184

Artikel Tanahi

مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي

Penerbit

دار البشائر الإسلامية بيروت

Nombor Edisi

الأولى

Genre-genre

عرف من السائل أنه ما أورد لفظ «المتوفي» على الوجه الذي يكسوه جزالة في المعنى وفخامة في الإيراد، وهو وجه القراءة المنسوبة إليه ﴿والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا﴾، بلفظ بناء الفعل للفاعل، من إرادته معنى: والذين يستوفون مدد أعمارهم».
قضية لغوية:
وهذا الذي رأيته من تسويغ «توفى»، وإخراجه من دائرة الخطأ المحض يقودنا إلى قضية لغوية كبيرة شغلت اللغويين قديمًا وحديثًا، وهي قضية التصويب اللغوي، وقد بدأ التصنيف فيها مواكبًا لجمع اللغة وتدوينها، على نحو ما نرى عند الكسائي (١٨٩ هـ) في الكتاب المنسوب إليه «ما تلحن فيه العامة».
وتحت هذا العنوان كتب كثير من علماء اللغة الأوائل، مثل الفراء (٢٠٧ هـ) وأبي عبيدة (٢١٠ هـ) والأصمعي (٢١٦ هـ) ومن في طبقتهم ومن جاء بعدهم، بل إن حركة التصحيح اللغوي هذه قد شارك فيها بعض علماء الترك في الدولة العثمانية الذين اتخذوا العربية قلمًا ولسانًا، فرأينا ابن كمال باشا (٩٤٠ هـ) يؤلف كتابه «التنبيه على غلط الجاهل والنبيه»، ثم جاء علي بن بالي القسطنطيني (٩٩٢ هـ) فصنف كتابه «خير الكلام عن أغلاط العوام».
ومعلوم أن حركة التصحيح اللغوي قد تغيت غاية كبيرة، هي المحافظة على سلامة اللغة، في أصواتها ومفرداتها وتراكيبها وإعرابها ودلالة ألفاظها. ومعلوم أيضًا أن التنبه للخطأ اللغوي قديم، وأن محاصرته والتوقي منه مما جاءت به السنة والأثر، فقد رُوي: أن رجلًا لحن بحضرة رسول الله ﷺ، فقال: «أرشدوا أخاكم»، وروي عنه ﵇ أنه قال: «أنا من قريش ونشأت في بني سعد، فأنَّى لي اللحن؟».
وقال أبو بكر ﵁: «لأن أقرأ فأُسِقط أحب إليّ من أن أقرأ فألحن».
وكتب كاتب لأبي موسى الأشعري إلى عمر بن الخطاب ﵄: «من أبو موسى» فكتب إليه عمر: «أما بعد فاضرب كاتبك سوطًا واحدًا وأخَّر عطاءَه - أي راتبه - سنة».

1 / 198