فيسخر أبو الفرج أدبه في خدمة الوزير، ويترصد مواقع هواه فيضع فيها نثره وشعره، ويؤلف له «نسب المهالبة» . و«مناجيب الخصيان» لأنه كان يهيم بخصيين مغنيين كانا له، وينظم فيه الشعر كلما دعت المناسبة، فيهنئه إذا أبلّ من مرض أو ولد له، ويمدحه في المواسم والأعياد، ويتظرف فيشكو إليه الفأر، ويصف الهر، ويستميحه البر:
رهنت ثيابي وحال القضا ... ء دون القضاء وصد القدر
وهذا الشتاء كما قد ترى ... عسوف عليّ قبيح الأثر
ينادي بصرّ من العاصفا ... ت أو دمق مثل وخز الإبر
وسكان دارك ممن أعو ... ل يلقين من برده كلّ شر
فهذي تحنّ وهذي تئنّ ... وأدمع هاتيك تجري درر
إذا ما تململن تحت الظلام ... تعللن منك بحسن النظر
ولاحظن ربعك كالممحلى ... ن شاموا البروق رجاء المطر
يؤملن عودي بما ينتظرن ... كما يرتجى آئب من سفر
فأنعم بإنجاز ما قد وعدت ... فما غيرك اليوم من ينتظر
وعش لي وبعدي فأنت الحيا ... ة والسمع من جسدي والبصر
وهو إذا ما عرض لمدحه لا يجنح إلى المبالغة الممقوتة، ولا يتعمل الثناء الأجوف ولا يتصيد المكارم تصيدا، بل يقول ما يعرفه ويصفه بما فيه:
إذا ما علاى في الصدر للنهي والأمر ... وبثهما في النفع منه وفي الضر
وأجرى ظبا أقلامه وتدفقت ... بديهته كالمستمد من البحر
رأيت نظام الدر في نظم قوله ... ومنثوره الرقراق في ذلك النثر
ويقتضب المعنى الكثير بلفظة ... ويأتي بما تحوى الطوامير في سطر
أيا غرة الدهر أئتنف غرة الشهر ... وقابل هلال الفطر من ليلة الفطر
بأيمن أقبال وأسعد طائر ... وأفضل ما ترجوه في أفسح العمر
فليس في هذا المديح إسراف ولا إغراق في المبالغة فقد كان الوزير المهلبي كما يقول الثعالبي: «غاية في الأدب والمحبة لأهله وكان يترسل مترسلا مليحا، ويقول الشعر قولا لطيفا يضرب بحسنه المثل يغذي الرّوح ويجلب
1 / 7