري وصيا للعرش مع الإمبراطورة زوديتو التي ماتت سنة 1930، ثم توج الرأس تفري إمبراطورا سنة 1930 باسم الإمبراطور هيلاسلاسي، وقد تزوج سنة 1912 من الأميرة وازيرومنن، وولدت له سنة 1912 ماميتى التي ماتت طفلة، ثم أصفاواصين سنة 1916، وهو ولي العهد الرسمي، ولكن أباه الإمبراطور غاضب عليه، وورك ولدت سنة 1918، ويشي أمابت ولدت سنة 1920، وماكونن ولد سنة 1923، وهو محبوب من أبيه، وقد سماه والده «دوق هرر». ومن الإشاعات التي لم نقف على صحتها أن «زوديتو» ماتت مسمومة ليخلو الجو للإمبراطور هيلاسلاسي.
أما الأمة الحبشية فهي أمة جندية جميع أفرادها على استعداد للقتال وهو حرفتهم وسجيتهم. وقد أنشأ الإمبراطور هيلاسلاسي جيشا باسم الحرس الإمبراطوري، قام بتدريبه ضباط سويسريون وبلجيكيون وسويديون، وبه وحدات من البيادة والسواري والطبجية، وله بنادق عصرية ومجهز بمدافع كبيرة وصائدات للطائرات، وتدربه الآن بعثة عسكرية بريطانية.
هذا ولكل رأس من رءوس الحبشة «حكامها» حرس أو جيش لا يقل مجموع أعداده عن ربع مليون، وجيش غير نظامي لا يقل عدده عن نصف مليون، ولدى إمبراطور الحبشة طائرات وذخائر.
ثم إنه لم يكن للإمبراطورية الحبشية نظام مخصوص للجندية كنظام القرعة العسكرية المصرية أو كنظام التطوع لدى الدول الغربية، بل تطلب الجنود من الولايات بحسب سعة الولاية وضيقها. أما الجيش العامل في حفظ الأمن في وقت السلم فهو 200 ألف جندي. أما في وقت الحرب فتصبح الجندية فرض عين على كل رجل يستطيع حمل السلاح، والأحباش أكثر الناس شغفا بالحروب وأسرعهم قبولا لويلاتها، هكذا كانت الحبشة في غارتها على مملكة سنار وفي حربها الحملة المصرية التي كان يقودها السردار محمد راتب باشا بأمر إسماعيل، وكذا في واقعة القلابات وواقعة عدوة في سنة 1895م، وفي حرب الحبشة في عامي 1935 و1936، وفي استرداد بلادها بين 1942 و1943. أما القيادة العامة فللإمبراطور نفسه. والذي يراجع تاريخ الحبشة قل أن يرى إمبراطورا مات حتف أنفه كما حدث للإمبراطور ياهنس الرابع أي «يوحنا» الذي قتله أنصار المهدية وخلافه من أسلافه.
أما ولايات الحبشة فهي ثلاث عشرة ولاية، لكل منها ملك يلقب بالرأس، وهو حاكم الولايات القائم بشئونها الإدارية والسياسية تحت إشراف الإمبراطور أو النجاشي، وهناك ألقاب أخرى وهي دجاح ودجاز جماج وفيتواري وقيفا زماج وغير ذلك من الألقاب. وتتألف من تلك الممالك الصغيرة إمبراطورية ذات شأن عظيم، ويلقب الإمبراطور هناك بالنجاشي وهو لقب كلقب بطليموس عند دولة البطالسة، وقيصر عند الروس، وشاه عند العجم، وباي تونس عند التونسيين، وخديوي عند ولاة مصر سابقا. وللحبشة لقب ثان وهو منليك إلا أنه يقصر على الملوك من سلالة نبي الله سليمان - عليه السلام - لأنه تزوج بلقيس ملكة سبأ، ولما رزق منها بولد قال لها: «مني إليك» فمزجت الجملتان فصارت «منليك»، وجاء في رحلة الدكتور محمد نيازي الذي كان طبيبا لأحد الآلايات المصرية في سنة 1282ه بالسودان أنه قال: سمعت أحد الأطباء الإفرنج يقول إنه قرأ في بعض المؤلفات القديمة أن ذلك المولود الذي هو منليك الأول بن سليمان كانت بلقيس تخاف عليه من قومها، فبعثته إلى مدينة سوبا ليربى بها، وسميت المدينة سبأ ثم حرف الاسم إلى سوبا لتقادم الزمان، وقد تبوأ عرش الحبشة كثير من الملوك، فلا حاجة إلى بيان أسمائهم وزمن كل ولاية منهم؛ تجنبا للتطويل.
Halaman tidak diketahui
أما القضاء فسائر على طريقة كافلة للحقوق المدنية والاجتماعية نوعا ما، وما كان للحبشة نواميس شرعية ولا قوانين وضعية فيما يختص بالمعاملات القضائية، بل كان القضاء يسير مع العرف إلى نهاية القرن الثامن عشر الميلادي، وهناك أقام أحد رجال الدين المسيحي «أسعد عسال القبطي» ووضع للحبشة قانونا نسقه تنسيقا بديعا، قسمه قسمين: الأول منهما يختص بالكنيسة، والثاني في المعاملات، وكان مرجعه فيه كتاب التنبيه لأبي إسحاق الشيرازي في فقه السادة الشافعية، وقد أطلق على هذا القانون اسم «فتانفوس»، وقد صدق جلالة الإمبراطور على المعاملة به في جميع أنحاء الأقاليم الحبشية. أما المسئولون عن تنفيذه في القرى فهم أكبر سكانها سنا وأكثرهم حنكة، وفي العواصم الرءوس، ماعدا «أديس أبابا» التي يباشر القضاء فيها جلالة الإمبراطور بنفسه وهو يجلس في ساحة مكشوفة، ثم ترفع على رأسه مظلة كبرى «شمسية» كملوك الفور وواداي، ويجلس على يمين الإمبراطور 12 رجلا، وعن شماله 12 رجلا من أعيان المملكة الذين يشترط أن يكون فيهم رئيس الكهنة بردائه الكهنوتي، ويحمل القانون المسمى «فتانفوس» كاهن آخر، ثم يأتي بالمتقاضين فيقفون صفا أمام الإمبراطور على بعد 30 مترا منه، ثم يؤذن لهم في عرض ظلامتهم على هيئة القضاء، فينادي المظلوم بأعلى صوته قائلا: «جاتهوه جاتهوه»؛ أي يا حضرة الإمبراطور، يكررها سبع مرات، وذلك بين دائرة من جنود الحرس المدججين بالسلاح، والناس في سكون شامل لهيبته.
ومن المألوف في الحبشة نظام التحكيم، وكثيرا ما يلجأ المتخاصمان إلى رجل محترم في الطريق ، يحتكمان إليه وينزلان عند حكمه.
ومما يذكر أن إيطاليا كانت تطمع في غزو الحبشة منذ زمن بعيد.
بدأت إيطاليا استعمالها الأفريقي بإنشاء شركة إيطالية اشترت ثغرا صغيرا يدعى «عصب» سنة 1869 من شيخها، وكانت من أملاك الباب العالي التركي، فاحتج على هذا البيع وعده باطلا؛ لصدوره من غير مالك، ولكن الشركة الإيطالية «شركة روباتينو» نزلت عن «عصب» إلى الحكومة الإيطالية التي أرسلت بعض التجار الإيطاليين للإقامة بها، على رأسهم «الكونت أنتونيلي» الذي عقد مع إمبراطور الحبشة منليك الثاني معاهدة صداقة، واحتلت إيطاليا ثغر مصوع وجزرا غيرها، وألفت مستعمرة إريتريا، منتهزة فرصة الثورة المهدية في السودان، وضعف مصر، وسعي كل من إنجلترا وفرنسا لتقسيم أفريقية الوسطى والشرقية، وواصلت إيطاليا احتلال بلاد في الحبشة، وطلب الإمبراطور منليك إلى الجنرال (جيته) إخلاء البلاد وضم منليك (هرر) إلى أملاكه. ووقعت حرب بين الرأس ألولا وهزم الجيش الإيطالي في يناير سنة 1887 على مقربة من روجالي، فأرسلت الحكومة الإيطالية في أواخر سنة 1887 جيشا عدده (25) ألفا، نصفه من الإيطاليين ونصفه من الأهلين، واحتل الجيش «صاتى».
وقد حدث في أثناء ذلك أن الملك يوحنا انتقض على الإمبراطور منليك وحارب جنود المهدي عند (القلابات) وقتل في مارس سنة 1888، وانهزمت جنوده بعد انتصارها في حياته.
وقد عقدت إيطاليا مع (منليك) معاهدة أوتشيالي، وبناء عليها قبل الإمبراطور أن تكون حكومة إيطاليا وسيطا بين الحبشة والدول الأجنبية في جميع المسائل.
