وقد رأيت كيف كان عمر يتشدد في رواية الحديث، فليس بد إذن كما قدمنا من الاحتياط في قبول الحديث، حتى حين يرويه المصححون من المحدثين.
ولا بد من أن نلاحظ أن بعض أعمال النبي قد وصلت إلينا متواترة لا معنى للشك فيها، فقد علمنا بالتواتر أنه
صلى الله عليه وسلم
كان يصلي الصبح ركعتين، والظهر والعصر والعشاء كل منها أربع ركعات، والمغرب ثلاث ركعات.
وعلمنا أنه كان يركع مرة في كل ركعة، ويسجد مرتين في كل ركعة، ويجلس بعد كل ركعتين. كل هذا في الفرائض المكتوبة، فلا معنى للجدال في ذلك. وعلمنا كذلك ما بين من نصاب الزكاة وما فرض فيها، وعلمنا من القرآن ومن السنة العملية كيف كان يصوم، وكيف اعتمر وكيف حج؛ فجملة أركان الإسلام ثابتة بالقرآن أولا، وببيان النبي العملي لها ثانيا.
وكثير من أعمال النبي وصل إلينا على نحو يقطع الشك؛ فقد عرفنا كيف كان يصلي صلاة العيدين، وكيف كان يصلي للاستسقاء، ولما يعرض من كسوف الشمس وخسوف القمر.
فجملة الأصول وتفصيلها بمعزل عن الشك، وإنما يكثر الشك ويختلف قوة وضعفا في بعض الفروع، وفيما يتصل بالترغيب في الفضائل وفي التنفير من الشر، ولا سيما أن بعض أئمة الحديث - كأحمد بن حنبل رحمه الله - كانوا لا يرون بأسا برواية الحديث الضعيف، إذا كان متصلا بالفضائل.
ومهما يكن من شيء فالقرآن جامع لما يحتاج إليه المسلمون من أصل الدين وأكثر فروعه، والسنة الثابتة تفصل مجمله وتبين ما يحتاج منه إلى البيان. فليس على خلاصة الإسلام وأصوله بأس من ضعف الضعفاء، وكذب الكذابين، وزيغ الزائغين.
5
وكذلك استقامت للمسلمين حياتهم صافية نقية مبرأة من الاختلاف والتنازع، كأصفى وأنقى وأصدق ما تكون الحياة، كان النبي بين أظهرهم يردون إليه أمرهم كله؛ فيعلمهم مما علمه الله، فإذا جاءه من أمرهم ما ليس عنده علم فيه رده هو إلى الله عز وجل، فلا يلبث أن يأتيه الخبر اليقين من السماء. فلم تتصل الأرض بالسماء قط كما كانت متصلة أثناء حياة النبي، ومن أجل ذلك كان كعب بن مالك وصاحباه مشفقين من أن يعتذروا إلى النبي بغير الحق، فيكذبهم الله بقرآن يتلى على الناس، أو بوحي يلقى إلى النبي فيتحدث به إلى أصحابه. ومن أجل ذلك أيضا أنبأ الله نبيه أثناء غيبته عن المدينة بكل ما كان المنافقون يعملون ويقولون. وأنبأه كذلك بأنهم سيعتذرون إليه وإلى أصحابه من تخلفهم حين يرجعون إليهم، وأمره أن يقول لهم: لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم. وذلك في قوله عز وجل في سورة التوبة:
Halaman tidak diketahui