فأجاب بحماس، وهو دائما يتكلم بحماس: كلا، الحق أني أيدت موقفها من الأحزاب، من الإخوان، وحتى من الشيوعيين.
فسأله: وما لزوم «حتى» هذه؟ - لست شيوعيا، ولكني أرحب بالتعاون بين الثورة وبينهم، فالثورة والشيوعية تياران ينبعان من مصدر واحد، ويهدفان في النهاية إلى أغراض متقاربة.
وبعد صمت قصير استطرد: وأيدت موقفها من الوحدة مع سوريا، ومن حملة اليمن!
فقال رضا حمادة: إذن فليس في الإمكان خير مما كان.
فقال ضاحكا: لست غافلا عن السلبيات، ولكنها شر لا بد منه في فترات الانتقال والتطور، فأنت بضربة موفقة واحدة تستطيع أن تغير نظام الحكم، أما الطبائع فيلزمها وقت أطول بكثير!
وعمد إلى تفصيل رأيه فقال: قولوا في الجمعيات التعاونية ما شئتم، وقولكم حق، ولكنها كنظام فهو نظام مثالي، وسوف يختفي الفساد يوما وتبقى الجمعية لتؤدي رسالتها، ويمكن أن يقال ذلك بالحرف عن القطاع العام، ألا تذكرون بنك التسليف الزراعي؟ .. لقد استغله إسماعيل صدقي للتنكيل بخصومه، وتفتيت وحدة الأمة ولكن إسماعيل صدقي ذهب وبقي بنك التسليف!
ولما وقعت الواقعة يوم 5 يونيو 1967 ذهل واختل توازنه، ومضى يتخبط بين الصالونات والمقاهي وكأن القيامة قامت، ودار بيني وبينه حديث طويل في التليفون ختمه متسائلا: أكانت حياتنا وهما من الأوهام؟!
وقابلته بعد ذلك بأيام في بيت رضا حمادة بمصر الجديدة فوجدته ممتعضا غاية الامتعاض، وجعل يردد بتألم شديد: ما أكثر الشامتين، ما أكثر الهازئين، ما أكثر المازحين، لم يجن أحد، لم ينتحر أحد، لم يصب بجلطة أو ذبحة أحد، يجب أن أجن أو أن انتحر.
ولكنه أخذ يسترد الثقة يوما بعد يوم، وينظر إلى الهزيمة باعتبارها تجربة مريرة نزلت بنا لنعيد «تشخيص» أنفسنا، وكلما سمع عن رغبة الأعداء في تصفية الثورة ازداد إيمانا بها وحماسا لها، حتى اعتقد مخلصا أن استمرارها أهم من استرداد الأجزاء المحتلة من الوطن العربي؛ إذ ما فائدة أن نسترد أرضا ونخسر أنفسنا؟ ثم إن استمرارها هو الضمان الوحيد لاسترداد الأرض طال الزمان أو قصر، كما إنه الضمان الوحيد لبعث الشعب العربي. - إننا مطاردون، يطاردنا التخلف، وهو عدونا الحقيقي لا إسرائيل، وليست إسرائيل عدوا لنا إلا لأنها تهددنا بتجميد التخلف.
وانصرفنا ذات ليلة معا من صالون الدكتور ماهر عبد الكريم؛ فجلست إلى جانبه في سيارته نصر التي مضت بنا على مهل تخوض الظلام على ضوء فانوسها المطلي بالأزرق. ووجدتني أقول له: عبده البسيوني حدثني بحديث عجيب.
Halaman tidak diketahui