أسماء الممثلين
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
أسماء الممثلين
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
مريض الوهم
مريض الوهم
تأليف
موليير
ترجمة
إلياس أبو شبكة
أسماء الممثلين
أرغان:
مريض وهم.
بلين:
زوجة أرغان الثانية.
أنجليكا:
ابنة أرغان وعشيقة كليانت.
لويزون:
صغرى بنات أرغان وشقيقة أنجليكا.
بيرالد:
شقيق أرغان.
كليانت:
عشيق أنجليكا.
السيد ديافواروس:
طبيب.
توماس ديافواروس:
ابنه وعشيق أنجليكا.
السيد بورغون:
طبيب أرغان.
السيد فلوران:
أجزائي.
السيد بونفوا:
كاتب عدل.
توانيت:
خادمة.
الفصل الأول
المشهد الأول
أرغان (جالسا وحده إلى منضدة أمامه يعد بقطع من النحاس (فيش) بعض عقاقير أجزائية) :
اثنان وثلاثة ... خمسة، وخمسة عشرة، وعشرة ... عشرون (يأخذ زجاجة ويقرأ عليها ما يلي): «تستعمل في اليوم الرابع والعشرين حقنة صغيرة تدخل بسرعة فتنظف أحشاء حضرتك وتبردها، ثلاث فرنكات.» إن الذي لا يعجبني في السيد فلوران الأجزائي هو أن ثمن عقاقيره مرتفع دائما ويطلبه بلهجة رسمية، ينبغي للمرء أن يكون عاقلا فلا يجرد المرضى من فلوسهم، ثلاثة فرنكات ثمن تنظيف أحشاء؟! يكفي فرنكان، «وفي مساء اليوم نفسه تأخذ جرعة من شراب الجولاب ركب خصيصا لتنويم حضرتك، وثمنه ثلاثة فرنكات.» لا بأس فهذا الشراب ينومني في الليل «وفي اليوم الخامس والعشرين تأخذ جرعة مسهلة ومقوية ركبت من الجولاب الشرقي وغيره حسب إشارة السيد بورغون، وثمنها أربعة فرنكات» هو! إنك تهزأ يا سيد فلوران، فالسيد بورغون لم يأمرك بأن تضع أربعة فرنكات، ضع ثلاثة فرنكات فقط. «وفي اليوم السادس والعشرين تستعمل حقنة لتسريح الغازات من بطنك. فرنكان.» فرنك واحد يا سيد فلوران، «وتستعمل في اليوم السابع والعشرين علاجا يطرد خارجا أفكارك السوداء. ثلاثة فرنكات» حسنا، أنا شديد الغبطة بهذا السعر المعقول، «وفي اليوم الثامن والعشرين تأخذ جرعة من الحليب الممزوج بالشراب لتبرد دم حضرتك، خمسة فرنكات» هو هو! مهلا يا سيد فلوران، إذا استمرت مطالبك على هذه الخطة فإني أعدل عن المرض، فاكتف بأربعة فرنكات، لقد تناولت هذا الشهر ثمانية علاجات، واستعملت اثني عشر تنظيفا، وفي الشهر الماضي تناولت اثني عشر علاجا واستعملت عشرين تنظيفا، فلا غرابة إذا كانت صحتي في هذا الشهر أسوأ منها في الشهر الفائت، وسأطلع السيد بورغون على ذلك ليضع له حدا. هيا، خذوا من أمامي هذه العقاقير. (ينتبه إلى أن لا أحد في الغرفة!)
لا أحد هنا! إنهم يتركونني دائما وحدي، (يقرع جرسا أمامه)
لا يسمعون ولن يسمعوا؛ فجرسي لا يدق دقا كافيا، درلن، درلن، درلن. عبثا كأنني لا أدق، يا كلبة! يا حمقاء! إنهم طرش! توانيت (يكف عن قرع الجرس ويجعل يصرخ)
درلن، درلن، درلن، أخذكم الشيطان! أيتركون مريضا وحده؟! (يصرخ)
درلن، درلن، درلن، إنه لأمر فظيع! إنهم يتركونني أموت وحدي! درلن، درلن.
المشهد الثاني (أرغان - توانيت)
توانيت (وهي داخلة) :
آتية، آتية.
أرغان :
آه يا كلبة! آه يا حمقاء!
توانيت (تتظاهر بأنها لطمت رأسها) :
يا لك لجوجا! إنك تلح في طلب الناس إلحاحا جعلني ألطم رأسي على زاوية النافذة.
أرغان (غضبان) :
آه يا خائنة!
توانيت (تقاطعه) :
آه!
أرغان :
منذ ...
توانيت :
آه!
أرغان :
منذ ساعة ...
توانيت :
آه!
أرغان :
لقد تركتني ...
توانيت :
آه!
أرغان :
اخرسي أيتها الحمقاء ودعيني أخاصمك؛ فلقد جرحت حنجرتي.
توانيت :
وأنت، لقد جعلتني أحطم رأسي، وهذا يساوي تلك، واحدة بواحدة إذا شئت.
أرغان :
ماذا؟! أيتها الحمقاء ...
توانيت :
إذا خاصمت أنت أبكي أنا.
أرغان :
تتركينني أيتها الخائنة؟!
توانيت (تقاطعه) :
آه!
أرغان :
تريدين يا كلبة؟! ...
توانيت :
آه!
أرغان :
ماذا؟! وهل ينبغي أن لا أذوق حتى لذة الخصام؟
توانيت :
خاصم ما شئت وكيف شئت.
أرغان :
ولكنك يا كلبة، لا تدعينني أخاصمك بمقاطعاتك المتواصلة.
توانيت :
إذا كان الخصام يحلو لك فأنا بدوري يحلو لي البكاء، كل له لذته، آه!
أرغان :
هيا ... قفي عند هذا الحد، أخرجي هذه العقاقير من هنا يا حمقاء! (ينهض)
هل نجحت الحقنة التي استعملتها اليوم؟
توانيت :
حقنتك؟
أرغان :
نعم؛ كيف كان البول؟
توانيت :
وحقك إني لا أتدخل في هذه المسائل، فعلى السيد فلوران أن يضع فيها أنفه لأنه يستفيد منها.
أرغان :
اهتمي بأن تهيئي لي واحدة أخرى أستعملها بعد هنيهة.
توانيت :
أرى أن السيد فلوران هذا وذلك السيد بورغون يتصرفان بجسمك كما يريدان، وأنهما يجدان فيك بقرة حلوبا، وإني لأريد أن أسألهما أي داء اكتشفاه فيك ليصفا لك جميع تلك الأدوية؟!
أرغان :
اخرسي أيتها الحمقاء، فليس من شأنك أن تراقبي وصفات الطب. أحضري إلي ابنتي أنجليكا فلدي ما أقوله لها.
توانيت :
ها هي ذي جاءت من نفسها؛ فلقد حزرت فكرك.
المشهد الثالث (أرغان - أنجليكا - توانيت)
أرغان :
اقتربي يا أنجليكا، فلقد جئت في وقتك وكنت أريد أن أكلمك.
أنجليكا :
ها أنا ذا مستعدة لسماع ما تريد أن تقوله.
أرغان :
انتظري، (لتوانيت)
هاتي عصاي، فسأعود بعد هنيهة.
توانيت :
أسرع بالذهاب يا سيدي، أسرع؛ فالسيد فلوران يخلق لنا مشاكل.
المشهد الرابع (أنجليكا - توانيت)
أنجليكا :
توانيت!
توانيت :
ماذا؟
أنجليكا :
انظري إلي هنيهة.
توانيت :
نظرت إليك ... ماذا؟
أنجليكا :
ألم تحزري عمن أريد أن أحدثك؟
توانيت :
أشك في أني حزرت، أعن عشيقنا الشاب؟ أظنك تريدين أن تحدثيني عنه؛ لأن أحاديثنا تدور عليه منذ ستة أيام، ولا أخالك ترتاحين إلى نفسك إذا أنت لم تفتحي حديثه في كل ساعة.
أنجليكا :
بما أنك تعرفين ذلك؛ فلا بأس أن أجعلك أول من تحدثني عنه، وإني أعترف لك أني لن أتعب أبدا من التحدث عنه، وأن قلبي يغنم جميع الفرص لكي ينفتح لك، ولكن اصدقيني يا توانيت، هل حدثتك نفسك يوما بأن تأخذي علي العواطف الملتهبة التي أحس بها نحوه؟
توانيت :
معاذ الله!
أنجليكا :
وهل أنا مخطئة في استسلامي إلى تأثيراته العذبة؟
توانيت :
لم أقل ذلك.
أنجليكا :
وهل تريدين أن أخرس شواعري أمام ذلك الهوى المضطرم الذي يشعر به نحوي؟
توانيت :
معاذ الله!
أنجليكا :
اصدقيني قليلا، ألا ترين مثلي شيئا من السماء ومن مشيئة القدر في حكاية تعارفنا؟
توانيت :
بلى.
أنجليكا :
ألا ترين أن دفاعه عني من غير أن يعرفني لا يمكن أن يصدر إلا عن رجل شريف؟
توانيت :
بلى.
أنجليكا :
وأن الإنسان لا يستطيع أن يطلب أكثر من ذلك؟
توانيت :
اتفقنا.
أنجليكا :
وأنه عمل ذلك بألطف ما يكون؟
توانيت :
بدون ريب.
أنجليكا :
ألا ترين يا توانيت أنه شخصية ممتازة؟
توانيت :
لا جدال في ذلك.
أنجليكا :
وأن هيئته تدل على أنه أجمل شاب في العالم؟
توانيت :
بكل تأكيد.
أنجليكا :
وأن في أقواله وأعماله أشياء نبيلة؟
توانيت :
هذا أمر لا نزاع فيه.
أنجليكا :
وأنه لا يمكن أن يسمع كلام أعشق من الكلام الذي يسمعني إياه؟
توانيت :
صحيح.
أنجليكا :
وأنه ليس ثمة أشأم من المعارضة التي يقفون بها حائلا بيني وبينه والتي تسد كل صلة بيننا وبين ذلك الحب الناري الذي توحيه إلينا السماء؟
توانيت :
الحق في جانبك.
أنجليكا :
ولكن يا توانيت، أتعتقدين أنه يحبني بمقدار ما يؤكد لي؟
توانيت :
هه هه! إن هذه المسائل كثيرا ما تستلزم كبير تدقيق، فتكشيرات الحب شديدة الشبه بالحقيقة، ولقد رأيت في ذلك جمهورا من كبار الممثلين.
أنجليكا :
آه! ماذا تقولين يا توانيت؟! وهل يمكن أن لا يكون صادقا في كلامه؟!
توانيت :
على كل ستتحققين ذلك بنفسك، ورسالته التي تسلمتها أمس والتي يطلب فيها يدك للزواج ستكون سبيلا لك لتعلمي أصادق هو أم كاذب.
أنجليكا :
آه يا توانيت! إذا خدعني هذا فلن أصدق رجلا في حياتي.
توانيت :
هو ذا والدك قادم.
المشهد الخامس (أرغان - أنجليكا - توانيت)
أرغان :
أريد أن أطلعك يا بنتي على نبأ ربما لم تكوني تنتظرينه؛ إنك مطلوبة للزواج ... ماذا؟! تضحكين؟! صحيح، إن كلمة زواج تفرح وتسر، آه أيتها الطبيعة! أيتها الطبيعة! وأرى يا بنتي أن أسألك إن كنت ترغبين في الزواج.
أنجليكا :
يجب علي يا والدي أن أنزل على كل ما تأمرني به.
أرغان :
أنا مسرور بأن تكون بنتي مطيعة، إذن فالقضية انتهت ولقد وعدت بك.
أنجليكا :
علي أن أسير حسب مشيئتك سيرا أعمى يا أبي.
أرغان :
كانت زوجتي - خالتك - ترغب إلي أن أجعلك راهبة، وهذا رأي أختك الصغرى أيضا.
توانيت (على حدة) :
هذه البهيمة لها حجتها في ذلك.
أرغان :
لم تكن تريد أن ترضى بهذا الزواج، ولكني حملتها على الاقتناع بصحته وأعطيت كلامي.
أنجليكا :
إني لمدينة لك بهذا الكرم يا أبي.
توانيت (لأرغان) :
الحق أقول لك أني شاكرة لك ذلك، وهذا أعقل عمل قمت به في حياتك.
أرغان :
لم أر الشخص بعد، ولكن قيل لي أني سأرتاح إليه، وأنت أيضا.
أنجليكا :
بدون ريب يا أبي.
أرغان :
كيف رأيته؟
أنجليكا :
بما أن إرادتك تفسح لي أن أفتح لك قلبي فلا أتردد في القول لك أن الصدفة شاءت أن نتعارف منذ ستة أيام، وأن الطلب الذي عرض عليك إنما هو نتيجة الميل الذي تبادلناه.
أرغان :
لم أعرف ذلك، ولكني مسرور جدا بمعرفته، قيل لي إنه فتى عال.
أنجليكا :
نعم يا أبي.
أرغان :
ذو قامة جميلة.
أنجليكا :
بدون ريب.
أرغان :
جذاب في شخصه.
أنجليكا :
بكل تأكيد.
أرغان :
ذو سحنة جميلة.
أنجليكا :
جميلة جدا.
أرغان :
عاقل وشريف الخلق.
أنجليكا :
هكذا تماما.
أرغان :
نبيل.
أنجليكا :
أنبل شخص في العالم.
أرغان :
يجيد التكلم باليونانية واللاتينية.
أنجليكا :
هذا ما لست أعلمه.
أرغان :
وينال شهادة الطب بعد ثلاثة أيام.
أنجليكا :
هو يا والدي؟
أرغان :
نعم؛ أولم يقل لك ذلك؟!
أنجليكا :
لا وحقك، ومن قال لك ذلك؟!
أرغان :
السيد بورغون.
أنجليكا :
وهل السيد بورغون يعرفه؟!
أرغان :
يا له سؤالا غريبا! يجب أن يعرفه لأنه ابن عمه.
أنجليكا :
وهل كليانت ابن عم السيد بورغون؟!
أرغان :
أي كليانت تعنين؟! نحن نتكلم عن الفتى الذي طلبت يدك له.
أنجليكا :
نعم.