وقد كتبت هذه المعاهدة من نسختين: نسخة باللغة الحبشية، ونسخة باللغة الإيطالية، والنسخة الحبشية تقول:
يجوز للإمبراطور أن يتخذ وساطة حكومة جلالة ملك إيطاليا سبيلا إلى تسوية جميع المسائل المتعلقة بالدول الأجنبية.
وبينما تقول النسخة الحبشية: «يجوز»، كانت النسخة الإيطالية تقول: «يوافق إمبراطور الحبشة إلخ»، وقد وقع منليك النسخة الحبشية ولم يوقع على النسخة الإيطالية، وفي 12 فبراير سنة 1893 أبلغ منليك الثاني الدول بأنه غير مرتبط بالمعاهدة الإيطالية التي نشرتها إيطاليا وفسرتها على أنها جعلت الحبشة تحت حمايتها. غضبت إيطاليا من الحبشة، وزحفت جنودها بقيادة الجنرال باراتيري، فاحتلت كسلا من بلاد السودان سنة 1894، ثم تقدمت إلى الحدود الحبشية، فانتصرت الجنود الإيطالية على جيش الرأس مانجاشا في سنة 1895، واحتلت أديجران وميكالي وأمبا ألاجي، ولكن منليك تقدم بجيشه ومعه الرأس ماكونن، فهزم الجيش الإيطالي شر هزيمة، وقتل منه الألوف وغنم ذخائره، وانتحر القائد الإيطالي الماجور توسلي، وانسحب الإيطاليون.
وطلب منليك أن تدفع إيطاليا له فورا 25 مليون ريال حبشي حتى يقبل وقف الحرب وعقد الصلح الذي عرضه القائد العام للجيوش الإيطالية في أفريقية وهو الجنرال باراتيري؛ ولكن إيطاليا رفضت الصلح على هذه الشروط فاستعد الجيش الإيطالي للحرب، وقسم نفسه أربعة أقسام، أحدقت بها الجيوش الحبشية وهزمتها، وأعاد باراتيري تنظيم الجيش الإيطالي، وهجم على (عدوة) التي وقعت فيها الموقعة المشهورة وقتل الجنرال أريمندي والجنرال دامبراميدا، وأسر الجنرال البريتوني، وأصيب الجنرال أنلينا بجرح خطير، وغنمت الحبشة 72 مدفعا وذخائر وأعلاما إيطالية و7000 أسير، وقتل وجرح 1000 إيطالي.
Halaman tidak diketahui
وهرب باراتيري وواصل منليك زحفه ودخل إريتريا واستولى على حصن كبير «أدي أوجري»، وحاصر الجنرال برسنتاري وحمله على التسليم في مايو سنة 1896.
وعينت الحكومة الإيطالية الجنرال بالديسيرا، وأراد أن يتقدم بجيش عدده 30000 ألف جندي، ولكنه وجد الهزيمة محققة، وأشار على حكومته بالصلح، فذهب وفد إيطاليا في 26 أكتوبر سنة 1896 إلى أديس أبابا وهناك عقدت معاهدة بين إيطاليا والحبشة اعترفت فيها إيطاليا باستقلال الحبشة استقلالا تاما.
هذا وقد تسلم منليك غرامة قدرها 700000 جنيه إنجليزي، وأطلق سراح الأسرى الإيطاليين، وكان عقد المعاهدة في أديس أبابا في 26 أكتوبر سنة 1896، وعقدت بعدها معاهدات واتفاقات أخرى في صدد تحديد التخوم بين الحبشة وإريتريا.
هذا وفي الحبشة جاليات أجنبية من جميع الجنسيات، ومنها جاليات عربية ولبنانية وسورية ويونانية وأرمنية، وأكثر أفرادها تجار، ومنهم من جمع ثروة كبيرة.
وفي الحبشة بعثات تبشيرية لمختلف الأديان، ولا سيما البروتستانتية الأمريكية. وبعثات تجارية لمختلف الدول. وقد عقدت البعثة الإنجليزية - التي كان يرأسها السير رنل رود - معاهدة صداقة مع الحبشة في 15 مايو سنة 1897. وللبعثات مدارس ومستشفيات وملاجئ.
ورأس الدجاز «تاساما» بعثة أوربية في عضويتها مسيو فايفز ومسيو بوتو السويسري ومسيو أوتوموتوف الروسي، واجتازت الحبشة إلى نهر النيل عند مصب نهر السوباط في يونيه سنة 1898، وبعد أيام وصل إليه الماجور مارشان الذي صار جنرالا فرنسيا وهو صاحب مسألة فاشودة.
وقد عينت الدول ممثلين لها في العاصمة الحبشية، فكان السير هارنجتن قنصلا جنرالا لإنجلترا فوزيرا مفوضا، وعين الآن آخر في محله.
وعقدت بعثة أمريكية سنة 1903 معاهدة تجارية بين الولايات المتحدة والحبشة، وعقدت بعثة ألمانية سنة 1905 معاهدة تجارية مع الحبشة، وعين وزير مفوض ألماني لدى إمبراطور الحبشة منذ عشرين سنة.
وقد وضعت إنجلترا وفرنسا وإيطاليا اتفاقا في ديسمبر سنة 1906 جاء فيه: «إن مصالح هذه الدول الثلاث تقضي بالمحافظة على سلامة أملاك أتيوبيا». وقضت المادة الأولى من الاتفاق على التعاون بينهم في المحافظة على كيان أتيوبيا من الجهة السياسة وسلامة أراضيها، ونصت على أنه إذا وقعت طوارئ تخل بالكيان السياسي للحبشة فإن هذه الدول تتفق على صيانة مصالحها الخاصة، وقد تم الاتفاق في شهر يوليه سنة 1906، وأبلغ في الحال إلى النجاشي، وقد رد الإمبراطور منليك على تبليغ الدول بأنه يشكر لها نياتها الطيبة ويشترط أنه لا يكون من شأن هذه الاتفاقية الحد من حقوق سيادته، ثم عين في شهر يونيه سنة 1908 حفيده لوج ياسو وليا لعهده. وقد تقرر في الاتفاقية المذكورة أن تكون السكك الحديدية في الحبشة دولية، وليس في الحبشة سوى سكة حديدية واحدة بين أديس أبابا وميناء جيبوتي الواقع في الصومال الفرنسي ولا تسير القطارات إلا نهارا، وتقف عند إحدى المحطات ليلا، ويستغرق مسيرها بين جيبوتي وأديس أبابا ستة أيام.
الفصل الأول
Halaman tidak diketahui
تاريخ المسألة الهندية
تاريخ الهند الأقدم أو ما يجوز أن نطلق عليه اسم «تاريخ ما قبل التاريخ» وهو ما جعلناه عنوانا لكتاب أصدرناه بهذا الاسم، مجهول الحقائق، غامض الأصول، مشتت الحوادث.
لم يعرف العالم القديم، وهو المنحصر بين الفراتين والنيل، حين عرفت أقدم الحضارات - شيئا عن الهند إلا من غزوات جيرانها وحملة الإسكندر عليها. على أن جملة ما وقف الناس عليه يومئذ هو أن الهند بلاد واسعة غنية التربة والإنتاج والمعادن منقسمة عشرات أو قل مئات الممالك والإمارات والزعامات، وأنها هدف للغازين وميدان للتسابق والتقاتل بين المسيطرين.
ولعل ظهور الإسلام كان بداية تغلغل الأجانب في الهند، والوقوف على الكثير من تاريخها وجغرافيتها وشئونها. فقد غزت جيوش المسلمين الهند منذ القرن الحادي عشر الميلادي، بادئة باختراق الحدود الشمالية والغربية، ومقيمة ممالك وإمبراطوريات وإماراتس إسلامية متتابعة، ناشرة مع أعلامها الدين الإسلامي. وهنا ظهر عامل جديد في المسألة الهندية، وهو قيام النزاع المستمر بين الهندوس وبين المسلمين منذ يومئذ إلى الآن، مع ما تخلل هذا من فترات السكينة والصلح والسلام.
وثمة عامل جديد دلف إلى المسألة الهندية، ذلك هو رحلات الكاشفين الأوربيين، خاصة البرتغاليين، ثم تسابق التجار الفرنسيين والإنجليز إلى اتخاذ الكثير من ثغور الهند وبلادها أسواقا للمبادلات التجارية، فتنقل سفنهم من أوربا المصنوعات الأوربية، ثم تعود حاملة المواد الخام من الحاصلات الزراعية والشاي والكاكاو والجلود وأنياب الفيلة والنيلة والتوابل، وكان من أثر هذا أن تألفت شركتان تجاريتان كبيرتان، إحداهما فرنسية وثانيتهما إنجليزية عدا شركات برتغالية وهولندية - وأن نشاطهما لم يقتصر على الناحية التجارية وحسب، بل إنه قد امتد إلى الناحية السياسية، فكان لكل من الشركتين جيش بإمرة ضباط مجربين وجنود أوربيين وهنود، وكان كلاهما يتدخل في الشئون الداخلية الهندية، خاصة في المنازعات القائمة بين أمراء المقاطعات الهندية العديدين.
