(ورابعها): أن يقال العلل لا نهاية لها حتى يكون للشىء علة ولعلته علة ثم لا ينتهى الى علة أولى لا علة لها وهذا أيضا محال * والضبط فيه أن كل عدد فرضت آحاده موجودة معا وله ترتب بالطبع وتقدم وتاخر فوجود مالا نهاية له منه محال لأن الترتيب بين العلة والمعلول ضرورى طبيعى إن رفع بطل كونه علة وكذلك الأجسام والأبعاد فانها أيضا مترتبة أى بعضها قبل البعض بالضرورة إذا ابتدأ من جانب إلا أنه يترتب بالوضع لا بالطبع كما سبق الفرق بينهما فى فى أقسام التقدم والتأخر* وأما ماوجد فيه أحد المعنين دون الآخر فنفى النهاية عنه لا يستحيل كحركة الفلك فان لها ترتبا وتعاقبا ولكن لا وجود لجميع أجزائها فى حالة واحدة* فان قيل حركة الفلك لا نهاية لها لم يعن بها نفى النهاية عن حركات هى موجودة بل فانية معدومة وكذلك النفوس البشرية المفارقة للأبدان بالموت بجوز نفى النهاية عن أعدادها وإن كانت موجودة معا إذ ليس فيها ترتب بالطبع بحيث لو قدر ارتفاعه بطل كونها نفوسا إذ ليس بعضها علة للبعض ولكنها موجودة معا من غير تقدم وتأخر فى الوضع والطبع وإنما يتخيل التقدم والتأخر في زمان حدوثها أما ذواتها من حيث إنها ذوات ونفوس لاترتب فيها البتة بل هى متساوية في الوجود بخلاف الأبعاد والأجسام والعلة والمعلول فأما إمكان نفوس لانهاية لها وحركة لا أول لها فسيأتى ما ذكر فى أدلتها.
(وأما استحالة نفى النهاية): عن الاجسام والأبعاد وما له ترتب بالوضع أو الطبع فنذكره الآن.
(أما استحالة نفى النهاية): عن الأبعاد فتعرف بدليلين.
(أحدهما): إنا لو فرضنا خط.
(زد) بلا نهاية فى جهة.
(ز) وحركنا خط (ا ب) فى دائرته إلى جهة (ز) من خط (د ز) حتى صار فى موازاته كان هذا تحريكا ممكنا بالضرورة فلو حركناه عن الموازاة إلى جهة القرب منه فلا بد وإن تسامت نقطة منه هى أول نقط المسامتة ثم بعد ذلك تسامت بقية النقط إلى أن يرجع عن المسامتة بالانتهاء إلى الموازاة من الجانب الآخر وذلك محال لأنه إن قدر ميل اليه عن الموازاة من غير مسامتة فهو محال والمسامتة محال لأن المسامتة تقع أولا على أول نقطة وليس على الخط الذى لا يتناهى نقطة هى أول وكل نقطة فرضت للمسامتة أولا فلابد وأن تكون قد سامتت ما قبلها قبل المسامتة لها بالضرورة فلا تسامتها ما لم تسامت مالا نهاية له ثم لا يكون فيها أول نقطة هى نقط المسامتة وهو محال وهذا برهان قاطع هندسى فى استحالة إثبات أبعاد لا نهاية لها سواء فرضت الملاء أو الخلاء.
(الدليل الثانى): هو أنه إن أمكن خط بلانهاية فليكن ذلك خط (ا ب) ا ز د ب ولا نهاية له فى جهة (ب) ولنشر الى نقطة.
(د) فان كان من.
(د) إلى.
(ب) متناهيا فاذا زيد عليه (زد) كان (زب) متناهيا وإن كان من (د) الى (ب ) غير متناه فان أطبقنا بالوهم (دب) على (ز ب) فاما أن يمتدا معا فى جهة (ب) بلا تفاوت وهو محال إذ يكون الأقل مساويا للأكثر فان (دب) أقل من (زب) وإن قصر (دب) عن (زب) وانقطع دونه وبقى (زب) مستمرا فقد تناهى (دب) فى منقطعه من جهة (ب) و (زب) ليس يزيد عليه إلا بمقدار (زد) المتناهى وما زاد على المتناهى بمتناه فهو متناه فاذا (زب) متناه بالضرورة* وأما استحالة علل لا نهاية لها إنها إذا فرضت مترتبة بحيث يكون بعضها علة للبعض فلا بد وإن ينتهى إلى علة ليست بمعلوله وهى طرف فتتناهى فان كانت لا تنتهى الى طرف بل تتهادى فلا شك فى أن جملة تلك العلل التى لا نهاية لها حاصلة فى الوجود من حيث هى جملة موجودة معا فلا تخلو تلك الجملة من حيث هى جملة إما أن تكون ممكنة معلولة أو واجبة وباطل أن تكون واجبة لأن الجملة حصلت بآحاد معلولة والحاصل بالمعلول لا يكون واجبا فلا بد وأن يكون معلولا فيفتقر إلى علة خارجة عن تلك الجملة فان كل ما هو من تلك الآحاد فقد أخذناه فى الجملة وثبت الحكم على الجملة المستوعبة للآحاد بأنها معلولة فافتقرت إلى علة خارجة ليست بمعلولة فيكون طرفا لا محالة ويصير متناهيا فهذا هو القول فى المتناهى وغير المتناهى.
Halaman tidak diketahui