أرغان :
وهذا الفتى هو ابن عم السيد بورغون الذي هو ابن صهره الطبيب السيد ديافواروس، وهذا الابن يدعى توماس ديافواروس وليس كليانت، ولقد عقدنا هذا الزواج في الصباح، السيد بورغون والسيد فلوران وأنا، وغدا يجيء إلي هذا الصهر مصحوبا بوالده ... ماذا؟! أراك مضطربة!
أنجليكا :
ذلك يا أبي إنك تكلمت عن شخص غير الذي أعنيه.
توانيت :
ماذا يا سيدي؟! كيف سمحت لنفسك أن تقوم بعمل كهذا؟! وهل تريد أن تزوج ابنتك من طبيب مع تلك الثروة التي تملك؟!
أرغان :
أجل؛ ولكن أي شأن لك أنت يا وقحة؟!
توانيت :
إنك شديد التسرع، ألا نستطيع أن نتفاهم معا من غير أن نتخاصم؟! تعال نتكلم بهدوء. ما هي حجتك في صحة زواج كهذا ؟
أرغان :
حجتي هي أني أريد أن أصاهر وأحالف الأطباء لأني مريض مقعد، ومصاهرتي للأطباء تسمح لي بأن أتكئ في مرضي على عضد أمين، وأن أوفر لعيلتي مصادر الأدوية التي أنا بحاجة إليها.
توانيت :
طيب، هذه حجة مقنعة، ولكن فكر جيدا ... أمريض أنت؟
أرغان :
ماذا تقولين أيتها الحمقاء؟ نعم؛ أنا مريض! نعم؛ أنا مريض أيتها الوقحة!
توانيت :
إذن، نعم، يا سيدي أنت مريض، ولا ينبغي أن نتخاصم على ذلك، نعم، إنك مريض جدا، أوافق على ذلك، ومريض أكثر مما تظن، ولكن ابنتك يجب أن تتزوج بقرين لها هي، وبما أنها ليست مريضة فلا حاجة لأن تعطي يدها لطبيب.
أرغان :
إني أزوجها من طبيب لأجلي أنا، والابنة الشريفة يجب أن تفرح وتغتبط بالاقتران بمن هو مفيد لصحة والدها.
توانيت :
وحقك يا سيدي، أتريد أن أنصحك كصديقة؟
أرغان :
ما هي هذه النصيحة؟
توانيت :
هي أن لا تفكر بهذا الزواج.
أرغان :
والسبب؟
توانيت :
السبب هو أن ابنتك لن ترضى به.
أرغان :
لن ترضى به؟!
توانيت :
لا.
أرغان :
ابنتي أنا؟!
توانيت :
ابنتك أنت. وستقول لك أنها لا تعبأ بالسيد ديافواروس ولا بابنه توماس ديافواروس ولا بجميع ديافواروس العالم.
أرغان :
أما أنا، فإني أعبأ بهم جميعا عدا أن القسمة صالحة جدا؛ فالسيد ديافواروس غني كبير ولن يرثه غير ابنه توماس، ثم إن السيد بورغون الذي لا زوجة له ولا بنين سيعطيه جميع ما يملك لأجل هذا الزواج، والسيد بورغون رجل يبلغ دخله السنوي ثمانية آلاف فرنك.
توانيت :
لا بد أنه فتك بكثير من الناس حتى صار غنيا!
أرغان :
ثمانية آلاف فرنك دخل سنوي! مبلغ لا يستهان به! فضلا عن أن ثروة الأب كبيرة جدا ...
توانيت :
كل هذا حسن يا سيدي، ولكني أعود فأنصحك، ويجب أن تبقى هذه النصيحة بيننا، بأن تختار لها زوجا آخر، فابنتك لم تخلق لتكون مدام ديافواروس.
أرغان :
وأنا أريد أن يكون ذلك.
توانيت :
أف! لا تقل ذلك.
أرغان :
كيف لا أقول ذلك؟!
توانيت :
لا، لا تقل!
أرغان :
ولماذا لا أقول؟!
توانيت :
لكيلا يقول الناس أنك لا تفكر بما تقول.
أرغان :
ليقل الناس ما يشاءون، وأكرر عليك أني أريد أن تنفذ الكلام الذي أعطيته.
توانيت :
وأنا أكرر عليك أنها لن تنفذه.
أرغان :
إذن أرغمها عليه.
توانيت :
قلت لك إنها لن تصغي إليك.
أرغان :
ستصغي أو أدخلها إلى الدير.
توانيت :
أنت؟!
أرغان :
أنا.
توانيت :
طيب!
أرغان :
كيف طيب؟!
توانيت :
لن تدخلها إلى الدير.
أرغان :
لن أدخلها إلى الدير؟!
توانيت :
لا.
أرغان :
لا؟!
توانيت :
لا.
أرغان :
إنها لحكاية مضحكة. لن أدخل ابنتي إلى الدير إذا شئت؟!
توانيت :
قلت لك لا.
أرغان :
ومن يمنعني؟!
توانيت :
أنت نفسك.
أرغان :
أنا؟!
توانيت :
نعم؛ فلن تسمح لقلبك أن يعمل هذا العمل.
أرغان :
بل أسمح له.
توانيت :
أنت تمزح.
أرغان :
لا، لا أمزح.
توانيت :
العاطفة الأبوية تتغلب عليك.
أرغان :
لن تتغلب علي.
توانيت :
دمعة صغيرة أو دمعتان، ذراعان ترتميان على عنقك، ويا والدي الصغير خارجا من شفتين عذبتين تكفي لتحرك عواطفك.
أرغان :
لا أعبأ بهذا كله.
توانيت :
بلى، بلى.
أرغان :
قلت لك لا أعبأ.
توانيت :
سخافات.
أرغان :
لا ينبغي أن تقولي: سخافات.
توانيت :
يا الله! ولكني أعرفك حق المعرفة، فأنت طيب الأخلاق.
أرغان (بسخط) :
لست طيب الأخلاق، بل أنا شرير عندما أريد.
توانيت :
بهوادة يا سيدي، أنسيت أنك مريض؟!
أرغان :
أشير عليها إشارة مطلقة بأن تستعد لقبول الزوج الذي أريده.
توانيت :
وأنا أحظر عليها تحظيرا مطلقا العمل بموجب إشارتك.
أرغان :
أين نحن؟! وأي جسارة تخول خادمة مثلك التلفظ بكلام كهذا في حضرة سيدها؟!
توانيت :
عندما لا يفكر رب البيت بما يقول يحق للخادمة العاقلة أن تؤنبه.
أرغان (يركض وراءها) :
آه أيتها الوقحة! يجب أن أحطمك!
توانيت (تتجنبه وتضع الكرسي بينه وبينها) :
من واجبي أن أحول بينك وبين الأشياء التي تسبب لك العار.
أرغان (يركض وراء توانيت حول الكرسي وفي يده عصاه) :
تعالي، تعالي أعلمك الكلام!
توانيت (تتجنبه) :
يجب علي أن لا أدعك تنجز أعمالا خرقاء.
أرغان :
يا كلبة!
توانيت :
لا، لن أوافق على هذا الزواج.
أرغان :
يا غافلة! يا وقحة !
توانيت :
لا أريد أن تتزوج توماسك هذا.
أرغان :
يا شقية!
توانيت :
ستطيعني أنا ولن تطيعك.
أرغان (يقف) :
أنجليكا، أوقفي لي هذه الوقحة!
أنجليكا :
ولكن يا والدي ...
أرغان :
إذا لم توقفيها أسقط عليك لعنتي.
توانيت (وهي خارجة) :
وأنا أحرمها إذا أطاعتك.
أرغان (يرتمي على كرسيه) :
آه! آه! لم أبق أتحمل! هذا كله يميتني.
المشهد السادس (بلين - أرغان)
أرغان :
آه، اقتربي يا زوجتي!
بلين :
ما بالك يا زوجي المسكين؟!
أرغان :
تعالي، تعالي إلى هنا لنجدتي.
بلين :
ماذا تراه جرى لك يا ولدي الصغير؟!
أرغان :
حبيبتي!
بلين :
حبيبي!
أرغان :
لقد أخرجتني عن نفسي ...
بلين :
وا حسرتاه يا زوجي الصغير المسكين! كيف جرى ذلك يا صديقي؟!
أرغان :
إن توانيتك الشقية أصبحت أوقح منها في الماضي.
بلين :
ولكن كفاك استسلاما إلى الغضب!
أرغان :
لقد أغضبتني جدا يا صديقتي الصغيرة.
بلين :
بهوادة يا ولدي، بهوادة!
أرغان :
وبقيت ساعة كاملة تعترضني في المسائل التي أريدها.
بلين :
بهوادة! بهوادة!
أرغان :
ولقد بلغت بها الوقاحة إلى درجة أنها راحت تقول لي أني لست مريضا.
بلين :
إنها لوقحة جدا.
أرغان :
وتعلمين يا قلبي أي إهانة هي هذه!
بلين :
نعم يا قلبي، لقد أذنبت جدا.
أرغان :
هذه الشقية ستميتني يا صغيرتي.
بلين :
هه لا! هه لا!
أرغان :
إنها السبب في جميع الأوجاع التي أقاسيها.
بلين :
لا تستسلم للغضب إلى هذا الحد.
أرغان :
وكثيرا ما طلبت منك أن تطرديها.
بلين :
ولكن يا ولدي ليس هناك خدم وخادمات مجردون من الأخطاء، ونضطر أحيانا أن نتحمل خصالهم السيئة بسبب خصالهم الحميدة، وتوانيت هذه لها حسناتها كخادمة؛ فهي صادقة، ومجتهدة، وأمينة، وتعلم أنه ينبغي لنا اليوم أن نراعي الخادمات اللواتي نتخذهن، هولا! توانيت.
المشهد السابع (أرغان - بلين - توانيت)
توانيت :
مولاتي.
بلين :
أجيبيني، لماذا أغضبت زوجي؟
توانيت (بلهجة عذبة) :
أنا يا مولاتي؟! وا حسرتاه! لا أدري ماذا تريدين أن تقولي، ولم أفكر بسوى مرضاة سيدي في كل شيء.
أرغان :
يا لك خائنة!
توانيت :
قال لنا إنه يريد أن يعطي يد ابنته لابن السيد ديافواروس، فأجبته أن القسمة مناسبة لها، على أني ظننت أن إدخالها إلى الدير سيكون أنسب لها.
بلين :
ليس في هذا ضرر على الإطلاق، وأرى أن توانيت مصيبة بما تقول.
أرغان :
آه! إنك تصدقينها يا حبيبتي ولكنها لصة، فقد صوبت علي مائة إهانة.
بلين :
صدقتك يا صديقي. (لتوانيت) اسمعي يا توانيت، إذا أغضبت زوجي مرة أخرى أطردك خارجا! والآن أعطيني وشاحه المفرى ومخدات لأهيئ له مكانه على الكرسي. (لزوجها)
اغرز قبعتك في رأسك حتى أذنيك، فليس أدعى إلى الزكام من تلقي الهواء بالأذنين.
أرغان :
آه يا حبيبتي، إني لمدين لك بجميع العنايات التي تبذلينها لأجلي.
بلين (وهي تضع المخدات حول أرغان) :
انهض لأضع هذه المخدات تحتك. ضع هذه لتتكئ عليها، وهذه وراء ظهرك، وهذه لتسند بها رأسك.
توانيت (تضع مخدة على رأسه بعنف) :
وهذه لتقيك الندى.
أرغان (ينهض غاضبا ويرمي توانيت بالمخدة) :
آه أيتها الحمقاء! تريدين أن تخنقيني؟! (توانيت تهرب).
المشهد الثامن (أرغان - بلين)
بلين :
هه لا! هه لا! ما هذا؟!
أرغان (يرتمي على كرسيه) :
آه! آه! آه! لم أبق أقدر أن أتحمل.
بلين :
لماذا تستسلم هكذا إلى الغضب؟! لقد ظنت أنها تحسن عملا.
أرغان :
إنك لا تفهمين خبث هذه الشقية! آه يا صديقتي! لقد أخرجتني عن نفسي، وأصبحت بحاجة إلى ثمانية علاجات واثني عشر تنظيفا لأعوض كل هذا.
بلين :
هدئ روعك قليلا يا صديقي الصغير.
أرغان :
آه يا صديقتي! إنك عزائي الوحيد.
بلين :
مسكين أنت يا ولدي الصغير!
أرغان :
آه! لكي أبرهن لك على حبي إياك يا قلبي، أريد أن أكتب وصيتي كما قلت لك.
بلين :
لا يصح أن نبحث في هذا الآن، ولا أطيق أن أتصور هذه الفكرة، فكلمة وصية تكفي لترعشني حزنا وغما.
أرغان :
لقد قلت لك إني سأخاطب الكاتب العدل في ذلك.
بلين :
هو هنا، فقد صحبته معي.
أرغان :
أدخليه إذن يا حبيبتي الصغيرة.
بلين :
وا حسرتاه! إن من تحب زوجها لا تفكر في أمور كهذه.
المشهد التاسع (الكاتب العدل - بلين - أرغان)
أرغان :
اقترب يا سيد بونفوا، اقترب. وخذ لك كرسيا إذا شئت، لقد قالت لي زوجتي إنك رجل طيب الخلق ومن أصدقائها الخلصاء، ولقد كلفتها أن تحدثك عن وصية أريد تسجيلها.
بلين :
وا أسفاه! لست جديرة بأن أبحث أمورا كهذه.
الكاتب العدل :
لقد شرحت لي يا سيدي المقاصد التي تنويها، ولدي ما أقوله لك في هذا السبيل، وهو أنك لن تستطيع أن تنيل امرأتك شيئا بوصيتك.
أرغان :
ولكن لماذا؟
الكاتب العدل :
لأن العادة تقف حائلا، فلو كنت في بلاد تعالج فيها الحقوق بالكتابة لصح ذلك، ولكن في باريس وفي البلدان المتأثرة بالتقاليد أو ببعضها على الأقل لن يصح ذلك، وكل محاولة من هذا القبيل تذهب عبثا.
أرغان :
إنها لعادة وقحة جدا أن لا يستطيع الزوج أن يترك شيئا لامرأة يحبها وتحبه وتعتني به! تحدثني نفسي أن أستشير المحامي لأعلم بأي وسيلة أستطيع أن أقوم بهذا العمل.