وبعد أن انتهى النزاع بين الشركتين إلى سيطرة الحكومة البريطانية على الموقف، والحلول محل الشركة الإنجليزية، واقتصار الحكومة الفرنسية - بعد إلغاء الشركة الفرنسية - على ضم بعض البلاد الهندية، بعد هذا كله بدا في المسألة الهندية عامل مهم لا يزال قائما، ذلك بأن النزاع قد اتخذ صورة أخرى كانت ضئيلة جدا في بداية الأمر، غير أنها وضحت وضوحا تاما في القرن الحالي، فأصبح كثرة زعماء الهندوس وغير قليل من زعماء المسلمين يطلبون للهند استقلالا صحيحا تاما، وجلاء تاما للاحتلال البريطاني غير محجمين في الوقت ذاته عن قبول عقد معاهدة تحالف مع الدولة البريطانية.
وبعد تردد طويل وعرض حلول ربعية ونصفية، أخذت الحكومة البريطانية تواجه مطالب وطنيي الهند إلى أن اعترفت بحق الهند في الاستقلال في شيء من الشروط والتحفظات، على أن يكون تحقيق هذا لا في إبان الحرب كما نادى غاندي والمؤتمر الوطني الهندي، بل بعد أن تضع أوزارها في الشرق الأقصى وتسلم اليابان في غيرما قيد ولا شرط، كما سلمت ألمانيا في أوربا في صباح يوم الاثنين 7 مايو 1945.
فالمسألة الهندية، التي نعرض لها هنا، من المسائل الهامة، التي يتوقف على علاجها استقرار شئون آسيا الوسطى، واشتراكها في الحضارة الجديدة. هذا وترجع المسألة الهندية إلى اتساع أرجاء الهند، وكثرة أديان سكانها وطوائفها، وخيراتها التي اجتذبت إليها الأجانب، وتدخلهم في شئونها بل تحكمهم فيها. فالهند لا غنى لها عن نبذ أسباب انشقاقها، وتوحيد كلمتها، واحترام الأجانب لاستقلالها لكي تعود أمة عزيزة الجانب كما نرجوه لها.
الفصل الثاني
الهند القديمة
Halaman tidak diketahui
اسم «الهند» مشتق من اسم نهر هندوس، وقد كان في الأصل يطلق على بلاد السند وجزء من البنجاب وحسب. وفي وادي هندوس وضحت أمارات الحضارة الهندية القديمة، وحسبنا أن نذكر كتابات الملك داريوس (321-485ق.م) و«سندهو» باللغة السنسكريتية. أما «هندو» بالفارسية فهو اسم لنهر، أما هندوستان فمعناها «بلاد النهر».
أما جملة ما خلفه عصر ما قبل التاريخ، خاصة على الساحل الشرقي، فهو بقايا الصخور الصوانية الشفافة المتبلورة وأدوات حجرية من عصر الحجر القديم، وكذلك الفخار من عصر الحجر الجديد. وقد وجدت في «ماسكي» سهام ذهبية من الجزء الأخير من عصر الحجر الجديد، وكذلك مقابر ما قبل التاريخ في ولاية تينفلي، إذ يحتمل أن يكون في أوعيتها رماد جثث موتى التجار الأجانب. والأوعية محلاة بالدرر واللآلئ والأصداف والودع. أما في فجر تاريخ الهند، فقد وجدت الأسوار الهائلة في جيريباجيا في بيهار.
هذا وقد أبانت الحفائر في موهينجو دارو وهارانا عن أنه قد قامت في غرب الهند حضارة عظيمة بلغت القمة حول عامي 3250 و2750ق.م؛ أي حين كانت المدن المهمة توسع ثقافتها منذ أول عصر الحجر القديم على شواطئ النيل والفراتين «الدجلة والفرات» وقارون وهيلموند.
وبينما كانت الأموال في مصر وأرض الفراتين تنفق في سخاء في إقامة المعابد وتشييد القصور والقبور على حين أن عامة الشعب كانت تسكن أكواخا من الطين - كان الأمر على نقيض هذا في «موهينجودارو» التي تبدو في آثارها الآن كما تبدو أطلال إحدى مدن العمال اللانكشيرية المبنى العام الوحيد، وهو الحمام العام العظيم البديع، ويتلو هذا في المرتبة الدور ذات الطابقين للسكان العاديين. ولم يكشف شيء من المعابد والقصور على هذا الطراز. وللمساكن أنابيب للمجاري من غرف الحمام والمراحيض إلى مجار في الشوارع، وفي الجدران مستودعات للزبالة «الكناسة أو العفاشة» تتصل بصوامع الكناسة خارج الدار. وكان سكان الدور من التجار والزراع. ويبدو أن التجار كانوا يعملون في الحقول؛ فقد وجدت في عيلام وميزوپوتاميا «أرض الجزيرة، ما بين الفراتين» خمسة أختام ذات طابع هندي قديم؛ أحدها في «أور» وآخر من «كيش». وتاريخها أقدم من العصر السارجوني. أما الزراع فكانوا ينتجون القمح والشعير، ويربون الماشية والدجاج، كما كانوا يتناولون في طعامهم السمك وأصدافه، وكانت الثيران تجر مركباتهم ذات العجلتين، وكانوا يستخدمون الفيلة والإبل دون الجياد، وكانوا يمارسون القمار. ومن المحتمل أن يكون ما وجد من القضبان النحاسية المستطيلة بمثابة عملة نقدية يرجع تاريخها إلى ما قبل ليديا في القرن السابع ق.م، فإن هذه أقدم ما عرف في تاريخ العملة. وكان صياغهم مهرة في أشغال الذهب والفضة والعاج. أما الأختام المحفورة والألواح النحاسية، فإنها تدل على أن كتاباتهم كانت مؤلفة من الصور، ولما كان لم يوجد إلى جانبها لغة أخرى معروفة، لم يهتد العلماء إلى إيضاح هذه الكتابة المصورة. أما النساء فكن يغزلن القطن والصوف. أما الأطفال فكانوا يلعبون «البلي» لاهين بعربات من اللعب المصنوعة من الفخار أو النحاس. أما المحاربون فكانوا مسلحين بالأقواس والرماح والحراب دون السيوف والدروع الواقية.
ولئن كان رواد التاريخ لم يعرفوا أكثر من أن الهند من الأمم ذات الحضارات التي ترجع أصولها إلى السلالة الآرية التي هاجرت إلى ربوع الهند لأسباب كثيرة بين فترات مختلفة من جهات عديدة، إلا أن منشأ تلك الحضارة العريقة أقدم جدا من ظهور الجنس الآري الذي نزح إلى الأودية الهندية بين القرنين الخامس عشر والثاني عشر قبل ميلاد المسيح. هذا وترجع حضارة الهند القديمة إلى 3700 و4300 كما تدل على هذا التقارير الرسمية الخاصة بالكشف الأثري في موهونجودارو وهاريا في وادي السند 1922-1933 وفي غيرها منذ 1934 إلى 1945، كما أشار إلى شيء من هذا الأستاذ أبو الحسنات محيي الدين.
لقد كان يسكن الهند قوم من الجنس السامي الذي ساهم في بناء صرح شامخ لحضارة إنسانية كاملة وشاملة منذ أقدم العصور التاريخية، بيد أننا لا نعرف حتى الآن متى ولماذا نزل هؤلاء القوم إلى الهند، وليس لدينا ما يرشدنا إلى آثار أقدامهم لدى الهجرة، وقد رأيناهم للمرة الأولى في التاريخ على شاكلة الدرافيديين السمر الذين وقفوا في وجه السيل الآري ثم غلبوا على أمرهم. وقد كشفت الدراسة التاريخية حولهم أن الشعب الدرافيدي السامي كان على مدنية راقية رقي المدنية الفرعونية تجعل معها الآريين الفاتحين همجيين، وقد أكد فريق من الباحثين أنهم كانوا يمتون إلى السلالة السامية بصلة.
لقد عاشت الأمة السامية في ربوع الهند منذ أقدم عصور التاريخ، واستطاعت أن تتوجه لبناء حضارة جمعت العناصر الصالحة للمدنية الإنسانية، بينما كانت الأمم السامية الأخرى في نزاع أدى أخيرا إلى مذابح البابليين والآشوريين والكلدانيين في مواطنها المعروفة، فكانت الدماء تسيل جري الماء في أودية الرافدين وما حولها من البلدان العامرة، ولا شك أن هذه الحروب المستمرة قد قضت على كثير من معالم الجنس السامي، كما قضت على أرواح كثيرين من رسل الحضارة البشرية. وفي منأى عن هذا التطاحن كانت الأمة السامية الهندية تعيش في منعزل عن العالم السامي وتنتج حضارة إنسانية كاملة لا تقل قيمتها التاريخية عن حضارة المصريين الأقدمين. وكلما درسنا معالم حضارة الهنود القدماء ومعالم حضارة المصريين الأقدمين رأينا وجوه التشابه كثيرة، بيد أن الستائر الكثيفة التي أسدلها عليها الآريون قد شوهت كثيرا من وجوه ذلك التشابه بين الأمتين القديمتين.
