هي الدار صارت للمحبين مضجعا ثم رحلنا إلى جدة ، ولنا عنها مدة ، فلما وصلناها ذهب كل عناء وشدة ، وقد أخذنا من الحب عدة ، وحملنا في القلوب مودة . فلقينا بها شبابا كالسحاب ، برؤيتهم تم الأنس وطاب ، وذهب الهم والأوصاب ، أخلاقهم أرق من النسيم ، وعشرتهم أجمل من الدر النظيم .
هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا
أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا
بهاليل في الإسلام سادوا ولم يكن
لأولهم في الجاهلية أول
ثم جاءتنا برقية ، فسافرنا إلى الشرقية ، وما أبقى لنا الشوق بقية ،فقابلونا بالحفاوة والإكرام ، والحب والاحترام ، ووجدنا رقة الحضارة ، والبشاشة والنضارة ، فعجزنا عن الشكر ، وهام بنا إليهم الذكر ، وما نسيهم الفكر :
لله تلك الدار أي محلة
للجود والافضال والتكريم
هم كالشموس مهابة وجلالة
أخلاقهم في الحسن كالتسنيم
ثم قلت لصاحبي مالك في الجدال خصيم ، تقول القيصومة ، وأنا أقول القصيم ، فلما وصلنا تلك الديار، وعانقنا الأخيار ، وجدنا أهل الديانة ، والأمانة ، والصيانة . عفاف في طهر ، كأنهم نجوم زهر ، أشاد بمكارمهم الدهر .
قل للرياح إذا هبت غواديها
واكتب على أرضهم بالحب ملحمة
حي القصيم وعانق كل من فيها
أرض الديانة قاصيها ودانيها
ثم دخلنا حائل ، والقلب إليها مائل ، فلقينا أبناء المكارم ، وعانقنا أحفاد حاتم ، فرجح حبهم في الميزان ، وحدثناهم في جامع برزان ، واعتذرت من إبطائي ، ثم ألقيت قصيدة نادي الطائي :
لا عيب فيهم سوى أن المقيم بهم
يسلو عن الأهل بل كل الأحباء
في حائل قد بنى الإكرام منزله
أبوهموا في المعالي حاتم الطائي
ولما هبطنا الباحة ، وجدنا الأنس والراحة ، وقد عانق القلب أفراحه ، ونسي أتراحه ، فغمد حسام الإسلام غامد ، كم بها من عابد ، وزاهد ، وساجد .
Halaman 76