قويا جامعا للقبائل، ثائرا على صهره الملك علي، فوقعت بينهما حرب هزم فيها جيش الملك علي وقتل الملك نفسه.
ثم أعلن الرأس كاسا نفسه ملكا لملوك الحبشة، وتوج في 7 فبراير سنة 1855 باسم «تيودور الثاني».
ويقول السنيور «لامبرتي سورينتينو» إن الرأس كاسا قد نشأ نشأة عسكرية وإنه كان رجلا مهيبا، وكان برنامجه توحيد البلاد الحبشية وجلعها وحدة سياسية ومملكة قوية، وقد نجح في إخضاع الرءوس الإقليميين؛ ولذا يمكن عد «تيودور» أول مؤسس للحبشة الحديثة، وعقد الصلات السياسية والتجارية مع البلاد الأوروبية ولا سيما مع فرنسا وإنجلترا.
ولكن «تيودور» عاد فأوجس خيفة من تغلغل النفوذ الإنجليزي، ولعله كان واقعا تحت تأثير النفوذ الفرنسي يومئذ، فألقى القبض على مستر كامرون قنصل إنجلترا وعلى الموظفين والمبشرين والتجار الإنجليز؛ فأثار هذا الفعل ثائرة الإنجليز ووسطوا الخديو إسماعيل لإطلاق سراح الأسرى، ولكن تيودور أصر على بقائهم في الأسر، فلم تر إنجلترا بدا من إرسال بعثة عسكرية بقيادة سير روبرت نابيير. وتحالف الخديو مع الإنجليز ضد الحبشة، وأمر الخديو عبد القادر الطوبجي باشا - محافظ مصوع - بمساعدة الجيش الإنجليزي برا، وبأن يكون الأسطول المصري تحت أمره. وقد تغلغل الجيش الإنجليزي وحلفاؤه داخل بلاد الحبشة، واحتل «مجدلا» التي تقع شمالي أديس أبابا، وانتحر «تيودور» وانسحب الإنجليز، وآل ملك الحبشة إلى الملك يوحنا.
هذا وقد كان عدد الحملة الإنجليزية بقيادة السير روبرت نابيير أربعة آلاف إنجليزي، وتسعة آلاف وخمسمائة هندي من بومباي إلى زولا قرب مصوع، وأخذ معه عشرة آلاف حيوان بينها بغال وأفيال لجر المدافع الخفيفة والثقيلة. وكان الإمبراطور مخيما في مجدلا على بعد أربعمائة ميل عن زولا التي بلغها الإنجليز في شهر نوفمبر سنة 1867، وكان الطقس يتراوح بين حر لاذع وبرد قارص، قال عنه ستانلي الرحالة أن ست بطانيات صوف لم تكف ليلا لدفئه.
وكان تيودور مكروها من القبائل في بلاده؛ فلم يتعرض أحد منها لمواصلات الجيش الإنجليزي الطويلة، ولولا ذلك لما أمكنها الإقدام بتلك السهولة، ولاسيما أن الجنرال نابيير
5
اهتم جدا بأمر القبائل، فأخذ معه نصف مليون دولار نمسوي فضي تحمل صورة ماريا تريزا مؤرخة سنة 1780، وقد جرى ضربها خصيصا له في فيينا. هذه النقود المتداولة في الحبشة كانت ذات تأثير عظيم في القبائل المتنكرة للنجاشي، فحملت إلى القائد الإنجليزي أطعمة لعشرين ألف جندي وعلفا لستين ألف حيوان، وجعلت تهدم خيامها وتقدمها وقودا للطباخين.
وقد جرت معركة واحدة في هذه الحرب قتل فيها 560 حبشيا وجرح كثيرون، أما الإنجليز فلم يخسروا إلا خمسة عشر جريحا فقط شفوا جميعا فيما بعد، ومات منهم بالأمراض 11 ضابطا و37 رجلا.
ومما يؤثر عن هذه المعركة أن الإمبراطور تيودور نفسه لما رأى ما حل بجماعته من الهزيمة المشئومة انتحر في ساحة القتال برصاصة أطلقها على صدغه من مسدس فضي كانت الملكة فكتوريا قد أهدته إليه سنة 1854. (7) بين الحبشة والمماليك
Halaman tidak diketahui