وقد كشف العلامة الدكتور «پزجي» الهندي في السنين الأخيرة (1922-1933) كثيرا من آثار تلك الأمة السامية الخالدة في الأودية الهندية وضفاف أمواهها، وقد اشترك معه كثير من الخبراء وكبار الباحثين من المستشرقين أمثال أوريل اشتاين (النمساوي) وجون مارشال وأرثر كيت العالم الأنتروپولوجي. وقد حددوا بذلك الكشف القيم مركز الآريين من الحضارة الهندية التي تعرفت بهذا الاسم من قبل.
لقد اقتبس الآريون كثيرا من نظريات الجنس السامي في الحياة، واهتدوا بها إلى الطرق العقلية، فحولوها من السامية إلى الآرية، ونقلوا اصطلاحاتها العلمية إلى اللغة السنسكريتية التي لم تكن معروفة في الهند قبل الهجرة الآرية، ودونوا بها كتبهم المقدسة واتخذوها لغة العبادة المقدسة والديوان الرسمي، وفرضوها على الشعوب المغلوبة على أمرها، وهكذا احتلت اللغة الجديدة «السنسكريتية» مركزا خطيرا في الدولة، وأخذت تسيطر على جميع مرافق الحياة العامة، وبدأت اللغات الدرافية تختفي وتندثر شيئا فشيئا، ومثال ذلك لغة الماهراتا، فإن الماهراتا من الشعوب السامية السمراء، غير أن لغتها من أسرة اللغة السنسكريتية الآرية، وذلك أثر للسلطان السياسي الذي فرضه الآريون الفاتحون على غيرهم.
لقد أخذ الآريون نظرية الألوهية من الجنس السامي «الدرافيدي» الذي عاش في الهند قبل هجرة الآريين بقرون بعيدة محاكين إياه في الطقوس الدينية القدسية، كما اتبعوا النظم الاجتماعية السائدة لدى الدرافيديين، فانتقلت بذلك الحضارة السامية إلى أيدي الآريين، ولم يكتف الآريون بهذا القدر، بل أزالوا جميع مآثر الحضارة السامية دون هوادة ولا شفقة، وقد حرفوا كتبها المقدسة غالبا ودمروا هياكلها ودفنوا بعضها تحت طبقات عميقة من التراب، كما أخفوا لوحاتها التذكارية غير القابلة للكسر فيها. وأخيرا أماطت تحريات پزجي اللثام عن وجوه تلك الحقائق الناصعة في منطقتي موهونجودارو على الضفة الغربية من نهر السند، وهاريا في أعلى الصعيد من وادي السند.
Halaman tidak diketahui
بيد أنه من المسلم به أن العقلية الآرية الممتازة وذكاء الآريين الخارق بالإضافة إلى ظروفهم النادرة وثرائهم الواسع وما إليهما من العوامل قد ساعدتهم كثيرا في تنميق تلك الحضارة وتنسيقها وإبرازها بين العالمين، وقد تفرد الآريون حقبة طويلة في الأمور العقلية فذابت فيهم وذابوا فيها، ونشأت فيهم على مر الزمن مدارس فكرية كثيرة ومنها المدرسة الفيدية والمدرسة البرهمية على اختلاف أنواعها، والمدرسة اليوجية والمدرسة الجينية والمدرسة البوذية على اختلاف أنواعها.
أما ديانة الهنود الأقدمين فلم يعرف عنها على التحقيق شيء أو قل إنه قد عرف عنها القليل جدا. وحسبنا أن نذكر أنهم كانوا يعبدون الثور وأن الأم الإلهية كانت تستأثر بقصر عظيم، كما يبدو من التماثيل والصور الخاصة. وعند السير جون مارشال أنها وثيقة الصلة بما وجد من نظائرها في إيران والبلقان وما بينهما. أما عبادة سيفا الهند فهي مركبة، ذلك أن جزءا منها يحتمل أن يكون مشتقا من سكان وادي الهندوس أو من شعب آخر نقلها إلى الآريين، على أنه لم يوجد هناك موضع النار الذي كان محفورا في كل دار من دور الآريين. أما الموتى فكانت جثتهم تحرق، على أنه قد وجد في «هاريا» مقابر قليلة تخلف في بعضها آثار الطعام وأشياء شخصية أخرى مما كان الإنسان البدائي يقدمه إلى موتاه ليستخدموها في عالم الأموات. هذا ويبدو أن الفيضانات قد اكتسحت آثار الحضارة الهندوسية القديمة والمدى الذي بلغته. وقد وجدت في «موهينجو دارو» ثلاث من ذوات الطوابق، وكذلك في ولاية كايوت في الطريق القديم إلى الهندوس قد وجدت آثار حضارة أقل رقيا كشفت في 1935. راجع: «موهينجو دارو وحضارة الهندوس» «تأليف سير جون مارشال».
كذلك نستطيع أن نقف على شيء كثير أو قليل من تاريخ الهند القديم، إذا استقرأنا أشعار الآريين المقدسة، وهؤلاء الآريون - كما قدمنا - يرجعون هم والإيرانيون «الفرس» إلى أصل واحد، ويتكلمون لغة قريبة النسب بالفارسية واليونانية واللاتينية، والتيوتونية والسلافية، ذلك أن أدبهم القديم يكشف النور عن حياة الأمة الآرية وإن كان دخول الآريين الهند أو غزوها لم تتحقق الروايات التاريخية وسيلته. ومهما يكن من شيء فإنه كان من أثر دخول هؤلاء الهند أن الأفكار الدينية والآراء الفلسفية قد سيطرت على حياة سكانها من الهندوس إلى مصب نهر الجنج وجنوبا إلى تلال الفينديا. وقد جاءت دراسة أدب القوم وفلسفتهم متأخرة، ذلك أن «شركة شرقي الهند الإنجليزية» قد ترجمت الأدب السنسكريتي القديم للمرة الأولى من الفارسية إلى الإنجليزية في 1776. وبعد هذا بعشر سنوات جاء سير ويليام جونز عضو المحكمة العليا في كلاكاتا، فاستند إلى دراسته العميقة للغة السنسكريتية، في وضع أسس علم اللغات المقارنة الحديث، وكان من أثر أمثال هذه الدراسات أن انكشف شيء من الغطاء عن تاريخ الهند قبل الحكم الإسلامي منذ القرن الحادي عشر الميلادي، ولعل من أسباب هذا أن الهند كانت محوطة بأسوار من الجبال التي حجبت ما يتلوها، فأتيح للهندوآريين أن يشيدوا حضارة، وأن يؤسسوا ثقافة خاصة بهم، ولعل في مقدمة هذا الديانة البرهمية الوطنية والعقيدة البوذية الشاملة. هذا ولم يكن لغزوات الأجانب من فرس ويونان ومسلمين في سير الحضارة والثقافة الهنديتين وتقاليدهما أثر محسوس أو عميق؛ إذ لا يزال الفلاح الهندي يزرع الأرض ويشعل النار بعصوين، تاليا قراءات دينية معينة، محافظا على تقاليد حياته وعلى أدب الحضارة الآرية على مثال سلفه منذ آلاف السنين إلى الاحتلال البريطاني الذي أدخل معه كثيرا من النظم البريطانية والأوربية في الحضارة والثقافة وما إليهما.
أصل الشعب الهندي
حين غزا الآريون الهند، كان يسكن أكثر بقاعها قوم يطلق عليهم اسم «الدرافيديين» نسبة إلى «الدرافيدا» وهو الاسم القديم لمملكة «التاميل» في جنوبي الهند، غير أن الغزاة أطلقوا على «الدرافيديين» اسم «داس» أو «داسياس» ومعناها «الوطني». وقد وصفتهم «الفيدا» بأنهم شعب ذو بشرة سوداء وأنف عريض، وكانوا في شمال الهند يسكنون قرى محصنة ويملكون قطعانا من الماشية، وقد يكونون قد أدخلوا نظام ري حقول الأرز في وادي الكنج. أما ديانتهم فقد كانت «فالية». وعند «ب.س. فوستار» في كتابه «رحلات الإنسان البدائي وإقامته، ص43 وما بعدها؛ طبعة 1929»: أن أفراد هذا الشعب قد استعمروا غنيا الجديدة حول نهاية الألف الرابعة ق.م، مؤلفين سكان الهند الأقصى وجنوب الصين. أما انتقالاتهم الأولى فهي غير معروفة. هذا ويبدو من اللغات التي لا تزال مستعملة في الهند، أنه يمكن أن يجد الإنسان النيوليتكي، وهو كما أوضحناه في كتابنا «تاريخ ما قبل التاريخ»، إنسان عصر الحجر الجديد، في نسل القبائل الهندية البدائية التي كانت تسكن الغابات كقبائل البهيل والميناس. وعلى هذا قد يكون الذين يتكلمون البراهوية في الوقت الحاضر قد تخلفوا عن الدرافيديين في بلوخستان، حين جازوها في طريق غزوتهم الأولى للهند.
