زينة المجالس:
وتبقى بعد كل ذلك روحه المرحة وخفة ظلَّه وتعليقاته الطريفة، فهو زينة المجالس وريحانتها، مع عزة نفس وإباء، وحرص على صيانة كرامته من كل ما يسيء إليها ولهذا فهو يصف هؤلاء الذين يتزلفون لتلاميذهم في أسلوبه الساخر الممتع قائلًا: «وإن منهم لفريقًا يتهافت على ذوي المناصب من تلاميذه، حتى إذا رأى أحدهم في مجلس طمح ببصره إليه، وأخذ يمد عنقًا ويميل رأسًا، ويسدد نظرًا ليريه مكانه فتلتقي العينان، فيذهب بها غنيمة باردة يحدث بها أهله وولده، فإذا أبصره في طريقه ركض خلفه حتى يكاد يتعثر في أذياله، وشق الصفوف إليه وقد علاه البهر وغلبه النهيج حتى يوشك أن يكتم أنفاسه، فإذا انتهى إليه ابتسم في صَغار وانكسار وأخذ يذكره بتلمذته له في ثقل وغثاثة:
«ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظَّموه في النفوس لعظما»
(مقدمة كتاب الشعر ص ٦).
وانظر مقالته في الهلال عدد سبتمبر ٩٥ حول التصحيف والتحريف: «هذه النقطة وقضية التصحيف والتحريف»، وهو يناقش فيها الخطأ الذي جاء في امتحان اللغة العربية للثانوية العامة في بيت أحمد شوقي:
«ولم أخل من وجد عليك ورقَّة ... إذا حل غيد أو ترحل غيد»
إذ ورد مصحفًا في السؤال بالعين المهملة، والصواب «غيد» بالغين المعجمة (الشوقيات ٢، ١١٩).
فيستهل هذه المناقشة بأن يسوق رواية طريفة حول أشهر تصحيف في التراث، وهو التصحيف الذي جعل والي المدينة في زمن سليمان بن عبد الملك يخصي مجموعة من المخنثين، بسبب تصحيف وقع في كلمة «أَحص» بالحاء المهملة فصارت «اِخص» بالخاء المعجمة، هؤلاء الذين خصوا معرَّفون بأسمائهم، ويقال في ترجمة كل منهم: «وهو ممن خُصي بالنقطة».
1 / 17