الكاتب العدل :
لا ينبغي لك أن تلجأ إلى المحامين؛ إذ إن هؤلاء كثيرا ما يكونون صارمين في أمور كهذه ويعتقدون أنها جريمة كبيرة أن يجاوزوا حد القانون، وهؤلاء الناس يجهلون واجبات الضمير، على أن هنالك من نستطيع أن نستشيرهم، فهم يستحلون مجاوزة الشريعة برفق، ويعرفون أن يجعلوا عدلا ما ليس مسموحا به، وأن يمهدوا الصعوبات ويجدوا وسائل لتعديل العادات والتقاليد بطرق خاصة، ولولا هؤلاء لبقي العالم يرزح تحت مشاكل عديدة؛ إذ إن تسهيل الأمور من ضروريات الحياة.
أرغان :
لقد قالت لي زوجتي: يا حضرة السيد، إنك رجل طيب القلب حاذق، فأرجو منك أن تقول لي كيف أعمل لأهبها ثروتي وأحرم أولادي جميعا؟!
الكاتب العدل :
كيف تعمل؟ تستطيع أن تختار صديقا حميما لزوجتك تعطيه بشكل قانوني في وصيتك كل ما يتاح لك أن تعطيه، وهذا الصديق يحيل إليها بدوره ما تكون قد أعطيته إياه، وتستطيع أيضا وأنت في قيد الحياة أن تضع في يدها مالا نقدا أو ورقا لأمرها.
بلين :
يا الله! لا حاجة لأن تزعج نفسك بذلك، فإذا حل بك ما أعيذك منه يا ولدي، اعدل عن البقاء في هذا العالم.
أرغان :
صغيرتي !
بلين :
نعم يا صديقي، إذا حل بك مكروه ...
أرغان :
يا زوجتي العزيزة!
بلين :
تصبح الحياة لا شيء في نظري.
أرغان :
حبيبتي الصغيرة!
بلين :
وألحق بك على الأثر لأؤكد لك أي عاطفة أشعر بها نحوك.
أرغان :
إنك تذوبين قلبي يا صغيرتي، تعزي ... أتوسل إليك أن تتعزي.
الكاتب العدل (لبلين) :
إن هذه الدموع ... ليس الآن وقت البكاء؛ لأن وقت البكاء لم يحن بعد.
بلين :
إنك لا تعلم يا سيدي مقدار حب الزوجة لزوجها.
أرغان :
وإذا أسفت لشيء قبل أن أموت يا صغيرتي فهو أني لم أرزق ولدا منك.
الكاتب العدل :
لم يفت الوقت، فقد يجيء هذا الولد عاجلا أو آجلا.
أرغان :
يجب أن أعمل وصيتي بالطريقة التي ذكرها حضرته، ولكن أريد الآن أن أضع بين يديك عشرين ألف فرنك ذهبا مخبأة في القبو، وسندين لأمر حاملهما؛ أحدهما على السيد دامون والآخر على السيد جيرونت.
بلين :
لا، لا، لا أريد أن أسمع شيئا من هذا، آه! كم هو المبلغ المخبأ في القبو؟
أرغان :
عشرون ألف فرنك يا حبيبتي الصغيرة.
بلين :
كفى، لا تحدثني عن المال ... أرجوك ... آه! ... كم هو مبلغ السندين؟
أرغان :
أحدهما أربعة آلاف فرنك، والآخر ستة آلاف.
بلين :
كل ثروات العالم يا صديقي لا تساوي شيئا إذا قيست بك.
الكاتب العدل (لأرغان) :
أتريد أن نبدأ بعمل الوصية؟
أرغان :
نعم يا سيدي، ولكن أرى أن دخولنا إلى غرفتي يكون أنسب، (لزوجته):
تعالي، يا صغيرتي، وخذي بيدي.
بلين :
هيا يا ولدي الصغير.
المشهد العاشر (أنجليكا - توانيت)
توانيت :
إنهما مع كاتب عدل، ولقد سمعتهم يتحدثون عن وصية، فخالتك زوجة والدك لا تنام الليل، ولا ريب أن هناك مؤامرة على صالحك تزج بوالدك فيها.
أنجليكا :
ليتصرف بثروته كما يطيب له بشرط أن لا يتصرف بقلبي، أترين يا توانيت في أي هوة يزجون به؟ بحقك يا توانيت، لا تتركيني في محنتي هذه.
توانيت :
أنا أتركك؟! إني أفضل الموت على هذا، ولقد حاولت خالتك أن تجعلني كاتمة أسرارها لتستفيد مني، على أني لم أستطع الميل إليها وكنت دائما من جهتك، فدعيني أعمل، وسأعالج جميع الطرق خدمتك، غير أني أجدني مضطرة إلى تبديل سلوكي معك لأتمكن من خدمتك الخدمة الصالحة. إذن؛ يجب علي من الآن فصاعدا أن أكتم ميلي إليك وأتكلف الميل إلى والدك وخالتك.
أنجليكا :
أرجو منك أن تجتهدي لإطلاع كليانت على الزواج الذي اتفق عليه.
توانيت :
كوني براحة بال من هذا القبيل.
المشهد الحادي عشر (بلين (في البيت) - أنجليكا - توانيت)
بلين :
توانيت.
توانيت (لأنجليكا) :
إنها تناديني. عمي مساء واتكلي علي. (الستار)
الفصل الثاني
(يمثل الملعب غرفة أرغان)
المشهد الأول (كليانت - توانيت)
توانيت (غير عارفة كليانت) :
ماذا تطلب يا سيدي؟
ماذا تطلب يا سيدي؟ :
ماذا أطلب؟!
توانيت :
آه آه، أنت؟! يا للمفاجأة! ماذا جئت تصنع هنا؟
كليانت :
جئت أعرف مصيري، جئت أكلم أنجليكا الوديعة وأستشير قلبها وأسألها عن رأيها في ذلك الزواج المشئوم الذي اطلعت على خبره.
توانيت :
حسنا؛ ولكن لا يصح أن تخاطب أنجليكا بهذه اللهجة دفعة واحدة، ولقد أخبرت ولا ريب بالمراقبة الشديدة التي تراقب بها فلا تجرؤ على الخروج من البيت أو التكلم مع أحد من الناس.
كليانت :
ولكني لم أجئ إلى هنا بصفتي كليانت العاشق، بل جئت كصديق لأستاذها الموسيقي الذي خولني حق القول أنه يرسلني مكانه.
توانيت :
هو ذا والدها، فحد قليلا ودعني أقول له إنك هنا.
المشهد الثاني (أرغان - توانيت)
أرغان (يظن نفسه وحيدا) :
أشار علي السيد بورغون بأن أمشي في غرفتي كل صباح اثنتي عشرة مرة ذهابا وإيابا، ولكني نسيت أن أسأله أفي العرض أم في الطول.
توانيت :
هو ذا يا سيدي ...
أرغان :
اخفضي صوتك يا شقية، فلقد زعزعت دماغي، أفلا تعلمين أن الناس لا يرفعون أصواتهم أمام المرضى؟
توانيت :
أردت أن أقول لك يا سيدي ...
أرغان :
قلت لك اخفضي صوتك.
توانيت :
سيدي ... (تتظاهر بأنها تتكلم) .
أرغان :
ماذا؟
توانيت :
قلت لك أن ... (تتظاهر بأنها تتكلم) .
أرغان :
ماذا تقولين؟!
توانيت (بصوت مرتفع) :
قلت لك إن هنا رجلا يريد أن يكلمك.
أرغان :
ليدخل. (تشير توانيت لكليانت بالدخول.)
المشهد الثالث (أرغان - كليانت - توانيت )
كليانت :
سيدي ...
توانيت (لكليانت) :
لا ترفع صوتك إلى هذه الدرجة مخافة أن تزعزع دماغ حضرته.
كليانت :
سيدي، إني لشديد الغبطة برؤيتي إياك واقفا وأحسن حالا من الماضي.
توانيت (تتظاهر بأنها غضبت) :
ماذا تقول؟! أحسن حالا من الماضي؟! هذا خطأ، فحضرته أسوأ من كل يوم.
كليانت :
سمعت من يقول إن حضرته أحسن حالا، وأرى وجهه مشرقا!
توانيت :
ماذا تقصد أن تقول بوجهك المشرق هذا؟! فوجه سيدي سيئ جدا، وإنهم لوقحاء أولئك الذين قالوا لك إنه حسن، فهو لم يسؤ بعد كما ساء اليوم!
أرغان :
الحق بجانبها.
توانيت :
سيدي يمشي وينام ويأكل ويشرب كسائر الناس، ولكن هذا لا يمنعه من أن يكون مريضا جدا.
أرغان :
صحيح.
كليانت :
إن ما أسمعه الآن يدب القنوط في نفسي ... جئت يا سيدي من قبل أستاذ الآنسة ابنتك ... من قبل أستاذها في الموسيقى، فلقد اضطر أن يصرف بضعة أيام في الجبال، وبما أني صديقه الحميم فقد أرسلني لأواصل مكانه إعطاء الدروس للآنسة ابنتك خشية أن تنقطع عنها فتنسى الأمثولات السابقة.
أرغان :
حسنا جدا، (لتوانيت)
نادي أنجليكا.
توانيت :
أرى من الأوفق يا سيدي أن آخذه إلى غرفتها.
أرغان :
لا، بل دعيها تحضر إلى هنا.
توانيت :
ولكنه لا يستطيع أن يلقنها أمثولاتها كما يجب أن يلقنها إياها إذا لم يختليا معا.
أرغان :
بلى، بلى.
توانيت :
ولكن الضجيج يزعجك يا سيدي ويزعزع دماغك، ولا يصح أن تتأثر بشيء في الحالة التي أنت فيها.
أرغان :
لا، لا، فأنا أحب الموسيقى وسأكون مسرورا جدا ... آه! هي هذه. (لتوانيت)
اخرجي أنت وانظري امرأتي هل ارتدت ثيابها؟
المشهد الرابع (أرغان - أنجليكا - كليانت)
أرغان :
تعالي يا بنتي، فأستاذك الموسيقي خرج إلى الجبال، وأرسل إليك هذا الشخص لينوب منابه.
أنجليكا (تعرف كليانت) :
آه! أيتها السماء!
أرغان :
ما هذا؟! من أين هذه الدهشة؟!
أنجليكا :
هي ...
أرغان :
ماذا؟! ما الذي يدهشك بهذا الشكل؟!
أنجليكا :
هي حادثة مدهشة يا والدي.
أرغان :
كيف؟!
أنجليكا :
حلمت في الليل أني في أشد حالات الاضطراب، وأن رجلا يشبه حضرة هذا السيد مثل أمامي ، فاستنجدت به وأنقذني مما أنا فيه، ويا لها دهشة كبيرة عندما جئت إلى هنا فوجدت أمامي من كان يجول في مخيلتي طول الليل.
كليانت :
إنه لحظ كبير أن أشغل فكرك، إن في الليل وإن في النهار، ولا ريب أن سعادتي تكون كبيرة إذا وجدت نفسك في مأزق ما ورأيتني أهلا لأن أنقذك منه، وليس هناك شيء يستطيع ... (تدخل توانيت.)
المشهد الخامس (أرغان - أنجليكا - كليانت - توانيت)
توانيت (لأرغان) :
وحقك يا سيدي إني لك الآن، ولقد رجعت عن كل ما قلته أمس، فهو ذا السيد ديافواروس الأب والسيد ديافواروس الابن أقبلا جميعا لزيارتك، وسيكون لك صهر ممتاز؛ إذ إنك ستشاهد أجمل فتى في العالم، لم يقل إلا كلمتين لا غير سحرتا قلبي، ولا ريب أن ابنتك ستنجذب إليه.
أرغان (لكليانت الذي تظاهر بالذهاب) :
لا تذهب يا حضرة السيد، فسأزوج ابنتي، وهو ذا قرينها المقبل الذي لم تشاهده بعد.
كليانت :
إنه لشرف كبير يا سيدي أن أكون شاهدا على مقابلة جميلة كهذه.
أرغان :
إنه ابن طبيب، وسيكون الزواج بعد أربعة أيام.
كليانت :
حسن جدا.
أرغان :
أطلع أستاذها الموسيقي على الأمر ليكون هنا يوم العرس.
كليانت :
لن أتأخر.
أرغان :
وأرجو منك أن تكون حاضرا أنت أيضا.
كليانت :
إنك تشرفني كثيرا يا سيدي.
توانيت :
هيا، اصطفوا، فلقد جاءا.
المشهد السادس (ديافواروس - توماس ديافواروس - أرغان - أنجليكا - كليانت - توانيت - خادم)
أرغان (واضعا يده على قبعته من غير أن يرفعها) :
إن السيد بورغون يا سيدي قد حظر علي أن أكشف عن رأسي، فأنت من رجال المهنة وتعرف العواقب.
ديافواروس :
لسنا في جميع زياراتنا إلا لنحمل النجدة للمرضى لا لنزعجهم (أرغان وديافواروس يتكلمان في وقت واحد) .
أرغان :
أتقبل يا سيدي ... (يتكلمان في وقت واحد فيقاطع أحدهما الآخر ويختلط الكلام بعضه ببعض.)
ديافواروس :
جئنا إلى هنا يا سيدي ...
أرغان :
بكثير من الغبطة ...
ديافواروس :
ولدي توماس وأنا ...
أرغان :
الشرف الذي توليني إياه ...
ديافواروس :
لنؤكد لحضرتك ...
أرغان :
ولقد كنت أتمنى ...
ديافواروس :
سرورنا الشديد ...
أرغان :
لو تمكنت من الذهاب إليك ...
ديافواروس :
باللطف الذي أظهرته لنا ...
أرغان :
لأؤكد لك ...
ديافواروس :
في استقبالك إيانا ...
أرغان :
ولكنك تعلم يا سيدي ...
ديافواروس :
على شرف ...
أرغان :
ماذا يكون من أمر مريض مسكين؟! ...
ديافواروس :
هذا الاتحاد ...
أرغان :
لا يستطيع أن يعمل ...
ديافواروس :
ونؤكد لك ...
أرغان :
إلا أن يقول لك ...
ديافواروس :
إننا في المسائل المتعلقة بمهمتنا ...