لم يقف الدرافيديون أمام الغزو الآري طويلا وفي كل مكان، بل إنهم تراجعوا أمام الآريين أو أذعنوا لهم؛ لأنه بينما كانت آلات الدرافيديين من الحجر، كان سلاح الغزاة وأدواتهم من المعادن، ومن ثم كانت لهم الغلبة على الوطنيين الذين فقدوا أرضهم وحريتهم وأصبحوا عبيدا للغزاة بل قطعانا، غير أن سكان الجنوب قد وقفوا الغزو الآري قرونا أمام تلال الفيندايا والغابات التي تكاد لا يمكن اقتحامها.
هذا ومنذ التاريخ القديم جدا كان يسكن السهول الواسعة أناس من الرعاة يطلق بعضهم على البعض الآخر اسم «آرياس»؛ أي الإخوان، دب بينهم دبيب الخصومة والانقسام فهاجرت منهم جماعات في فترات غير متلاحقة جنوبا، متخذين من الصخور فئوسا عاونتهم في تحطيم الأشجار مع اتخاذ أخشابها في فلاحة الأرض والدفء وبناء الأكواخ، ووسعهم أن يستخدموا أبناء الأقوام التي غلبوها على أمرها في الزراعة قانعين بالسيادة وبالحرب والغزو، الذي امتد إلى السهول الخصبة الفسيحة في الشمال الغربي من بلاد الهند، متغلبين على المقاومة العنيفة التي أبداها الداسيون، السكان الأصليون لهذه المنطقة، فدانوا للقوة الغاشمة الغازية، وأطلق عليهم الناس بعدئذ اسم «شودارس» الذين تألفت من بعضهم طبقة المنبوذين، بعد أن فر الباقون إلى مستنقعات الدكن وغاباته ولبثوا هناك إلى اليوم.
الفصل الثالث
الآريون في الهند
عند «ماكس ميلار» في كتابه «بيوغرافية الكلمات ووطن الآريين» أن الآرية مجموعة لغات تسمى الأنيدو بوروميان، وأن الآريين هم الذين يتكلمون إحدى اللغات الآرية مهما يكن لون بشرتهم وموقع بلادهم. وعند «إ. و. هو بكينز» في كتابه «الهند القديمة والجديدة» أن جماعة الريجافيدا كانت في منطقة أومبالا، وأن أفرادها كانوا يفخرون بأنهم آريون.
Halaman tidak diketahui
هذا والآريون كانوا في الأصل يسكنون هضبة إيران، وكانوا قبائل عديدة، منها ما ذهب غربا إلى آسيا الصغرى وأوربا، ومنها ما ذهب شرقا إلى الهند، كانوا أهل بداوة ورحالة ومراعي وحرب وهمجية ولصوصية وغزو . ويقال: إن كلمة آري سنسكريتية الأصل ومعناها النبيل، وأن اللغة الآرية واسمها «الهندوأوربية» لغة رئيسية تجيء في المنزلة العالمية القديمة بعد اللغة السامية. والآرية قسمان: (1)
الأوربية:
وتشمل التيوتونية واليونانية والكلتية والإيطالية. (2)
الأسوية:
وتشمل الألبانية والأرمنية والهندوإيرانية، والإيرانية القديمة، والباليتوسلوفية، والسنسكريتية.
شعوب آسيا
قد تكون كلمة «آسيا» مشتقة من أصل آشوري أو عبري، فتكون دالة على «شروق الشمس». كذلك قد تكون كلمة أوربا مشتقة الاشتقاق نفسه، فتكون دالة على «غروب الشمس». ومهما يكن من الأمر، فإن المسألة غامضة. هذا ويبدو أن الروس شعب شرقي، من ناحية أرومته، وأنهم يشبهون الترك والهنود والصينيين؛ كما يبدو أن الصينيين جاءوا إلى بلادهم من ناحية حدودها الغربية، وأن الهنود والإيرانيين جاءوا من ناحية الشمال الغربي، وجاء سكان بورما وسيام من الشمال. أما الترك والمغول فقد جاءوا من وسط آسيا.
استقرار الآريين وحضارتهم في الهند
عند الهندوسيين أن تاريخ الهند يبدأ منذ أكثر من 3000 سنة ق.م؛ أي بالحوادث المفصلة في الملحمة العظيمة «ماهابهاراتا»، وأن أبعد نظرة تاريخية تبين لنا أنه كان هناك شعبان يناضلان في الأرض: (1) الدارفيديون، السكان الأصليون، وهم سود البشرة و(2) الآريون ذوو البشرة الجميلة النقية، وهم الذين جاءوا من ممرات الشمال الغربي لحدود الهند، وساقوا الدارفيديين إلى الجنوب، واحتل الآريون سهول الهندستان. كذلك يؤخذ من الريجافيدا، هذا التذكار الأدبي العظيم، أن الآريين قد نزلوا في البنجاب في عصر تحديده مجهول، أو قل منذ أكثر من 3000 سنة كما قدمنا.
أما عند الأوربيين فإن هذا التاريخ هو 1400ق.م على أن الديانة الفيدية كانت في القرن السادس ق.م. هذا والشعر القديم يصور الآريين على حدود الشمال الغربي يبدءون رحلتهم الطويلة على شاطئ نهر الهندوس في قبائل كانت تبدو متقاتلة، بعضها يحارب بعضها الآخر، أو متحدة ضد سود البشرة وهم السكان الأصليون. وكان أب الأسرة أو الجماعة قسيسها في الوقت ذاته، غير أنه قد يندب أحد متعلميها ليقوم بشئون العبادة والتضحية المقدسة باسم الشعب ، الذي قد ينتخب رئيسه. وقد كان للمرأة مكانة: فكان منها الشاعرة ، وكان الزواج مقدسا، ولمنزل الزوجية حرمة، ولم تكن عادة إحراق الزوجة عند دفن زوجها معروفة يومئذ. وكان الآريون يعرفون المعادن، وكان منهم الجوهري والصائغ والنجار والنحاس والحلاق والصناع الآخرون، كذلك عرفوا بناء السفن والجواد واستخدموه في الحرب، غير أنهم لم يكونوا قد استخدموا الفيل بعد وكانت الماشية أهم ثروتهم، وكانوا يأكلون لحم البقر الذي لم يكن الهندوسيون يأكلونه، وكانوا يقدمون اللحوم والشراب إلى آلهتهم، وكان لهم شراب مخمر من نبات السوما، وكانوا يسيرون شرقا طاردين السكان السود.
Halaman tidak diketahui
وفي القرن السادس قبل الميلاد، كان هناك 16 دولة وإمبراطورية وجمهورية قبيلة، كإمبراطوريات كوزالا، ومجادة، والفاماس؛ والأفانتي ومملكة أودة، التي يبدو أنها أقدم دولة في الهند في 6000ق.م. هذا والمظنون أن الدارفيديين قد وصلوا في القرن السابع قبل الميلاد إلى بابل، وعرفوا الحروف الهجائية السامية، وعادوا بها إلى بلادهم، فتطورت عنها الحروف الهجائية في الهند وسيام وسيلان وغيرها. هذا ويبدو أن الديانات القديمة في الهند ترجع إلى أصول قديمة جدا قبل أن يصوغها منشئوها ويزعمون تقريرها، فقد كان فلاسفة ما قبل التاريخ يعرفون «الجينزية» وهي عقيدة دينية لطائفة في الهند دون غيرها، تعدادها الآن أكثر من مليون. وقد أنشأ هذه الديانة في القرن السادس قبل الميلاد فارداهمانا ماهافيرا، وهي تنادي بتقديس الحياة كلها وبعدم فناء المادة، وأن الروح في تجسدها المتتابع تحتفظ بذاتيتها. كذلك عرف هؤلاء الفلاسفة البوذية، التي أنشأها في 520ق.م. جوتاما بوذا بن راجا مملكة كابيلا «568-488ق.م» وكان أصل اسمه سيد هارتا. أما اسم بوذا الذي أطلق عليه بعدئذ، فمعناه «الرجل المستنير» وفي التاسعة والعشرين هجر داره وزوجه وولده، ممضيا ستة أعوام في التجوال والحرمان ثم آثر أن يقضي ما بقي له في الصوم تحت شجرة المعرفة في بوذا جويا، وهناك تلقى الاستنارة والحكمة؛ ومضى منذ يومئذ يعلم الناس العقيدة الجديدة التي أنشأها؛ أي البوذية التي كانت في أصلها تقوم على طريقة في الحياة ترمي إلى إنقاذ النفس الإنسانية، ثم تطورت إلى ديانة لها طريقتها الفلسفية الخاصة، وغايتها بلوغ درجة النيرفانا حين يتجرد الإنسان من شخصيته كلها وينسحب من ملذات الدنيا، كذلك تتضمن ما ينبغي على الإنسان أن يقوم به لتقوم حياته على الحق والتفكير العقلي الصحيح والتحرر من القيود الإنسانية، فهي تشجع على العزوبة، وسنوضح هذا كله بعد. وحسبنا أن نذكر هنا أن البوذية، فيما عدا الهند، قد انتشرت في التبت وبورما والصين واليابان. فهي إحدى الديانات الثلاث في الصين، وهي الديانة الرئيسية في سيلان.
