290

تلك الجسوم المضرجة أنوارا ساطعة ، وأرواحا طيبة ، ورأى أسدا هائل المنظر يتخطى تلك الأشلاء المقطعة حتى إذا وصل إلى هيكل القداسة وقربان الهداية ، تمرغ بدمه ولاذ بجسده ، وله همهمة وصياح ، فأدهشه الحال إذ لم يعهد مثل الحيوان المفترس يترك ما هو طعمة أمثاله فاختفى في بعض الأكم ؛ لينظر ما يصنع فلم يظهر له غير ذلك الحال.

ومما زاد في بعض تحيره وتعجبه أنه عند انتصاف الليل رأى شموعا مسرجة ملأت الأرض بكاءا وعويلا مفجعا (1).

وفي اليوم الثالث عشر من المحرم أقبل زين العابدين (ع) لدفن أبيه الشهيد (عليه السلام)؛ لأن الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله (2).

يشهد له مناظرة الرضا (ع) مع علي بن أبي حمزة فإن أبا الحسن (ع) قال له : «اخبرني عن الحسين بن علي كان إماما؟» قال : بلى ، فقال الرضا (ع): «فمن ولي أمره؟» قال ابن أبي حمزة : تولاه علي بن الحسين السجاد. فقال الرضا (ع) : «فأين كان علي بن الحسين؟» قال ابن أبي حمزة : كان محبوسا بالكوفة عند ابن زياد ، ولكنه خرج وهم لا يعلمون به حتى ولي أمر أبيه ، ثم انصرف إلى السجن.

فقال الرضا (ع): «إن من مكن علي بن الحسين أن يأتي كربلاء فيلي أمر أبيه ثم ينصرف ، يمكن صاحب هذا الأمر أن ياتي بغداد فيلي أمر أبيه وليس هو في حبس ولا إسار».

لم تكشف الاحاديث هذا السر المصون ، ولعل النكتة فيه ان جثمان المعصوم عند سيره الى المبدإ الأعلى بانتهاء امد الفيض الالهي يختص بآثار منها : ان لا يقرب منه من لم يكن من أهل هذه المرتبة اذ هو مقام قاب قوسين او أدنى ، ذلك المقام الذي تقهقر عنه الروح الامين وعام النبي (صلى الله عليه وآله) وحده في سبحات الملكوت وليست هذه الدعوى في الأئمة بغريبة بعد ان تكونوا من الحقيقة المحمدية وشاركوا جدهم في المآثر كلها إلا النبوة والأزواج كما في المحتضر للحسن بن سليمان الحلي ص 22 طبع النجف وهذه اسرار لا تصل اليها افكار البشر ولا سبيل لنا الى الانكار بمجرد بعدنا عن ادراكها ما لم تبلغ حد الاستحالة وقد نطقت الآثار الصحيحة بأن للأئمة احوالا غريبة ليس لسائر الخلق الشركة معهم كإحيائهم الأموات بالأجساد الأصلية ورؤية بعضهم بعضا وصعود أجسادهم الى السماء وسماعهم سلام الزائرين لهم وقد صادق على ذلك شيخنا المفيد في المقالات ص 84 ط طهران والكراجكي في كنز الفوائد والمجلسي في مرآة العقول ج 1 ص 373 وكاشف الغطاء في منهج الرشاد ص 51 ، والنوري في دار السلام ج 1 ص 289.

Halaman 319