أرغان :
إنه يستفيد من جميع الظروف ...
ديافواروس :
سنكون دائما على استعداد يا سيدي ...
أرغان :
ليقول لك ...
ديافواروس :
في كلا الحالين ...
أرغان :
إنه رهن إشارتك ...
ديافواروس :
لنؤكد لك إخلاصنا. (يلتفت إلى ولده ويقول له)
هيا توماس، تقدم وتكلم.
توماس :
ألا ينبغي أن أبدأ بمخاطبة الأب؟
ديافواروس :
بلى.
توماس :
لقد جئت يا سيدي أحيي وأكرم وأحترم فيك والدا آخر، ولكن والدا آخر أجدني مدينا له بأكثر مما أنا مدين به للوالد الأول؛ فالوالد الأول قد أوجدني في العالم أما أنت فقد اخترتني. لقد تقبلني هو بداعي الضرورة وتقبلتني أنت بما عهد فيك من لطف وكرم، فالذي أحفظه منه إنما هو عمل الجسد، أما الذي أحفظه منك فهو عمل مشيئتك، وبقدر ما نرى أن العوامل الروحية هي فوق العوامل الجسدية أجدني مدينا لك بالاتحاد المقبل الذي جئت اليوم أشكرك عليه شكرا سابقا لأوانه.
توانيت :
لنحي المدارس التي تخرج رجالا أذكياء مثل حضرتك.
توماس :
هل نجحت بخطابي يا أبي؟!
ديافواروس :
نجاحا باهرا.
أرغان (لأنجليكا) :
هيا، حيي حضرة السيد.
توماس (لوالده) :
أأقبلها؟
ديافواروس :
نعم، نعم.
توماس (لأنجليكا) :
سيدتي، لقد كانت السماء عادلة عندما منحتك لقب الخالة؛ لأن ...
أرغان :
هذه بنتي التي تخاطبها وليست زوجتي.
توماس :
وأين هي؟
أرغان :
ستحضر.
توماس (لوالده) :
أأنتظر يا أبي إلى أن تحضر؟
ديافواروس :
أكمل خطابك لحضرة الآنسة.
توماس :
آنستي، كما أن تمثال ممنون كان يخرج لحنا موسيقيا لدى انعكاس أشعة الشمس عليه، هكذا أشعر بنفسي تتحرك وبلساني ينطلق لدى ظهور شمس جمالك. وكما أن الطبيعيين يلاحظون أن الزهرة المطلق عليها اسم هليوتروب تدور من غير انقطاع إلى جهة كوكب النهار، هكذا قلبي فإنه يدور دائما إلى جهة الكواكب المتألقة التي تنبثق من عينيك المعبودتين ، فاقبلي يا آنستي أن أرفع اليوم إلى هيكل جواذبك قربان هذا القلب الذي لا يستهدف إلا أمرا واحدا، وهو أن يظل حياته خادمك المطيع وزوجك الأمين.
توانيت (ساخرة) :
هذه نتيجة العلم، إنها تلقن أشياء جميلة.
أرغان (لكليانت) :
ماذا تقول في ذلك؟
كليانت :
أقول إن حضرة السيد يجيء بالعجائب، وإذا كان يجيد حرفة الطب بقدر ما يجيد حرفة الخطابة فكلنا يتمنى أن يكون في عداد مرضاه.
توانيت :
بدون ريب، وإنه لأمر جميل جدا لأن يجيد إعطاء الحقن كما يجيد إعطاء الخطابات.
أرغان :
هيا، هاتوا كراسي للجميع، اجلسي هنا يا بنتي. (لديافواروس)
ترى يا سيدي أن الجميع معجبون بحضرة ولدك، وإني أراك سعيدا بولد كهذا.
ديافواروس :
ليس لأني والده يا سيدي، ولكني أستطيع أن أقول إني مسرور به وإن جميع الذين يرونه يتكلمون عنه كما يتكلمون عن غلام لا يضمر شرا. وأقول أيضا إنه لا ينطوي على مخيلة حادة ولا على نار كالتي غالبا ما ترى في بعض الناس، على أن في هذا ما يجعلني أرتاح إلى ذكائه: الصفة الضرورية لحرفتنا الطبابة، عندما كان صغيرا لم يكن متحمسا ومتيقظا، وكان يرى دائما في عزلة عن الناس هادئا عذبا، لا يفوه بكلمة ولا يأبه لتلك الألعاب المسماة صبيانية، ولقد تعبنا كثيرا في تلقينه القراءة؛ إذ لم يكن وهو في التاسعة من عمره ليجيد معرفة الأحرف الأبجدية، وكنت أقول في نفسي: «لا بأس؛ فالأشجار المتأخرة هي التي تحمل أفضل الثمار، والنقش على الرخام أثبت من النقش على التراب، وإن يكن يستلزم جهودا ومشقة.» وعندما أرسلته إلى المدرسة وجد في ذلك بعض الصعوبة، على أنه تجلد على الصعوبات وتجلد كثيرا حتى إن أساتذته راحوا يثنون على اجتهاده وانصبابه على الدروس، وأخيرا توصل إلى أخذ شهاداته بجبين مرتفع، وأستطيع أن أقول دون كبرياء إنه ما من تلميذ قدر له أن يقوم بمثل الجلبة والضجيج اللذين قام هو بهما في المنازعات المدرسية؛ فهو شديد المراس بالقتال في سبيل مبادئه، ولا يرجع عن رأيه في وجه من الوجوه بل يتوغل دائما فيه حتى ينفذ إلى آخر حدود المنطق، على أن الذي يفرحني فيه أكثر من سواه في هذه المسائل والذي يحذو فيه حذوي؛ هو أنه يتمسك تمسكا أعمى بآراء القدماء، ولم يشأ يوما أن يصغي إلى اختبارات المحدثين في مخترعات هذا العصر المتعلقة بمجرى الدم وبآراء من هذه الطينة.
توماس (يأخذ من جيبه ملفا من الأوراق يقدمه لأنجليكا) :
ولقد وضعت ردا على هؤلاء نظرية أجرؤ (يحيي أرغان) بإذن من سيدي أن أرفعها إلى حضرة الآنسة لتكون عربونا عن باكورة عقلي.
أنجليكا :
هذه حاجة لا تفيدني يا حضرة السيد؛ لأني لست ملمة بهذه المسائل.
توانيت :
هات هات، فقد يكون فيها رسوم نزين بها الغرفة.
توماس :
وبإذن آخر من سيدي أدعوكم جميعا في يوم من هذه الأيام إلى حضور تشريح امرأة أريد أن أعطي رأيي فيه.
توانيت :
سيكون جميلا هذا التشريح؛ فقد سمعنا بأن فتيانا يعطون رواية على شرف عشيقاتهم ولكن لم نسمع بأن أحدا منهم أعطى تشريحا ... فلا ريب أن التشريح يكون أجمل من الرواية.
أرغان (لديافواروس) :
أليس في نيتك يا حضرة السيد أن تجد لابنك مركزا في البلاط؟
ديافواروس :
أقول لك بصراحة، إن حرفتنا في جانب العظماء لا تروقني أبدا، ولقد تبين لي أن البقاء في جانب الجمهور أنسب وأوفق؛ فالجمهور وديع مسالم، ولا ترى نفسك مسئولا عن أمر معه، أما العظماء فالذي يزعجني في التقرب منهم هو أنهم عندما يمرضون يفرضون الشفاء فرضا على أطبائهم.
توانيت :
في هذا ما يسر ويفرح، إنها لوقاحة أن يفرضوا عليكم شفاءهم؛ إذ لا تجيئون إليهم لتحملوا الشفاء بل لتقبضوا مرتباتكم وتعطوهم الأدوية، أما الشفاء فعليهم هم أن يجدوه إذا استطاعوا.
ديافواروس :
صحيح، فما علينا إلا أن نعالج الناس بحسب الأصول.
أرغان (لكليانت) :
يا حضرة السيد، هل لك أن تجعل بنتي تنشد لحنا أمام الحضور؟
كليانت :
أنا بانتظار أوامرك يا سيدي، ولقد خطر لي لكي يطرب الحضور أن أنشد مع حضرة الآنسة فصلا من مغناة صغيرة نظمت حديثا. (يعطي أنجليكا ورقة)
خذي ، هذا دورك.
أنجليكا :
أنا؟!
كليانت (لأنجليكا بصوت منخفض) :
أرجوك لا تعاندي، ودعيني أفهمك ما هو الفصل الذي سننشده. (بصوت مرتفع)
لا يطاوعني صوتي للإنشاد، ولكن يكفي أن يسمعني الجمهور، وإني لأعتذر عن عدم تمكني من مرافقة حضرة الآنسة في المغنى.
أرغان :
أليست الأبيات جميلة؟
كليانت :
هي مغناة صغيرة مرتجلة، ولن تسمعوا الآن إلا أنشودة من النثر الموقع أو من الشعر المنثور كالذي توجبه العاطفة والحاجة على شخصين يتكلمان بداهة.
أرغان :
حسنا جدا، فلنسمع.
كليانت :
إليكم موضوع الفصل: كان أحد الرعاة شاخصا إلى جمال مشهد بدأ يتراءى لعينيه، وإذا به يسمع ضجيجا بالقرب منه سلخه عن جمال مشهده، فالتفت فأبصر رجلا شرسا يسيء إلى راعية بكلمات وقحة، فما كان منه إلا أن راح يدافع عن جنس يجب على كل رجل أن يدافع عنه، وبعد أن عاقب الشرس على وقاحته دنا من الراعية، فوقع نظره على فتاة تذرف من مقلتين لم ير أجمل منهما في العالم دموعا لم يشاهد في حياته أجمل منها، فقال في نفسه: «وا حسرتاه! هل ثمة من يقوى على إهانة فتاة بهذه الوداعة؟! وأي شرس بل أي بربري لا يتفطر قلبه لدموع كهذه؟!» ثم عهد على نفسه أن يوقف مجرى تلك الدموع الجميلة، وعهدت الراعية على نفسها أن تشكره على خدمته الخفيفة، ولكن بطريقة جذابة عذبة ساحرة لم يقو الراعي معها على امتلاك نفسه، فقال في ضميره: «هل ثمة أحد جدير بهذا الشكر؟! وأي امرئ لا يخاطر بحياته ولا يرمي نفسه في المهالك في سبيل الحصول على كلمات عذبة خارجة من فم يعرف الجميل كهذا الفم؟!» وما عتم أن انفصل عن راعيته المعبودة، على أن النظرة الأولى كانت قد غرست في قلبه حبا لا تجيء السنوات بأحر منه. وسرعان ما أخذ يشعر بآلام الفراق في مختلف أنواعها، وراح يسعى جهده لرؤيتها مرة أخرى، إلا أن الراعية كانت منيعة عنه، فصحت عزيمته أخيرا على طلب يدها للزواج؛ إذ أحس بأنه لن يستطيع الحياة بدونها، وكتب إليها بطاقة بثها فيها كل شواعره، وفي ذلك الوقت بلغه أن والد هذه الفتاة الجميلة قد وعد بها فتى آخر وأن كل شيء يعد لحفلة الزواج.
تصوروا أي قنوط استولى على قلب هذا الراعي الحزين فلم يطق صبرا على احتمال الضربة الأليمة، ولم يقو على الفكرة القاسية التي تريه شخص من يحب بين ذراعي غيره، بيد أن حبه اليائس فتح في وجهه سبيلا استطاع به أن يدخل بيت راعيته ليختبر شواعرها نحوه وموقفها منه، فصادف هناك جميع الاستعدادات التي كان يخشاها، ولقي مزاحمه وهو غير أهل لها. لقد لقي هذا المزاحم المضحك منتصرا بالقرب من الراعية الوديعة فثار الغضب في صدره وراح يرشق معبودته بنظرات موجعة، إلا أن وجود والدها واحترامه نفسه منعاه عن أن يخاطبها بسوى العيون، وأخيرا استطاع أن يعاند القدر، وطفق يخاطب الراعية بهذا الكلام (ينشد) :
كفاني، فيليس، أشقى كفاني
ولا تكتمي عن فؤادي الجريح
ما في فؤادك يا أخت روحي!
أأحيا على تعسي أم أموت؟
أنجليكا (تنشد) :
تراني، ترسيس، أشقى الأنام
فهذا الزواج ضريح الغرام
تراني أبكي، تراني أشقى!
أرغان :
هو هو! لم أكن أعلم أن بنتي تجيد الغناء إلى هذه الدرجة من غير أن تتردد.
كليانت (ينشد) :
فيليس، وا حسرتاه!
ألي مكان بقلبك؟!
أنجليكا :
أحبك ترسيس، لا أنكر.
كليانت :
إلهي! أحقا ترى ما سمعت
أم الحب في أذني يسخر؟!
أعيدي، أعيدي على مسمعي.
أنجليكا :
أحبك ترسيس!
كليانت :
بحقك، فيليس، لا تقطعي.
أنجليكا :
أحبك!
كليانت :
أعيدي، أعيديه مليون مرة.
أنجليكا :
أحبك ترسيس، إني أحبك، إني أحبك، إني أحبك!
كليانت :
إلهي شكرا لما تنعم
فإني فتى عاشق مغرم
ولكن هذا المزاحم ...
أنجليكا :
إني لأبغض هذا المزاحم
إني لأمقته كالممات
فهذا المزاحم داء الحياة.
كليانت :
ولكن أبوك يريد ...
أنجليكا :
الموت أولى، الموت أولى.
أرغان :
ولكن ماذا يجيب الوالد على كل هذا؟
كليانت :
لا يجيب بشيء.
أرغان :
إنه لوالد أحمق! يسمع كل هذا ولا يقول شيئا؟!
كليانت (يريد أن ينشد) :
آه يا حبي! ...
أرغان :
لا لا، يكفي! إن في هذا الفصل مثلا سيئا ؛ فالراعي ترسيس فتى وقح، والراعية فيليس فتاة حمقاء؛ لأنها تجرؤ أن تتكلم بهذا الشكل أمام والدها. (لأنجليكا)
أريني هذه الورقة. ها ها! أين الكلام الذي تنشدينه؟! لا أرى على هذه الورقة إلا الموسيقى.
كليانت :
ألم يبلغك يا سيدي أنهم اخترعوا منذ مدة قريبة نوعا من الكتابة يجمع بين النوتة والكلام؟!