أما في التبت فقد تطورت إلى اللامية، ويبلغ عدد البوذيين في العالم 160 مليونا الآن.
وقد وجدت البوذية من الممالك اليونانية في البنجاب باعثا جديدا على النهضة «وقد تحول ملك ماجده أو بيهار «264-227ق.م» إلى البوذية، وكان يعول 64 ألف قسيس بوذي، ودورا للعبادة، ومملكة تدعى موناسيترم. وكان هذا العصر فاصلا كما كان عصر الإمبراطور قسطنطين في المسيحية. ولقد غزا اليونان الهند في 327ق.م. وقد ترجع التجارة بين الهند والشرق الأدنى إلى أبعد من هذا.
الفصل الرابع
الآرية والبوذية
منذ نحو سنة 2000ق.م. عرف التاريخ أن أناسا ينطقون بالآرية نزلوا إلى الهند من شمالها الشرقي، وليس يعرف هل جاءوا في غزوة واحدة أم في غزوات متلاحقة، وكيفما كان الأمر، فإنهم نشروا لغتهم السنسكريتية وهي إحدى اللهجات الآرية، وكان سكانها الأصليون قمحيي اللون أو أقرب إلى سواد البشرة. ولئن كانت حضارتهم أرقى من حضارة الشعب الآري إلا أنهم كانوا غير مستمسكين بامتلاك وديان الهندوس والجنج. كما أن الغزاة الآريين آثروا أن يكونوا بمعزل عن غيرهم غير حافلين بالاندماج في السكان الأصليين، على أن من العسير أن يرد المؤرخ سكان الهند إلى عنصر واحد؛ إذ إنهم منقسمون أقساما.
أما البوذية التي أشرنا إليها فهي التي كان منشئها أو صائغها بوذا الذي أصله اسمه - كما قدمنا - سيدهاتا جوتاها وليد أسرة أرستقراطية كانت تحكم أحد الأقسام الصغيرة في منحدرات جبال الهيمالايا، فإنه في التاسعة عشرة قد اقترن بابنة عمه وكانت فتاة جميلة، وكان يهوى الصيد والتجوال في الحديقة تحت أشعة الشمس المشرقة والأحراش وري حقول الأرز، وكان من أثر هذه الحياة الخلية أن أصبح برما بها متطلعا إلى حياة أخرى؛ حياة الجد والتفكير عوضا عن حياة اللهو والخمول ذاهبا إلى أن عهدها قد طال، وأنها أبعد عن أن تكون مفيدة. وطفق «جوتاما» يفكر فيما ينزل بالإنسانية من الكوارث والأمراض وأسباب القلق وفقدان السعادة إلى أن اتفق له أن قابل أحد نساك الهند، الذين كانوا منتشرين في أرضها وكانوا يمضون الوقت في التأمل والجدل الديني منقبين عن حقيقة هذه الحياة الدنيوية. وهنا آثر «جوتاما» أن يقفو قفوهم، ويبدو أنه قد تغشاه شعور روحي جعله يعود إلى داره، وعامدا إلى مغادرته ليلا حين كانت زوجه مع طفله المولود حديثا، ممتطيا جواده في ضوء القمر إلى أن خرج من حدود قريته تاركا جواهره وسيغه محمولا على جواده، الذي عاد إلى الدار، ثم ارتدى ثوبا مرقعا أخذه من أحد المارة بعد أن أعطاه الثوب الأنيق، وأصبح «جوتاما» عاريا عن كل المظاهر الدنيوية إلى أن بلغ مكانا في جبال الونديا، هناك لقي جماعة من النساك القابعين في الكهوف، لا يغادرونها إلا لحاجة في القرية المجاورة.
لم يقنع «جوتاما» بمذهب هؤلاء في علم ما وراء المادة، مؤثرا أن يأوي مع خمسة من صحبه النساك إلى الغابة، آخذا نفسه بالصيام والكفارة المرهقة عن ذنوبه، على نهج ما عرف عن الهنود من صرامة التنسك والزهد الذي يقوم على الصوم واليقظة ليلا وتعذيب النفس، فقد رأى «جوتاما» أن هذه الفلسفة هي الطريق إلى القوة والعلم، وقد ذهبت لجوتاما بهذا شهرة لا ضريب لها في الهند؛ وقد لبث على هذا الضرب القاسي من التنسك إلى أن أغمي عليه وأصابته رهقة، حتى إذا أفاق من غشيته، فاجأ صحبه بفلسفة جديدة ترمي إلى ترك التقشف، والإقبال على الطعام مناديا بأن الحقيقة التي يبحث عنها الإنسان لا يصل إليها إلا إذا شبع وكان صحيح البدن. وهنا هجره صحبه عائدين إلى بنارس، أما هو فقد مضى وحده متنقلا بين البلاد إلى أن جلس يأكل تحت شجيرة عند نهر، ولبث مطرقا مفكرا عامة الليل والنهار إلى أن استوى له من الترميق فلسفته في الحياة، فعاد إلى بنارس مستعيدا صحبه؛ متخذا معهم أكواخا في حديقة الملك دير في بنارس، وهناك أنشئوا ما يشبه المدرسة، التي أصبحت ملتقى الكثيرين من الباحثين عن الحكمة، وكان تعليم جواتيما يدور حول هذا السؤال: لماذا أنا غير مستكمل أسباب السعادة؟
أما ما يعنيه السؤال فهو أن النفس مصدر كل شيء، فإن الآلام مرجعها إلى شهوات الفرد، فإذا لم يقهرها كانت حياته شقاء ومصيره حزنا، وعند «جوتاما» أن شقاء الإنسان يرجع إلى ثلاثة: أولها حب الشهوات المختلفة والشراهة، وثانيها حب البقاء والأنانية، وثالثها حب النجاح الشخصي والدنيا والبخل. فمتى تم قهر النفس؛ أي تم القضاء على هذه النزغات، صفت الروح وحصل الإنسان على أسمى الخير.
ولا مراء في أن هذه الفلسفة تناقض الفلسفة اليونانية التي تتطلب من الإنسان أن ينظر وأن يتعرف الصواب في غير وجل، كما تناقض الفلسفة العبرية التي تأمر الإنسان بأن يخشى ربه وأن يفعل ما هو حق.
Halaman tidak diketahui
ولما كان عند اليهود يومئذ أن الحكمة تجيء إلى الأرض مجسمة في شخص يدعى «بوذا» وذلك عند كل فترة من الزمن، فقد زعم أصحاب «جوتاما» أنه بوذا وأنه آخر البوذة - جمع بوذا - مع أنه ليس ما يثبت أن «جوتاما» قد قبل هذا اللقب. وكذلك انتظر أناس من المسلمين ظهور المهدي ولا يزالون منتظرين.
الفصل الخامس
الآرية والبرهمية بعد غزو الهند
كان الآريون الغزاة كلما تقدموا في أرض البنجاب، فقدوا طابعهم البدائي، وتطورت حالتهم من السذاجة والبساطة، ومن حالة الأقوام المبعثرة، إلى التجمع والاتحاد في ممالك وما يشبه الجمهوريات لمواجهة خصومهم الوطنيين الأصليين، وأصبح صغار الزعماء الآريين قوادا للمحاربين، على حين أن الكشاتريين وهم العريقون في الجندية قد ازدادوا شوكة وسؤددا، وسادوا العامة «الفيزيا». ومن العامة من كانوا جنودا ومن وسعهم أن يبلغوا رتبة الكشتارية، كما يبدو من مطالعة الجزء الأول من فهرس الفيدا ص207 والفصل السابع ص104 من الريجفيدا، ثم إن الكشتاريين أصبحوا على مدى الأيام كثيري العدد يؤلفون طبقة الضباط والقواد للجيش ومنهم «الراجبوت ».