أرغان :
طيب، أشكرك ومع السلامة، فنحن نستغني عن مغناتك هذه.
كليانت :
ظننت نفسي أفكهك.
أرغان :
السخافات لا تفكه. آه! هذه زوجتي.
المشهد السابع (بلين - أرغان - أنجليكا - ديافواروس - توماس ديافواروس - توانيت)
أرغان :
هو ذا ابن السيد ديافواروس.
توماس :
سيدتي، إن السماء أعطتك بحق اسم الخالة؛ لأنه يرى على وجهك ...
بلين :
إني لمسرورة بحضوري إلى هنا لأتشرف برؤيتك يا حضرة السيد.
توماس :
لأنه يرى على وجهك ... لأنه يرى على وجهك ... لقد قطعت علي الكلام يا سيدتي فبلبلت ذاكرتي.
ديافواروس :
أجل الكلام إلى فرصة أخرى يا توماس.
أرغان :
كنت وددت لو حضرت قبل هنيهة يا عزيزتي الصغيرة.
توانيت :
آه يا مولاتي! لقد خسرت كثيرا بعدم حضورك إلى هنا قبل هنيهة لتسمعي مشهد الوالد الثاني وتمثال ممنون والزهرة المطلق عليها اسم هليوتروب.
أرغان (لابنته) :
هيا يا بنيتي، المسي يد حضرة السيد وأعطيه عهدا كما لو كنت تعطينه لزوجك.
أنجليكا :
ولكن يا والدي ...
أرغان :
ولكن يا والدي؟! ... ماذا تقصدين بذلك؟!
أنجليكا :
بحقك لا تعجل المسائل وأعطنا الوقت اللازم؛ لنتعارف ونشعر كلانا بذلك الميل الضروري لتمكين الاتحاد الكامل.
توماس :
أما أنا يا آنستي، فالميل قد خلق في نفسي، ولا أجد حاجة للانتظار.
أنجليكا :
إذا كنت مستعجلا إلى هذه الدرجة يا حضرة السيد فأنا غير مستعجلة، وأصارحك بأن جدارتك لم تتملك بعد من نفسي.
أرغان :
أوه! طيب، طيب! على أن التملك هذا سيحدث بعد الزواج.
أنجليكا :
ولكن يا والدي أعطنا الوقت اللازم، فالزواج هو قيد لا ينبغي أن يغلل به القلب بالقوة، ولئن كان حضرته رجلا شريفا فلا يجوز له أن يرضى بشخص يعطى له بالرغم منه.
توماس :
نيفو كونسكانسيام، يا حضرة الآنسة، وأستطيع أن أكون رجلا شريفا وأن أرضى بك على يد حضرة والدك.
أنجليكا :
إنها لطريقة سيئة أن يحب أحد الآخر على يد الغير وأن يسيء إليه.
توماس :
إننا نقرأ في كتب الأقدمين يا حضرة الآنسة أن عاداتهم في الزواج كانت أن تخطف البنات من بيوت آبائهن خطفا جبريا؛ لكيلا يظن أنهن يرتمين بين أذرع الرجال بملء إرادتهن.
أنجليكا :
إن الأقدمين يا حضرة السيد هم الأقدمون وإنما نحن أبناء اليوم، فالظواهر الخداعة لم تبق ضرورية في عصرنا هذا، وعندما نقتنع بصحة الزواج نسعى إليه من تلقاء أنفسنا دون أن نحتاج إلى من يجرنا إليه جرا، فاصبر يا حضرة السيد، وإذا كنت تحبني كما تقول فينبغي لك أن تنزل على إرادتي.
توماس :
نعم يا حضرة الآنسة، إني أحبك وأنزل على إرادتك بشرط أن لا تتعدى هذه الإرادة صالح حبي لك.
أنجليكا :
ولكن أكبر دليل على الحب هو أن ينزل المحب على مشيئة من يحب.
توماس :
ديستنغو يا حضرة الآنسة، أما ما يتعلق بالامتلاك فأقول كونسيدو، وأما ما لا يتعلق به فأقول نيغو.
توانيت (لأنجليكا) :
حضرته يجيد التحليل، فهو خارج من المدرسة حديثا، فلماذا الإصرار إلى هذا الحد ورفضك الحصول على مجد الالتحاق بالجامعة؟!
بلين :
ربما كان لها ميل آخر.
أنجليكا :
إن يكن لي ميل يا حضرة السيدة فهو ما يسمح لي به العقل والشرف.
أرغان :
هلا! أتراني خيال صحراء هنا؟!
بلين (لزوجها) :
لو كنت مكانك يا بني لما أرغمتها على الزواج وعرفت ماذا أصنع.
أنجليكا :
أعرف ماذا تريدين أن تقولي يا حضرة السيدة، ولا أجهل ما تضمرينه لي من الإخلاص، على أن نصائحك قد لا تكون موافقة للنزول عندها.
بلين :
ذلك أن البنات العاقلات الشريفات مثلك يسخرن من الطاعة والنزول على مشيئة آبائهن، كان ذلك حسنا في الماضي.
أنجليكا :
إن لواجبات الابنة حدا يا حضرة السيدة، والعقل والشرائع لا تبسط هذه الواجبات على كل شيء أيا كان.
بلين :
تريدين أن تقولي أنك تختارين زوجا على هواك؟!
أنجليكا :
إن يكن والدي لا يريد أن يزوجني من الرجل الذي أحب، فأرجو منه على الأقل أن لا يرغمني على التزوج من رجل لا أستطيع أن أحبه.
أرغان (للحضور) :
أيها السادة، أستميحكم عذرا على كل هذا.
أنجليكا :
لكل فتاة هدف في الزواج، فمن الفتيات من يتزوجن ليخرجن من ربقة أهلهن ويصبحن قادرات على التصرف بنفوسهن كما يردن، ومن الفتيات يا حضرة السيدة من يتخذن الزواج وسيلة للتجارة، فلا يتزوجن إلا ليثرين بموت أزواجهن، ويأخذن بالتنقل من زوج إلى زوج لكي يستولين على بقاياهم، فهؤلاء الفتيات لا ينظرن إلى الرجل النظرة الصحيحة.
بلين :
أجدك اليوم شديدة الرغبة في التحليل، ولا أعلم ماذا تقصدين من وراء ذلك؟
أنجليكا :
أنا يا حضرة السيدة؟! ماذا تريدين أن أقصد غير ما قصدت؟!
بلين :
إنك حمقاء إلى درجة لا أستطيع معها أن أتحملك.
أنجليكا :
أراك تحاولين استدراجي إلى أن أجيبك بمثل لهجتك، ولكن ثقي أنك لن تحصلي على هذه الميزة.
بلين :
لا أرى حماقة توازي حماقتك.
أنجليكا :
الحق في جانبك يا حضرة السيدة.
بلين :
وفي عجرفتك سخافة وادعاء يسخر منهما جميع الناس.
أنجليكا :
كل هذا لا يفيد يا حضرة السيدة، وسأكون حكيمة بالرغم منك، ولكي أقنطك من النجاح في ما تريدين، لا أجد أفضل من الانصراف من وجهك.
المشهد الثامن (أرغان - بلين - ديافواروس - توماس - توانيت)
أرغان (لأنجليكا وهي خارجة) :
اسمعي، يجب أن تختاري بين اثنين: إما أن تتزوجي حضرة السيد، وإما أن تدخلي الدير. (لزوجته)
لا تزعجي نفسك، فسأتدبر الأمر.
بلين :
أتركك الآن بأسف شديد، فلدي حاجة أقضيها في المدينة، وسأعود بعد هنيهة.
أرغان :
اذهبي يا حبيبتي الصغيرة، ومري على الكاتب العدل كما اتفقنا.
بلين :
إلى اللقاء يا صديقي الصغير.
أرغان :
إلى اللقاء يا صغيرتي.
المشهد التاسع (أرغان - ديافواروس - توماس - توانيت)
أرغان :
تلك امرأة تحبني ... هذا أمر لا يصدق.
ديافواروس :
نستأذنك الآن بالانصراف يا سيدي.
أرغان :
أرجو منك يا سيدي أن تقول لي قليلا كيف أنا اليوم.
ديافواروس (يجس نبض أرغان) :
توماس، خذ الذراع الأخرى لأرى إن كنت تعرف أن تعطي حكما في نبضه، ماذا تقول ؟
توماس :
أقول إن نبض حضرته هو نبض رجل مريض.
ديافواروس :
حسنا.
توماس :
وإنه قليل التصلب لكيلا أقول إنه صلب.
ديافواروس :
حسنا جدا.
توماس :
وإنه سريع.
ديافواروس :
حسنا.
توماس :
ومتقطع أيضا.
ديافواروس :
حسنا جدا.
توماس :
وهذا يدل على انزعاج في البارانشيم سبلينيك؛ أي في الرئة.
ديافواروس :
أحسنت جدا.
أرغان :
لا، فالسيد بورغون يقول إن المرض هو في كبدي.
ديافواروس :
نعم؛ فمن يقول بارانشيم يقول هذا أيضا بسبب العلاقة المتينة بين الاثنين، أفلم يشر عليك بأن تأكل اللحم المشوي؟!
أرغان :
لا، بل الحساء فقط.
ديافواروس :
طيب؛ فاللحم المشوي والحساء هما واحد، إن طبيبك حكيم عاقل، ولن يقدر لك أن تقع بين يدين أفضل من يديه.
أرغان :
كم حبة ملح ينبغي لي أن أضع في البيضة؟
ديافواروس :
ست حبات أو ثماني أو عشر حبات بشرط أن يكون العدد مزدوجا خلافا لما في الأدوية التي يوضع فيها الملح بالعدد المفرد.
أرغان :
إلى اللقاء يا حضرة السيد.
المشهد العاشر (بلين - أرغان)
بلين :
جئت يا ولدي قبل الذهاب أطلعك على أمر ينبغي لك أن تحذر منه، فعندما مررت من أمام غرفة أنجليكا أبصرت فتى في داخل الغرفة لم يكد يراني حتى أطلق لساقيه الريح.
أرغان :
فتى مع بنتي؟!
بلين :
نعم؛ وكانت ابنتك الصغيرة لويزون معهما فأحضرها إليك واستنطقها.
أرغان :
أحضريها إلي يا صغيرتي، أحضريها إلى هنا، آه! يا لها شقية! (وحده)
لم أبق أستغرب عنادها وتصلبها.
المشهد الحادي عشر (أرغان - لويزون)
لويزون :
ماذا تريد يا أبي؟ قالت خالتي إنك تطلبني.
أرغان :
أجل؛ اقتربي، اقتربي، دوري على نفسك، ارفعي عينك، انظري إلي.
لويزون :
ماذا يا أبي؟!
أرغان :
ماذا؟!
لويزون :
ماذا؟!
أرغان :
أليس لديك شيء تقولينه لي؟!
لويزون :
إذا أردت أن أسليك فاسمع قصة جلد الحمار أو قصة الغراب والثعلب التي سمعتها من مدة.
أرغان :
ليس هذا ما أريد.
لويزون :
وماذا تريد إذن؟!
أرغان :
آه! يا عفريتة، إنك تجهلين ماذا أريد!
لويزون :
عفوا يا بابا.
أرغان :
أهي هذه طاعتك لي؟!
لويزون :
ماذا؟!
أرغان :
ألم أشر عليك بأن تطيعيني على كل ما ترين وتسمعين؟!
لويزون :
بلى يا بابا.
أرغان :
وهل عملت بحسب إشارتي؟!
لويزون :
نعم يا بابا، ولقد جئت أطلعك على كل ما رأيت.
أرغان :
أو لم تري شيئا اليوم؟
لويزون :
لا يا بابا.
أرغان :
لا؟!
لويزون :
لا يا بابا.
أرغان :
صحيح؟!
لويزون :
صحيح.
أرغان :
هلا! سأريك شيئا لم تريه بعد.
لويزون (ترى قضيبا في يد والدها) :
آه يا بابا!
أرغان :
آه! آه! أيها القناع الصغير، لم تريدي أن تقولي لي إنك أبصرت شابا في غرفة أختك!
لويزون (باكية) :
بابا!
أرغان (يأخذها من ذراعها) :
سأعلمك أن لا تكذبي مرة أخرى.
لويزون (ترتمي على قدميه) :
آه يا بابا! اغفر لي يا بابا، أوعزت إلي أختي أن لا أقول لك، ولكن سأقول لك كل شيء.
أرغان :
ينبغي أولا أن أعاقبك على كذبك، وبعد ذلك نتدبر الباقي.
لويزون :
اغفر لي يا بابا.
أرغان :
لا، لا.
لويزون :
باسم الله يا بابا لا تقل لا.
أرغان (يريد أن يضربها) :
هيا، هيا.
لويزون :
آه يا بابا! جرحتني، جرحتني! اصبر لقد مت (تتظاهر أنها ماتت) .
أرغان :
هلا! ماذا أرى؟! لويزون، لويزون! آه يا رب، لويزون! آه يا بنتي! يا لي من شقي! ماتت بنتي! ماذا صنعت؟! يا بنتي، يا لويزون، يا صغيرتي.
لويزون :
بابا، بابا، لا تبك هكذا، فلم أمت تماما.
أرغان :
يا لك عفريتة محتالة! هلا! لا لا! أغفر لك للمرة الأخيرة بشرط أن تطلعيني على كل شيء.
لويزون :
نعم يا بابا.
أرغان :
ولكن احذري الكذب، فهذه أصبعي الصغيرة تقول لي كل شيء إذا كذبت.
لويزون :
ولكن يا بابا لا تقل لأختي أني قلت لك كل شيء.
أرغان :
لا، لا.
لويزون (بعد أن تتحقق من أنه لا يسمعها أحد) :
دخل رجل إلى غرفة أختي، وكنت أنا هناك.
أرغان :
وبعد ذلك؟
لويزون :
سألته ماذا يريد؛ فقال لي إنه أستاذها في الموسيقى.
أرغان (على حدة) :
هم! هم! (للويزون)
وبعد ذلك؟
لويزون :
وبعد ذلك جاءت أختي.
أرغان :
وبعد ذلك؟
لويزون :
قالت له: اخرج، اخرج، اخرج! بالله اخرج! إنك تضعني في مأزق.
أرغان :
أكملي.
لويزون :
ولكنه لم يشأ أن يخرج.
أرغان :
ماذا قال لها؟
لويزون :
قال لها لا أعلم كم من الأشياء الكثيرة.
أرغان :
وماذا أيضا؟
لويزون :
قال لها إنه يحبها جدا جدا وإنها أجمل فتاة في العالم.
أرغان :
وبعد ذلك؟
لويزون :
وبعد ذلك ركع على قدميها.
أرغان :
وبعد ذلك؟
لويزون :
وبعد ذلك جعل يقبل قدميها.
أرغان :
وبعد ذلك؟
لويزون :
وبعد ذلك مرت خالتي أمام الباب فهرب.
أرغان :
ألم يبق شيء آخر تقولينه لي؟
لويزون :
لا يا بابا.
أرغان :
ولكن هذه أصبعي الصغيرة تقول أشياء. (يضع أصبعه على أذنه)
اصبري، ها ها! نعم؟ هو هو! إن أصبعي الصغيرة تقول لي أشياء لم تطلعيني عليها.
لويزون :
لا يا بابا، لا تصدقها، فهي كذابة.
أرغان :
أوه! طيب! سنرى ذلك، اخرجي الآن واحذري كل شيء، اذهبي. (وحده)
آه! لا نعلم من أين تأتي المشاكل! ولم أبق أجد فرصة للتفكير في مرضي (يسقط على الكرسي) !
المشهد الثاني عشر (بيرالد - أرغان)
بيرالد :
ماذا يا أخي؟! كيف ترى نفسك اليوم؟!
أرغان :
آه يا أخي! أسوأ من أي يوم كان.
بيرالد :
كيف أسوأ؟!
أرغان :
نعم، أشعر بضعف لا يصدق.
بيرالد :
هذا خبر مكدر.
أرغان :
حتى إني لم أبق أقوى على الكلام.
بيرالد :
جئت إليك يا أخي لأعرض عليك نصيبا للعزيزة أنجليكا.
أرغان (ينهض عن كرسيه ويتكلم بغضب) :
لا تكلمني عن هذه الشقية يا أخي! وقحة، سافلة، ملعونة، وسأضعها في الدير.
بيرالد :
أحسنت، إني لمسرور بعودة القوة إليك وبأن زيارتي أفادتك، أما المسائل العائلية فسنتكلم عنها بعد ذلك. (الستار)
الفصل الثالث
المشهد الأول (بيرالد - أرغان - توانيت)
بيرالد :
أتريد أن نتكلم هنيهة يا أخي؟!
أرغان :
اصبر قليلا فسأعود.
توانيت :
خذ يا سيدي، فهل نسيت أنك لا تستطيع المشي من غير عصا؟!
أرغان :
الحق معك.
المشهد الثاني (بيرالد - توانيت)
توانيت :
أرجو إليك أن لا تهمل أمر ابنة أخيك.
بيرالد :
سأستعمل جميع الوسائل لأنيلها كل متمنياتها.
توانيت :
يجب أن نحول دون هذا الزواج الغريب الذي حلا له أن يحدثه، ولقد خطرت لي فكرة حسنة؛ وهي أن ندخل إلى هذا المكان طبيبا من جهتنا يستدرج السيد أرغان إلى إقصاء الطبيب بورغون عنه بعد أن يصف له تصرفاته السيئة. ونظرا لأنه ليس لدينا من يقوم بهذه المهمة فقد صحت عزيمتي على أن ألعب هذا الدور بنفسي.
بيرالد :
ماذا؟!
توانيت :
هي فكرة غريبة، وقد تكون موافقة أكثر منها حكيمة، فدعني أعمل، واعمل أنت من جهتك. هو ذا صاحبنا.
المشهد الثالث (أرغان - بيرالد)
بيرالد :
أتريد يا أخي أن أسألك قبل كل شيء أمرا واحدا وهو أن لا تدع الغضب يستولي عليك في أثناء الحديث؟!
أرغان :
بدون شك.
بيرالد :
وأن تجيب دون امتعاض عن الأسئلة التي أطرحها عليك؟
أرغان :
نعم.
بيرالد :
وأن نبحث معا في المسائل التي سنتناولها بروح مجرد من الأهواء؟
أرغان :
يا الله! نعم، نعم.
بيرالد :
من أين يا أخي وأنت صاحب ثروة طائلة وليس لديك إلا ابنة واحدة؛ إذ لا أريد أن أكلمك عن الصغرى، قلت من أين جئت بهذه الفكرة المدهشة وهي أنك تريد إدخالها إلى الدير؟!
أرغان :
ومن أين يا أخي أني صاحب السيادة في بيتي وأن لي الحق في أن أعمل ما أراه حسنا؟!
بيرالد :
إن زوجتك لا تفتأ تنصحك بالتخلي عن ابنتيك، ولا أشك في أن روحا من الشفقة يسيغ لها أن تراهما راهبتين.
أرغان :
ها ها! وصلنا إلى النقطة وبدأنا بالمرأة المسكينة، فهي التي تعمل جميع السيئات وجميع الناس يحملون عليها.
بيرالد :
لا يا أخي، لندع زوجتك في مكانها، فهي امرأة مخلصة كل الإخلاص لعيلتك ومجردة من أي مصلحة خاصة، وهي إلى ذلك تحبك وتحنو عليك حنوا مجسما، وتظهر لابنتيك عطفا أكيدا، هذا لا ريب فيه، فلنقفل هذا الباب ولنرجع إلى ابنتك، على أي مبدأ يا أخي تريد أن تزوجها من ابن طبيب؟!
أرغان :
على مبدأ أن أعطي نفسي صهرا يوافقني.
بيرالد :
ولكن هذا ليس حال ابنتك يا أخي، فهناك نصيب أميز لها.
أرغان :
نعم؛ ولكن هذا يا أخي أميز لي.
بيرالد :
ولكن الزوج الذي ستتخذه ابنتك أينبغي أن يكون لها أم لك؟
أرغان :
ينبغي أن يكون لي ولها، وأريد أن أدخل إلى بيتي الناس الذين أحتاج إليهم.
بيرالد :
إذا كان الأمر كذلك فابنتك الصغرى لو كانت كبيرة أكنت تزوجها من أجزائي؟
أرغان :
ولم لا؟
بيرالد :
وهل من الحكمة أن تبقى إلى الأبد مزملا بأطبائك وأجزائيك وتريد أن تكون مريضا بالرغم من الناس ومن الطبيعة؟!
أرغان :
ماذا تقصد بقولك هذا؟!
بيرالد :
أقصد يا أخي أني لا أعرف رجالا أقل مرضا منك، وإني لا أطلب لنفسي أن أكون أحسن منك صحة، والبرهان الكبير على صحتك وسلامة جسمك هو أن الأدوية والعقاقير التي استعملتها لم تتوصل بعد إلى تعكير مزاجك.
أرغان :
أتعلم يا أخي أن العقاقير هي التي تحفظني، وأن السيد بورغون يقول إن قواي تنحط دفعة واحدة لو بقيت ثلاثة أيام دون أن أعتني بنفسي؟!
بيرالد :
وأنا أقول لك إذا لم تحذر هذا الرجل فإنه سيظل يعتني بك حتى يقودك إلى العالم الآخر.
أرغان :
ولكن يا أخي، تعال نبحث بحثا عقليا، ألا تؤمن بالطب؟
بيرالد :
لا يا أخي، ولا أرى أن الحكمة توجب علي أن أؤمن به.
أرغان :
ماذا؟! ألا تصدق شيئا اعترف به جميع الناس واحترمته جميع العصور؟!
بيرالد :
ليس أني لا أصدقه فحسب، بل أراه - بيني وبينك - عارضا من أكبر عوارض الجنون البشري، ولئن نظرت إلى الأشياء نظرة فليسوف لا أرى أسخف وأضحك من رجل يريد أن يشفي سواه.
أرغان :
لماذا لا تريد يا أخي أن تصدق أن رجلا يستطيع أن يشفي رجلا آخر؟!
بيرالد :
لأن العقل يا أخي يدلنا على أن لوالب الآلة البشرية لا تزال إلى الآن أسرارا غامضة لا يفقه الإنسان شيئا منها، وأن الطبيعة وضعت على أعيننا أغشية سميكة لا نستطيع معها رؤية شيء أو معرفة شيء.
أرغان :
إذن تريد أن تقول إن الأطباء لا يعرفون شيئا.
بيرالد :
بل يعرفون أشياء، فهم في الجملة يعرفون التكلم باللغة اللاتينية، ويجيدون باللغة اليونانية تعداد أنواع الأمراض وتحديدها وتقسيمها، أما من حيث الشفاء منها فهم لا يعرفون شيئا البتة.
أرغان :
ولكن لا سبيل لأحد أن ينكر أن الأطباء يعرفون بقضايا الأمراض أكثر مما يعرف سواهم.
بيرالد :
إنهم يعرفون يا أخي أشياء لا تستحق الذكر ولا تشفي من أمور خطيرة، ولا يقوم فنهم إلا على خليط من الكلام يعطيك عبارات بدل البراهين ووعودا بدل الحقائق.
أرغان :
وأخيرا يا أخي هناك قوم لا يقلون عنك حذقا وحكمة، ونرى جميع الناس يلجأون في أمراضهم إلى الأطباء.
بيرالد :
هذا برهان على الضعف البشري وليس على حقيقة الفن.
أرغان :
ولكن الأطباء يستعملون فنهم لأنفسهم، وهذا دليل على أنهم يعترفون بحقيقته.
بيرالد :
لا، بل هناك من الأطباء من هم واقعون في الخطأ العام الذي يستفيدون منه ومن هم يستفيدون منه من غير أن يقعوا فيه، والسيد بورغونك مثلا هو طبيب من قمة رأسه إلى باطن قدميه، فهو يؤمن بقواعده أكثر من إيمانه بجميع البراهين الحسابية، ويعتقد أنه من الخطأ أن يجري امتحان على هذه القواعد، وهو إلى ذلك كله لا يرى في الطب شيئا مبهما أو مشبوها به أو صعبا، وبكل ما في روحه من الشراسة لا يعمد إلى وزن ما يجريه أو التبصر به، ولا ينبغي أن يؤاخذ على ما يفعل، فهو يشحن الرجل إلى العالم الآخر بنية سليمة، ولا يكون فعل بقتله إياك إلا ما فعله بزوجته وأولاده وما يفعله بنفسه عند الحاجة.
أرغان :
يظهر يا أخي أن حقدك على هذا الطبيب يرجع إلى زمن بعيد، ولكن لنرجع إلى صلب الموضوع، ماذا يفعل الإنسان عندما يمرض؟
بيرالد :
لا يفعل شيئا.
أرغان :
أبدا؟!
بيرالد :
أبدا مطلقا، فما عليه إلا أن يلزم السكينة والراحة، فالطبيعة نفسها عندما نتركها على سجيتها تتملص بكل هدوء وتؤدة من الخلل الذي سقطت فيه، فالقلق الذي يستولي علينا وفراغ الصبر هما اللذان يعكران على الطبيعة مجراها، وأرى أن معظم الناس يموتون من عقاقيرهم وليس من أمراضهم.
أرغان :
ولكن لا ينبغي لنا أن ننكر أن باستطاعة الإنسان أن يساعد هذه الطبيعة ببعض الأشياء.
بيرالد :
يا الله! اسمع يا أخي، إن كل ما تقوله أوهام صرف يحلو لنا التمسك بها، ولقد تسللت بين البشر في كل زمن، خيالات جميلة صدقناها؛ لأنها تلائم مشاربنا ونزعاتنا، فعندما يحدثك الطبيب بمساعدته للطبيعة وإنقاذه إياها ونزعه عنها ما يضر بها ومده إياها بما ينقصها، وعندما يحدثك بتنقية الدم وتطهير الأحشاء وإعادة الصدر إلى حالته الطبيعية وتقوية القلب وحفظ الحرارة، وعندما يقول لك إنه يملك أسرارا لإطالة الحياة، فهو في كل ذلك يقص عليك رواية الطب، ولكن عندما تصل إلى الحقيقة والتجربة لا ترى شيئا من كل ذلك، ويكون شأنك معها شأن تلك الأحلام الجميلة التي لا تترك لك في ساعة اليقظة إلا مرارة تصديقها.
أرغان :
تريد أن تقول إن جميع العلوم في العالم مخبوءة في رأسك، وتريد أن تقول إنك تعرف أكثر مما يعرفه جميع علماء الطب في هذا العصر؟!
بيرالد :
إن أطباءك العظماء نوعان: إذا سمعتهم يتكلمون فهم أحذق البشر، وإذا رأيتهم يعملون فهم أجهل الناس أجمعين.
أرغان :
هي هاي! أرى أنك طبيب عظيم! ولكم أريد أن يكون هنا الآن أحد هؤلاء السادة ليقرعك بالحجة ويحط من صلفك!
بيرالد :
لم آخذ على عهدتي محاربة الطب يا أخي، ولكل في الحياة أن يؤمن بما يريد، وما قلته لك الآن يجب أن يبقى بيننا فلا يتجاوزنا إلى ثالث، وكنت أتمنى أن أنزعك ولو قليلا من الخطأ الواقع فيه، وإذا شئت فأنا مستعد لآخذك تشاهد إحدى روايات موليير في هذا الصدد.
أرغان :
إن مولييرك هذا وقح هو ورواياته ومهازله، وإني لأجده أسخف البشر بضحكه من أشراف الناس كالأطباء.
بيرالد :
إن موليير لا يضحك من الأطباء على المسرح بل من الطب.
أرغان :
وأي شأن له مع الطب ليكلف نفسه المراقبة عليه؟! إنه ولا شك سخيف وقح أبله يسخر من الاستشارات والوصفات، ويهاجم صفوف الأطباء، ويضع على مسرحه أشخاصا أجلاء كهؤلاء السادة!
بيرالد :
ومن تريد أن يضع على مسرحه غير مهن الناس على تباينها؟! ألا ترى كل يوم على المسرح هؤلاء الأمراء والملوك الذين هم من بيوت كريمة كالأطباء؟!