هذا وقد عمد البراهمة إلى جعل منزلتهم ثابتة لا تقتحم منذ انفسح أمامهم ميدان السلطة باشتغال القواد في الحروب المستمرة.
والبراهمة هم جماعة الطبقة العليا الهندوسية الذين لهم وحدهم أن يفسروا الفيدا، وهو الكتاب المقدس للهندوس، والبراهمي هو هذا الذي يستطيع أن يشغل منصب الكاهن أو القسيس الهندوسي، أما البرهمية فهي الديانة التي ينادي بها البراهمة، كهنة الهندوس من الطبقة العليا فيهم.
غير أنه قد كان من أثر قيام الكهنة أو القسس بالطقوس الدينية أن العناصر الحية في الحياة الوطنية قد أصابها العطب والارتباك؛ وكان من عاقبة هذا أن اتحد الكشاتريون مع مفكري البراهمة لتنظيم أداة الحكم وتسيير دفة الحكومة، على حين أن سلطة الملك قد لبثت قائمة على تأييد الشعب له في جمعية القبيلة «السابحا» - راجع الفصل الثالث من الآثار فافيدا. كما أنه قد ثبتت سلطة القسيس على أثر تثبيت مركز القس الملكي «اليوروهيتا» الذي كان يصحب الجند في المعارك لكي يصلي في سبيل ظفر الجند تاليا ما يدعو إلى هزيمة الأعداء. ثم إن عامة الشعب «الفيزيا» أخذوا يقفون جهدهم على الزراعة والتجارة، وثمة طبقة راقية تدعى «سودار»، وهو الاسم الذي كان الآريون يطلقونه على طبقة (الداس) التي أسروها واتخذوها عبيدا، وقد أمكن اندماج بعضهم وأصبح منهم أحرار يحترفون مهنا حقيرة. وطبقا لقانون مانو «الفصل الخامس من دهراما ساسترا»، يصبح آريا الولد الذي يجيء ثمرة اقتران الآري بامرأة غير آرية. هذا وقد كان الآريون طوال القامة وحسني الهيئة. أما الدرافيديون فقد كانت بشرتهم - كما قدمنا - سوداء، وبينما كان الكشاتريون والبراهمة يؤلفان الطبقتين التاليتين في المجتمع، والاختلاف بينهما غير قليل - كان البون بين «الفيزيا» وبين السودار الدرافيدية كبيرا جدا، إذ كانت الفارنا «اللون السنسكريتي» الفاصل بين الشعبين.
ومهما يكن من شيء فإن الآريين قد اندمجوا على مدى الأيام؛ في الوطنيين الأصليين، فليس ثم آري أصيل في الهند إلا في ولاية «راجبوتانا » وبعض الأراضي المنعزلة.
وعند «شامستري» في ص44 من كتاب «تطور الطوائف» أنه تبعا لألوان ملابس الطبقات الهندية: للبراهمة اللون الأبيض ، وللكشاتريين الأحمر، وللفيزيين الأصفر، وللسودريين الأسود. ولعل حضارة الهند أقدم الحضارات الأسيوية عدا الحضارة الصينية.
وقد ذهب «داروين» من دراسة الأحياء إلى أن الكائنات الحية ليست مستقلة، بل أنها قد تسلسلت من أصول قديمة، ومن ثم فإن بينها قرابة، على نقيض ما كان يذهب إليه العلماء. أما الأثريان «اليوت سميث وبيري» فيذهبان إلى أن دراسة الآثار قد برهنت على أن الحضارات القديمة في الهند والصين وإيران وبولينيزيا واليونان وغيرها ترجع إلى أصل واحد هو الحضارة المصرية القديمة.
Halaman tidak diketahui
هذا والبرهمية تقوم على جعل الأسرة وحدة دينية، والطائفة مؤسسة على الأسرة ومعها قسيسها البرهمي. وعند «ب لرازان» في ص338 من كتابه «نظرية الحكومة في الهند القديمة» أن الفكرة الأساسية في «الطائفة» تقوم على أن الفرد لا يعيش لنفسه، وأن السلطة والمكانة والامتيازات وخيرات الدنيا ينبغي أن تكون موزعة طبقا للأعمال.
بين البوذية والبرهمية
قامت في الهند حركة عقلية كان من أثرها الدعوة إلى إصلاح الدين وذلك بنبذ الفيدا وملحقاتها الآنفة الذكر، ووضع «البوذية». وقد لبث الخلاف بين الرجعيين والمصلحين قرنين، وقد أتيح بعدهما «للبوذية» الغلبة على البرهمية خاصة في عام 327ق.م. حين غزا الإسكندر سهول البنجاب. غير أن البرهمية عادت إلى غلبتها في الهند، في حين أن البوذية تغلبت على غيرها من العقائد في الصين واليابان كما أوضحنا في «الفصل الرابع».
الفصل السادس
الفيدا كتاب الهندوس المقدس
الفيدا هو الكتاب الذي جمع الأساطير والأغاني والصلوات والترانيم والأشعار التي راجت خلال الغارات والغزوات القديمة. و«الفيدا» على هذا - هي الكتاب المقدس عند الهندوس الذين يعتقدون أنه وحي من الله موجه إلى قادة الماضي وأنبيائه وعنهم تلقاه «البراهمة»؛ أي طبقة الكهنة أو القسس.
الأدب الهندوسي واللغة السنسكريتية
والفيدا، إلى أنه كتاب تاريخ وعقيدة وحكمة، يعد أقدم الأدب الآري، فهو يتألف من كتب الفيدا الأربعة باللغة الفيدية وهي، إلى أنها أقدم أشكال اللغة السنسكريتية ، فإنها لغة المنشدين من الكهنة؛ أي لغة الخاصة، هذا والفيدا معناها «القصة المقدسة»، إذ إنها عند الهندوس موحى بها، في حين أنهم يعدون ما جاء بها من صنوف السامهيتا (المجموعات) كتعاليم متوارثة. وكان الهندوس يحفظون كتب الفيدا عن ظهر قلب حتى بعد أن عرفوا الكتابة وإلى نحو نهاية عصر الفيدية كانوا يتناقلون الكتب مشافهة في دقة لا خطأ فيها.
أما اللغة السنسكريتية، ومعناها الحرفي (الموضوعة معا) فهي ما تطورت إليه اللغة الفيدية، وكانت لغة البراهمة وأرستقراطيي الآريين أو لغة أرض الآريين. أما العامة فكانوا يتكلمون بالباركريتية كما كانت اللغتان الفرنسية النورماندية والساكسونية منتشرتين في إنجلترا بعد الفتح. هذا وقد لبثت اللغة السنسكريتية لا تتغير أكثر من ألفي سنة، غير أن لغة الكلام في الهند قد تفرعت من السنسكريتية إلى 222 لغة أو لهجة، ترجع إلى خمس لغات أصلية: (1)
أقدمها الأوسترية:
Halaman tidak diketahui
يتكلمها جماعة الموندا في كوتا ناجيور والمراكز الشمالية في مدراس ولغة القبائل البدائية مثل الجوند، وهي أكثر لغات العالم انتشارا؛ إذ يتكلمها أناس من لغة إيستار في جنوب أمريكا إلى مدغشقر ومن نيوزيلند إلى البنجاب «راجع 524 من تقرير الإحصاء الهندي في 1911». (2)
الدارفينية:
يتكلمها الهنود الذين ليسوا من أصل آري، ومنها التاميلية والتيلوجية وخمس لغات أخرى تنقسم إليها ويتكلمها 86 مليونا في الهند الوسطى والجنوبية. (3)
الهندوآرية:
وتنقسم إلى الهندية وهي لغة ثلث سكان الهند، والبنغالية والماراثية والجوجيراثية والبنجابية. (4)
السامية:
التي أدخلها في الهند فاتحوها المسلمون. (5)
التبيتو صينية.
كيف تألفت كتب الهندوس المقدسة؟
تألفت الفيدا تبعا للتواريخ الآتية بعد، وهي أقرب إلى الفرض منها إلى الدقة، فالشعر الموجه إلى أوشاس الفجر قد وضع حول 1200ق.م. «راجع ص112 و113 الجزء الأول من تاريخ الهند».
Halaman tidak diketahui
وعند ب. ج. تيلاك في كتابه «الوطن القطبي في الفيدا» أن أقدم كتب الفيدا يرجع إلى 4500ق.م. وأن أقدم عهد للحضارة الآرية يبدأ بين 6000 و4000ق.م. «راجع أريون وأبحاث في الأثر القديم للفيدا-پونا طبعة 1916».