أرغان :
وحق الله لا الشيطان، لو كنت طبيبا لانتقمت من وقاحته، وعندما يمرض أتركه يموت دون نجدة، ولو كنت طبيبا ومرض لما وصفت له أقل تضميد أو أقل جرعة، ولقلت له: مت! مت! فهذا يعلمك مرة أخرى كيف يسخر من الجامعة.
بيرالد :
هو ذا أنت تستشيط غضبا عليه.
أرغان :
نعم، فهو ضال، ولو كان الأطباء عاقلين لعملوا بحسب قولي.
بيرالد :
ولكنه سيكون أعقل من أطبائك فلا يطلب نجدة منهم.
أرغان :
لسوء حظه إذا هو لم يستعن بالأدوية.
بيرالد :
وإذا هو لم يستعن بالأدوية فلأن له حجته في ذلك، فهو يقول إن الاستعانة بالأدوية لا يسمح بها إلا للأقوياء المتصلبي الأجسام الذين يقوون على تحمل العقاقير فوق المرض، أما هو فلا قوة له إلا على حمل دائه.
أرغان :
يا لها حجة سخيفة! اسمع يا أخي، لنقطع حديثنا عن هذا الرجل فهو يضاعف ألمي ويدنيني من الموت.
بيرالد :
بطيبة خاطر يا أخي، ولكي نغير الحديث أقول لك إنه لا ينبغي لك أن تعزم عزما قاسيا على وضع ابنتك في الدير، وإنه لا يليق بك أن تسير في مسائل الزواج بحسب أهوائك المطوحة، وإن الحكمة تقضي في مثل هذه الأحوال بأن ينزل الرجل على رغبة ابنته لأن في القضية أمر حياة طويلة، وعلى هذه الحياة تتوقف السعادة أو الشقاء.
المشهد الرابع (السيد فلوران (في يده عقاقير) - أرغان - بيرالد)
أرغان (لبيرالد فجأة) :
آه! بإذنك يا أخي.
بيرالد :
كيف؟! ماذا تريد أن تفعل؟!
أرغان :
أن أستعمل هذا الضماد، فلن أتأخر.
بيرالد :
أتهزأ؟! أتراك لا تستطيع أن تبقى هنيهة من غير ضماد وتطبيب؟! أجل ذلك إلى وقت آخر والزم الراحة الآن.
أرغان (لفلوران) :
إلى هذا المساء أو إلى غد يا سيد فلوران.
السيد فلوران (لبيرالد) :
بماذا تحشر نفسك؟! وأي حق يخولك التعرض لأوامر الطب ومنع حضرة السيد من أخذ علاجي؟! أرى أن جسارتك لمن أشد الوقاحات!
بيرالد :
اذهب اذهب، يظهر لي أنك لم تتعود مخاطبة الوجوه.
السيد فلوران :
لا يصح أن تهزأ بالأدوية وتضيع علي وقتي، فلم أجئ إلى هنا إلا لتنفيذ أمر جليل، وسأخبر السيد بورغون كيف منعتني من القيام بواجبي في تنفيذ أوامره، سترى! سترى (يخرج) !
أرغان :
ستكون يا أخي سببا لوقوع حادث مؤلم في هذا المكان.
بيرالد :
وما هو هذا الحادث يا أخي؟ أهو أنك لم تستعمل علاجا وصفه السيد بورغون؟! قل لي، ألا سبيل لشفائك من مرض الأطباء؟! أتريد أن تحيا عمرك مدفونا في عقاقيرهم؟!
أرغان :
يا الله يا أخي! إنك تتكلم بلسان رجل سليم الجسد، ولو كنت مكاني لغيرت لهجتك هذه، وإنه لمن السهل على الرجل أن يتناول الطب بفلتات اللسان عندما يكون متمتعا بصحة جيدة.
بيرالد :
ولكن أي داء بك؟!
أرغان :
إنك لتثير غضبي! وأود لو شعرت بما أشعر به من الألم ... آه! هو ذا السيد بورغون.
المشهد الخامس (السيد بورغون - أرغان - بيرالد - توانيت)
السيد بورغون :
عرفت منذ هنيهة، هناك على الباب، أمورا خطيرة. وهي أن أحدا هنا يسخر من أوامري، وأن الدواء الذي وصفته قد رفض.
أرغان :
سيدي، ليس أنا ...
السيد بورغون (يقاطعه) :
إنها لجسارة كبيرة وتمرد غريب من مريض على طبيبه.
توانيت :
يا للفظاعة!
السيد بورغون :
لأن يرفض دواء حلا لي أن أخترعه بنفسي ...
أرغان :
ليس أنا ...
السيد بورغون :
وأن أخترعه بحسب قواعد الفن ...
توانيت :
يا للفظاعة!
السيد بورغون :
دواء كان من شأنه أن يفعل في الأحشاء فعلا عجيبا ...
أرغان :
أخي!
السيد بورغون :
لأن يحتقر هذا الدواء ويرفض ...
أرغان :
هو الذي ...
السيد بورغون :
فهذا أمر بل حادث فظيع!
توانيت :
صحيح!
السيد بورغون :
بل جناية هائلة على الطب.
أرغان :
هو السبب ...
السيد بورغون :
جناية على جلالة الجامعة لا تغتفر بسهولة ...
توانيت :
صدقت.
السيد بورغون :
أعلن لك أني قطعت علاقاتي معك.
أرغان :
هو أخي ...
السيد بورغون :
وقطعت صلتي بك.
توانيت :
خيرا تصنع.
السيد بورغون :
ولكي أختم أي علاقة لي بك أمزق الهبة التي كنت أنوي أن أهبها لابن شقيقي على أثر الزواج.
أرغان :
إن أخي هو الذي سبب هذا الشر.
السيد بورغون :
أتحتقر حقنتي؟!
أرغان :
مر بإحضارها لآخذها.
السيد بورغون :
كنت أوشكت أن أنقذك.
توانيت :
لا يستحق ذلك.
السيد بورغون :
كنت أوشكت أن أنظف جسدك تنظيفا نهائيا.
أرغان :
آه يا أخي!
السيد بورغون :
ولم يكن باقيا سوى دزينة عقاقير لأشفيك الشفاء التام.
توانيت :
إنه لا يستحق عنايتك.
السيد بورغون :
ولكن بما أنك لم تشأ أن تشفى عن يدي ...
أرغان :
ليس الذنب علي.
السيد بورغون :
بما أنك خرجت عن الطاعة الواجبة على المريض نحو طبيبه ...
توانيت :
هذا يصرخ الانتقام!
السيد بورغون :
بما أنك أعلنت التمرد على الأدوية التي أشرت بها ...
أرغان :
هه! لم أتمرد.
السيد بورغون :
أقول لك إني أتخلى عنك لدائك؛ لتشويش أحشائك، لفساد دمك، ولتعكير مزاجك!
توانيت :
خيرا صنعت.
أرغان :
يا الله!
السيد بورغون :
وأريد قبل أربعة أيام أن تصبح في حالة مشئومة ...
أرغان :
يا رحمة الله!
السيد بورغون :
وأن تقع في البراديببسي ...
أرغان :
يا سيد بورغون!
السيد بورغون :
ومن البراديببسي للأبيبسي ...
أرغان :
يا سيد بورغون!
السيد بورغون :
ومن الأبيبسي لليانتري ...
أرغان :
يا سيد بورغون!
السيد بورغون :
ومن الليانتري للديسنتري ...
أرغان :
يا سيد بورغون!
السيد بورغون :
ومن الديسنتري للهيدروبيسي ...
أرغان :
يا سيد بورغون!
السيد بورغون :
ومن الهيدروبيسي لفقدان الحياة حيث يقودك جنونك (يخرج) .
المشهد السادس (أرغان - بيرالد)
أرغان :
آه يا الله! لقد مت! لقد طوحت بي يا أخي!
بيرالد :
ماذا؟! ما بك؟!
أرغان :
لم أبق أتحمل، وبدأت أشعر أن الطب ينتقم.
بيرالد :
وحقك يا أخي أنت مجنون، فلأي داع كل ما تفعل؟! عد إلى نفسك قليلا ولا ترسل نفسك على أوهامها.
أرغان :
ألم تسمع يا أخي تلك الأمراض الهائلة التي هددني بها؟!
بيرالد :
يا لك رجلا ساذجا بسيطا!
أرغان :
وقال إني سأصبح في حالة مشئومة قبل أربعة أيام.
بيرالد :
وأي وزن لكلامه؟! أهو أعجوبة تكلمت؟! يخيل لمن يسمعك أن السيد بورغون يقبض بيده على خيط أيامك فهو يبسطه ساعة يشاء ويشده ساعة يريد كأنه أوتي سلطة سامية، فاعلم أن مبادئ حياتك هي في نفسك، وأن غضب السيد بورغون لا يستطيع أن يميتك إلا قدر ما تستطيع عقاقيره أن تحييك.
أرغان :
آه يا أخي! إنه يعرف مزاجي كما هو والطريقة التي يديرني بها.
بيرالد :
لا ينبغي لك أن تنكر أنك رجل وهمي يرى الأشياء بمقلة غريبة.
المشهد السابع (أرغان - بيرالد - توانيت)
توانيت (لأرغان) :
مولاي، هو ذا طبيب يطلب رؤيتك.
أرغان :
وأي طبيب؟!
توانيت :
طبيب من الطب.
أرغان :
أسألك من هو.
توانيت :
لا أعرفه، ولكنه يشبهني كما تشبه النقطة النقطة، ولو لم أكن واثقة أن والدتي كانت امرأة شريفة لقلت إنه أخ لي جاءت به أمي بعد موت والدي.
أرغان :
أدخليه.
المشهد الثامن (أرغان - بيرالد)
بيرالد :
إنك مخدوم كما تريد، طبيب يتركك وآخر يمثل لديك.
أرغان :
أخشى أن تكون سببا لأمر غير محمود.
بيرالد :
ألا تحيد عن هذه الفكرة؟!
المشهد التاسع (أرغان - بيرالد - توانيت (متنكرة بزي طبيب))
توانيت (لأرغان) :
تقبل يا حضرة السيد زيارتي هذه واقبل أن أقدم لك خدماتي الصغيرة التي تحتاج إليها.
أرغان :
أشكرك يا سيدي. (لبيرالد)
وحقك إنه توانيت بعينها.
توانيت :
أرجو منك يا حضرة السيد أن تعذرني، فلقد نسيت أن أعطي خادمي إشارة ضرورية وسأعود سريعا.
المشهد العاشر (أرغان - بيرالد)
أرغان :
أكنت تشك في أنه توانيت؟!
بيرالد :
حقا؛ إنه لشبه غريب، ولكن كثيرا ما شاهدنا مثل هذه الأنواع من الأشياء، والتواريخ ملأى بمثل هذه الألعاب من الطبيعة.
أرغان :
أما أنا فإني مدهوش، و...
المشهد الحادي عشر (أرغان - بيرالد - توانيت)
توانيت :
ماذا تريد يا سيدي؟!
أرغان :
ماذا؟!
توانيت :
ألم تنادني؟!
ألم تنادني؟ :
أنا؟! لا.
توانيت :
إذن أخطأتني أذني.
أرغان :
ابقي هنا قليلا لتري هذا الطبيب كم يشبهك.
توانيت :
صحيح، ولكني مشغولة الآن. (تخرج)
المشهد الثاني عشر (أرغان - بيرالد)
أرغان :
لو لم أنظرهما معا لاعتقدت أنهما واحد.
بيرالد :
لقد قرأت أشياء مدهشة عن مثل هذه المشابهات، وكثيرا ما اتضح لنا أن الناس موهومون في هذا الزمان.
أرغان :
أما أنا فكنت أقسمت على أن الشخصين هما واحد.
المشهد الثالث عشر (أرغان - بيرالد - توانيت (متنكرة بزي طبيب))
توانيت :
العفو يا سيدي.
أرغان (لبيرالد بصوت خافت) :
غريب عجيب!
توانيت :
أرجو منك أن لا يسوءك تطفلي بالحضور إلى هذا المكان لرؤية مريض شهير مثلك، فالشهرة العريضة التي تتمتع بها تغفر لي الحرية التي اتخذتها.
أرغان :
إني خادمك يا سيدي.
توانيت :
أرى يا سيدي أنك تغرق في النظر إلي، فكم تظن أن لي من العمر؟
أرغان :
لا أظن أنك تجاوز السادسة أو السابعة والعشرين.
توانيت (تضحك) :
بل عمري تسعون سنة.
أرغان :
تسعون سنة؟!
توانيت :
أجل، وإنك لترى عاملا من أسرار فني أبقاني يافعا وصلبا إلى الآن.
أرغان :
وحقك، إنه لشيخ صغير في التسعين من العمر.
توانيت :
إني طبيب جوال أطوف من مدينة إلى مدينة، ومن مقاطعة إلى مقاطعة، ومن مملكة إلى مملكة؛ لأبحث لي عن مواد تليق بي، وأجد مرضى جديرين باهتمامي، حريين بالأسرار المدهشة التي اكتشفتها في الطب؛ فإني أعف عن اللهو بتلك الأمراض العادية كالزكام والحميات الصغيرة وما شاكلها، وأريد أمراضا خطيرة، كالحميات المشتركة والطاعون والسل الرئوي، فبهذه الأمراض ألهو وبها أنتصر، وكم أود لو أصبت بكل هذه الأمراض وتخلى عنك جميع الأطباء فيئست وأشرفت على الموت؛ لأبرهن لك على عظم فائدة عقاقيري وشدة رغبتي في أداء خدمة إليك!
أرغان :
إني مدين لك يا سيدي بالعطف الذي تشعر به نحوي.
توانيت :
أعطني نبضك، هو! إن هذا النبض وقح جدا، أرى جيدا أنك لم تعرفني بعد، فمن هو طبيبك؟
أرغان :
السيد بورغون.
توانيت :
هذا الرجل لم يكتب اسمه على لوحي بين كبار الأطباء، بماذا يقول إنك مصاب؟
أرغان :
يقول إني مصاب بمرض الكبد، ويقول غيره بمرض المعدة.
توانيت :
إنهم جهلاء جميعا، فأنت مريض بالرئة.
أرغان :
بالرئة؟!
توانيت :
نعم؛ بماذا تشعر؟
أرغان :
أشعر من حين إلى آخر بآلام في الرأس.
توانيت :
تماما، هي الرئة.