هذا وتشتمل الفيدا الجديدة والقديمة على: (1)
الريجفيدا:
1028 نشيدا شاملة ما ورد في الكتاب الثامن ، مصاحبة للضحايا إلى الآلهة. (2)
الساما فيدا:
وهي مجموعة أغان من «الريجفيدا». (3)
الياجورفيدا: (أ) السوداء، وتشتمل على صلوات قربانية شعرا ونثرا، والنثر الفيدي الأقدم مختلط بالتعليقات. و(ب ) البيضاء، وفيها فصلت تعليقات النثر من الأوراد المكررة. (4)
الأثارفافيدا:
التي تصف عقائد الجمهور في الأرواح الشريرة والسحر والرقية منذ ثلاثة آلاف سنة. وهذا الكتاب قد لبث وقتا لا يعترف به ككتاب سماوي مقدس، بل لا يزال براهمة الهند الجنوبية لا يعترفون به.
هذا وقد كانت ديانة الهنود في عهد كتابهم «الريجفيدا» غير معقدة وإن كانت آلهتهم التي كانوا يقدمون إليها القرابين، متعددة؛ إذ كانت ديانتهم تقوم على عبادة الطبيعة مشخصة في أشكال متنوعة.
Halaman tidak diketahui
كتب أخرى
وثمة كتب أخرى، حسبنا أن نذكر منها:
كتاب الماها بهاراتا وهو من وضع مؤلفين كثيرين، وهو مؤلف من 200 ألف سطر، وثمرة قرون، وهو يشتمل على فلسفة ودين وقصص وبحوث قانونية، ويرجح أنه يرجع إلى أقدم عهد منذ القرن الرابع ق.م. إلى القرن الرابع ب.م. ومنه نقف على شيء من الفكرة السياسية الهندوسية.
وعلى امتداد الزمان ومطويات الأيام عسرت لغة «الفيدا»، وغمضت معانيها على المتأخرين، وزادها تعقيدا ما ألحق بها من المتون والشروح مما كان من أثره أن عمد البراهمة - أي الكهان - إلى التوفيق بين الشروح المتباينة، فظهر هذا في كتاب جديد اسمه «براهمانا»، تلاه ذيل له اسمه «اليوپانشاد» في 500ق.م. وفيه الترميق اللاهوتي والنزعات الصوفية الداعية إلى طهارة القلب وصفاء النفس وأن المعرفة أساس التحرر، وفيه أشياء أخرى تعد إلغاء لبعض شعائر البراهمانا.
هذا والفيدا والبراهمانا واليوپانشاد هي كتب الوحي الهندوكية، تقرأ فيها تعدد الآلهة والإلهات وتنوع اختصاصاتها ونزعات التوحيد ووحدة الوجود والحلول. وهذه الكتب الثلاثة أدنى إلى أن تكون نظاما اجتماعيا يرخص بالعقائد المختلفة من أن تكون دعوة إلى عقيدة معينة.
على أن هذه الآلهة المتعددة قد ترقت على الأيام إلى وحدة منها انبثق الخلق وإليها يعود، خاصة في «اليوپانشاد» وما أعقبه من الفيدانتا ومعناها الحرفي خاتمة الفيدا. أما أساس «الفيدانتا» فهو أن الله والنفس الإنسانية شيء واحد، وإن كان إدراك الإنسان يصور له أنهما متباينان.
هذا وقد تألفت، على الأيام، من طائفة من الأساطير والقصص والأشعار كتاب «بيورانا» في القرن السادس الميلادي، وهو الكتاب الذي يقدسه الهندوس المحدثون إذ يقرءون فيه بيانا مفصلا عن حياة الآلهة والقديسين وعن الخلق، وتراتيل دينية، وحقائق مركبات الأرض وشيئا عن التشريح، وقواعد الموسيقى والقلب وقواعد اللغة. أما الآلهة في هذا الكتاب فثلاثة: (1)
براهما، الإله الخالق. (2)
فشنو، الإله الحافظ على صورة رجل ذي لحية وأربعة رءوس وأربع أيد في يد منها: الصولجان رمز القوة. وفي اليد الثانية أوراق الشجر رمز الكتب المقدسة، وفي الثالثة زجاجة ماء اللبخ، وفي الرابعة يحمل عقدا وهو رمز للصلاة. (3)
شيفا أو سيفا، الإله المهلك.
Halaman tidak diketahui
الفصل السابع
الكتب الهندية المقدسة كمصدر للتاريخ
إن كتب الفيدا وما أعقبها من الأشعار القصصية ومجموعات القوانين والمرويات، هي المصدر الوحيد لما عرفه التاريخ عن الآريين في خلال مئات السنين، وليس مستطاعا جمع الحقائق إلا من طريق الاستنتاج.
أما تطوراتهم الدينية والاجتماعية، فمن الميسور تتبعها، ذلك أن كهنتهم لم يحفلوا بالتاريخ السياسي، بل كان همهم تتبع الدين والفلسفة والقانون والنظم الاجتماعية والعلم. ولم يبدأ تدوين تاريخ الهند الشمالية الغربية إلا منذ غزاها الفرس واليونان، فمنذ يومئذ عرف شيء عن تاريخ الهند وعن تحديد حوادثها وسكانها وبعض تفصيلات الحياة فيها. غير أنه لا يزال تاريخ ميلاد جوتاما بوذا وتاريخ وفاته غير معروفين على وجه الدقة. وقد كتب عن الهند بعض اليونانيين في سياق تاريخ ملك الفرس «أرثا كسيريكس منيمون». أما التاريخ الصحيح فإنه يبدأ منذ حملة الإسكندر الأكبر، ووصول ميجاستينز سفير سيلويكاس نيكاتور إلى بلاط أول إمبراطور للهند.
هذا وعند كامب «ص66-67 الجزء الأول من تاريخ الهند» أن هناك أسبابا جغرافية وإثنولوجية «وصفية للسلائل والأجناس البشرية وعاداتها» تدعو إلى القول بأن الشعب الهندوآري جاء من السهول الخصبة في النمسا والمجر وأعالي بوهيميا. وكان سكانها يطلق عليهم اسم «الويروس» حول 2500ق.م. ويقال إن بعض قبائلهم هجرت أوربا إلى آسيا فوصلوا إلى باكتريا «بلخ» في زمن بين 2000 و1500ق.م. وبعد أن اخترقوا آسيا الوسطى، ذهبوا جنوبا مجتازين ممرات الهندو كوش إلى أفغانستان، ومنها إلى السهول، وكان الآريون هناك فريقا من الغزاة من أبواب كابول الكورام وأنهار الجومال.
الفصل الثامن
أصل نظام الطوائف الهندية
الطائفة في الهند مجموع أسر تقوم رابطة بعضها بالبعض الآخر على أساس القيام بالطقوس المقررة خاصة الزواج والطعام، إذ إن قوانين الزواج من أشد ما عرف من أمثالها، والطائفة نظام وراثي يفرض على الرجل أن لا يتزوج من نساء أسرته، على حين لا يجوز له أن يتزوج من خارج طائفته. وثمة أناس يعهد إليهم بمهمة الحكام يسمون «البانشايات». تعينهم كل طائفة للفصل فيما يتصل بمخالفة القوانين، كالاعتداء على الآداب العامة ونقض الزواج، والديون.
وعند الهندوسي المؤمن بعقيدة أن للطائفة أصلا سماويا، غير أنه ليس ثمة ما يثبت أن الآريين عرفوا الطوائف حين كانوا في البنجاب، هذا وقد جاز النظام الطائفي مراحل مختلفة، خاصة كلما اندمج أهل إحدى الطبقات بغيرها عن طريق الزواج المختلط، أو حين تصبح إحدى القبائل الوطنية الأصلية أو بطنا أو فخذا منها هندوسيا، سواء أبقي الاسم لأن اسمه الأصلي أم غيره، أو حين تنتقل جماعة من حرفتها الأصلية إلى غيرها، أو حين تعمد فئة من الناس إلى تأليف طائفة جديدة أو حين تتغير الطقوس.
وليس بعجيب - والأمر كما بينا - أن يكون من أثر هذا أن يقترن تاريخ الهند بالفتن والحروب الداخلية وبقيام الدول والدويلات المتخاصمة، وأن لا تشهد الهند، طوال عهدها الطويل، غير فترات قليلة من السكينة والسلام، وذلك حين كان يتاح للحكومة المركزية القوة لفرض إرادتها على البلاد. ومن هنا طالما قامت هناك الإمبراطوريات، وسقطت من غير أن يؤثر هذا في حياة الهندوس؛ إذ إنهم كانوا خاضعين لنظامهم الطائفي بما يقوم عليه من الواجبات الاجتماعية والدينية والتبعات الاقتصادية والمدنية. وحسبنا أن نذكر هنا ما كان قائما بين ظهرانيهم من نظام حماية الأرامل واليتامى والطاعنين في السن والعجزة. قال «مونير ويليامز»: لقد جنت الهند من وراء النظام الطائفي - إلى إذكاء روح التضحية بالذات - كفالة خضوع الفرد لهيئة نظامية، وقمع الرذيلة، ومنع التسول».
Halaman tidak diketahui