أرغان :
ويخيل إلي أحيانا أن على عيني غشاء.
توانيت :
الرئة.
أرغان :
وأشعر بعض الأحيان بألم في القلب.
توانيت :
الرئة.
أرغان :
وأحس أحيانا بتعب في كل الأعضاء.
توانيت :
الرئة.
أرغان :
وفي بعض الأوقات تفاجئني آلام في البطن.
توانيت :
الرئة، ألك شهية في ما تأكل؟!
أرغان :
نعم يا سيدي .
توانيت :
الرئة، أتحب أن تشرب قليلا من النبيذ؟
أرغان :
نعم يا سيدي.
توانيت :
الرئة. ويدركك نعاس خفيف بعد الغداء فتميل للنوم؟
أرغان :
نعم يا سيدي.
توانيت :
الرئة، الرئة قلت لك، بماذا يشير عليك طبيبك أن تأكل؟
أرغان :
يأمرني بالخضر.
توانيت :
يا للجاهل!
أرغان :
ولحم الطيور.
توانيت :
يا للجاهل!
أرغان :
ولحم العجول.
توانيت :
يا للجاهل!
أرغان :
واللبن.
توانيت :
يا للجاهل!
أرغان :
والبيض الطريء.
توانيت :
يا للجاهل!
أرغان :
وفي المساء بضع خوخات لتسهيل البطن.
توانيت :
يا للجاهل!
أرغان :
ويشير علي أن أشرب النبيذ ممزوجا بالماء.
توانيت :
جاهل، جاهلان، جاهلون! اينبورانتوس، اينيورانتا، اينيورانتوم. يجب عليك أن تأخذ نبيذك صرفا ليصبح دمك سمينا، وينبغي لك أن تأكل لحم الفدادين المسمنة والخنازير والجبنة الهولاندية والأرز والكستناء، فطبيبك أبله سخيف، وسأرسل إليك واحدا من قبلي وأزورك من حين إلى آخر، ما زلت في هذه المدينة.
أرغان :
إنك تسبغ علي ألطافك وتجعلني مدينا لك.
توانيت :
ماذا تفعل بذراعك هذه؟!
أرغان :
كيف؟!
توانيت :
ألا ترى أنها تأخذ إليها الغذاء كله وتحرم منه الذراع الأخرى؟! لو كنت مكانك لقطعتها!
أرغان :
ولكني بحاجة إلى ذراعي.
توانيت :
ولو كنت مكانك لاقتلعت العين اليمنى!
أرغان :
تقتلع عينا؟!
توانيت :
ألا ترى أنها تفسد الأخرى وتمنع عنها غذاءها؟! اسمع ما أقوله لك واقتلعها فتصبح أبعد نظرا بالعين اليسرى.
أرغان :
لا حاجة للإسراع.
توانيت :
وداعا، إني آسف لتركك الآن، ولكني يجب علي أن أحضر امتحانا سيجرى على رجل مات أمس.
أرغان :
على رجل مات أمس؟!
توانيت :
نعم؛ لأقول ماذا كان ينبغي أن يجرى له ليشفى، إلى اللقاء.
أرغان :
تعلم أن المرضى لا يشبعون.
المشهد الرابع عشر (أرغان - بيرالد)
بيرالد :
الحق يقال إنه لطبيب حاذق.
أرغان :
أجل، ولكنه متسرع جدا.
بيرالد :
إن جميع كبار الأطباء هم على هذه الشاكلة.
أرغان :
أقطع ذراعا وأقتلع عينا لتقوم الأخرى في عافية! إني لأفضل أن تبقى الاثنتان على ما هما عليه، يا لها عملية جميلة تجعلني مقطوع اليد أعور!
المشهد الخامس عشر (أرغان - بيرالد - توانيت)
توانيت (تتظاهر بأنها تخاطب أحدا ) :
هيا هيا، فأنا خادمتك ولا طاقة لي على الضحك.
أرغان :
ما هناك؟!
توانيت :
طبيبك، ولقد حاول أن يجس نبضي.
أرغان :
أرأيته؟! إنه يبلغ التسعين من العمر.
بيرالد :
اسمع يا أخي، بما أنك قطعت علاقاتك بالسيد بورغون ألا تريد أن أخاطبك بشأن النصيب المتقدم لابنتك؟
أرغان :
لا يا أخي، أريد أن أدخلها إلى الدير؛ لأنها تمردت على مشيئتي وأرى أن هناك عشقا صغيرا، ثم إني اكتشفت في هذا الصدد بضعة أسرار لا يعلم أحد أني اكتشفتها.
بيرالد :
قل لي يا أخي، أي ذنب على ابنة تشعر بميل إلى فتى؟! وهل ثمة ما يثير الغضب إن يكن الأمر شريفا كالزواج؟!
أرغان :
مهما يكن فإنها ستصير راهبة، ولقد عزمت.
بيرالد :
أتريد أن ترضي أحدا بذلك؟!
أرغان :
فهمت ماذا تقصد، إن زوجتي تضغط على قلبك.
بيرالد :
بما أنك تريد أن أخاطبك بقلب مفتوح أقول لك نعم، فامرأتك هي التي أقصدها، ولا أخفي عنك أنك تنزل على جميع مقاصدها وتقع في جميع الفخاخ التي تنصبها لك.
توانيت :
آه! لا تفلت لسانك على مولاتي يا حضرة السيد؛ فهي امرأة لا يستطيع أحد أن يتناولها بكلمة سوء ... تحب مولاي ويحبها.
أرغان :
سلها عن شدة تعلقها بي.
توانيت :
صحيح.
أرغان :
وعنى القلق الذي يسببه لها مرضي.
توانيت :
بكل تأكيد.
أرغان :
وعن العناية التي تخصني بها.
توانيت :
نطق حقا. (لبيرالد)
أتريد أن أعطيك برهانا على تعلق مولاتي بمولاي؟! (لأرغان)
أتقبل أن أفحمه بالحجة؟!
أرغان :
كيف؟!
توانيت :
ستحضر مولاتي إلى هنا، فتمدد على هذا المقعد وتظاهر بأنك ميت، فترى بأم عينك أي حزن يستولي عليها عندما أطلعها على النبأ.
أرغان :
رضيت بذلك.
توانيت :
نعم؛ ولكن لا تدعها طويلا في قنوطها لئلا تموت.
أرغان :
دعيني أفعل.
توانيت (لبيرالد) :
اختبئ أنت في هذه الزاوية.
المشهد السادس عشر (أرغان - توانيت)
أرغان :
ألا ينجم خطر من التظاهر بالموت؟!
توانيت :
لا لا. أي خطر؟! تمدد هنا فقط، هي ذي مولاتي فاستعد.
المشهد السابع عشر (بلين - أرغان (ممددا على مقعده) - توانيت)
توانيت (تتظاهر بأنها لم تر بلين) :
آه، يا الله! آه! يا للشقاء! يا للشقاء! يا للحادث المشئوم!
بلين :
ماذا، توانيت؟!
توانيت :
آه يا سيدتي!
بلين :
ماذا جرى؟!
توانيت :
زوجك مات!
بلين :
زوجي مات؟!
توانيت :
وا حسرتاه! نعم؛ مات زوجك المسكين!
بلين :
صحيح؟!
توانيت :
صحيح، ولم يعلم أحد بالنبأ بعد، لقد مات بين ذراعي، فانظري إليه ممددا على هذا المقعد.
بلين :
شكرا للسماء! لقد تملصت من حمل ثقيل، يا لك بلهاء يا توانيت! ما الذي يحزنك؟!
توانيت :
خيل إلي يا مولاتي أن البكاء ضروري.
بلين :
هيا هيا، لا موجب للبكاء، أي خسارة هي هذه؟! وماذا كانت فائدته على الأرض؟! رجل غير الرجال، قذر، ممقوت، لا هدنة للأدوية في بطنه، يبصق، يسعل دائما، لا فكر له ولا مجلس، مضجر، يتعب الناس ويوبخ الخدم والخادمات ليل نهار!
توانيت :
إنه لتأبين جميل.
بلين :
ينبغي يا توانيت أن تساعديني على تنفيذ خطتي، وأن تعلمي أن تعبك لن يذهب سدى، وبما أن حسن الحظ شاء أن لا يعلم أحد بموته فلنحمله إلى سريره ولنترك موته مجهولا إلى أن أنجز عملي، فهناك أوراق ونقود أريد أن أستولي عليها، فليس من العدل أن أكون صرفت زهرة عمري بالقرب منه دون ثمرة، تعالي توانيت، ولنبدأ بالاستيلاء على المفاتيح.
أرغان (ينهض فجأة) :
على رسلك!
بلين :
آهي!
أرغان :
نعم؛ يا سيدتي يا زوجتي، أهكذا تحبينني؟!
توانيت :
آه آه، لم يمت!
أرغان (لبلين وهي خارجة) :
إني لشديد الغبطة بمعرفة عطفك وسماع تأبينك لي، ولكني سأكون حكيما في المستقبل فلا أنجز كثيرا من الأشياء.
المشهد الثامن عشر (بيرالد (خارج من مخبأه) - أرغان - توانيت)
بيرالد :
أرأيت يا أخي؟!
توانيت :
وحق نفسي، ما كنت لأصدق ذلك، ولكن اسمع ... ابنتك قادمة، فتمدد كما كنت ولنر بأي شكل ستتلقى خبر موتك، فالاختبار حسن في كل شيء. (بيرالد يختبئ في الزاوية.)
المشهد التاسع عشر (أرغان - أنجليكا - توانيت)
توانيت (تتظاهر بأنها لم تر أنجليكا) :
أوه! يا للسماء! أوه! يا للنبأ المفجع! يا للنهار المشئوم!
أنجليكا :
ما بك توانيت؟! ماذا جرى؟!
توانيت :
وا أسفاه! نبأ مفجع!
أنجليكا :
ما هو هذا النبأ؟!
توانيت :
والدك مات!
أنجليكا :
والدي مات يا توانيت؟!
توانيت :
نعم؛ انظري إليه، فقد مات منذ هنيهة على أثر ضعف شديد أدركه فجأة.
أنجليكا :
آه! أيتها السماء! يا لسوء البخت! يا للمصيبة الظالمة! وا حسرتاه! أأفقد والدي وهو آخر ما بقي لي في العالم؟! أأفقده وهو غضبان علي؟! ماذا يحل بي؟! يا لي من شقية! أي عزاء لي بعد أبي؟! بعد هذه الخسارة الفادحة؟!
المشهد العشرون (أرغان - أنجليكا - كليانت - توانيت)
كليانت :
ما بك يا جميلتي أنجليكا؟! وأي نكبة تبكين؟!
أنجليكا :
آه! أبكي أعز ما لدي في الحياة! أبكي والدي.
كليانت :
آه! أيتها السماء! يا للكارثة! يا للضربة! وا حسرتاه! بعد أن توسلت إلى عمك أن يطلب لي يدك من والدك جئت الآن لأقدم نفسي إليه وأستمنحه يدك.
أنجليكا :
آه يا كليانت! لنغلق هذا الحديث، ولندع هنا فكرة الزواج، فبعد موت والدي صرت أتوق إلى هجر هذا العالم. أجل يا والدي، لئن كنت تمردت على مشيئتك فسأعمل على الأقل حسب رغباتك وأكفر بهجري العالم عن الحزن الذي سببته لك، اقبل يا والدي أن أعانقك وأنت ميت ...
أرغان (يعانق أنجليكا) :
آه يا بنتي!
أنجليكا :
آهي!
أرغان :
تعالي ولا تخافي، فلم أمت يا بنتي، أنت من دمي الحقيقي وبنتي الحقيقية.
المشهد الحادي والعشرون (أرغان - بيرالد - أنجليكا - كليانت - توانيت)
أنجليكا :
يا للمفاجأة اللذيذة! بما أن السماء أعادتك إلي يا والدي، فاقبل أن أرتمي على قدميك وأتوسل إليك بشيء واحد: إن تكن غير راض بميلي، وإذا شئت أن ترفض كليانت زوجا لي، فإني أقسم لك أن لا أتزوج أحدا غيره، هذا كل ما أطلبه إليك.
كليانت (يرتمي على قدمي أرغان) :
سيدي، اقبل توسلاتها وتوسلاتي، ولا تقف حائلا دون هوى جميل.
بيرالد :
أتقدر يا أخي أن تعارض أمرا كهذا؟!
توانيت :
سيدي، أتكون متحجرا أمام حب كهذا الحب؟!
أرغان :
أقبل بالزواج بشرط أن يصير طبيبا. (لكليانت)
اعمل طبيبا فأعطيك ابنتي.
كليانت :
بطيبة خاطر يا سيدي، إن يكن زواجي من ابنتك متوقفا على هذا فإني أعاهدك على أن أصير طبيبا بل أجزائيا أيضا، وإذا اقتضى الأمر أن أصير أكثر من ذلك فإني مستعد لأن أصيره في سبيل أنجليكا الجميلة.
بيرالد :
ولكن خطرت لي فكرة يا أخي، فاعمل طبيبا أنت أيضا، فالحال تكون أنسب إذا وجدت في نفسك كل ما تحتاج إليه.
توانيت :
حقا قال؛ فهذا أنسب شيء لتشفى عاجلا.
أرغان :
أظنك تسخر مني يا أخي! فهل أستطيع أن أدرس الطب بعد هذه الكبرة؟!
بيرالد :
تدرس الطب؟! وهل أنت بحاجة إلى درسه؟! أليس في الأطباء من هم دونك علما ومعرفة؟!
أرغان :
ولكن ينبغي لي أن أكون عارفا باللغة اللاتينية لأتمكن من تمييز الأمراض والعقاقير.
بيرالد :
عندما تتسلم ثوب الطبيب وقبعته تتعلم كل ذلك، وتصبح بعدئذ أحذق مما تتصور!
أرغان :
عندما ألبس هذا الثوب أصير عارفا بمصادر الأمراض؟!
بيرالد :
نعم؛ فما عليك إلا أن تتكلم بثوب وقبعة ليصبح كل جاهل عالما وكل سخافة حجة.
توانيت :
اسمع يا سيدي، فلحيتك حاضرة، واللحية نصف الطبيب.
أرغان :
على كل أنا مستعد!
Halaman tidak diketahui