العلم ومشافهتهم والرواية عنهم، وأعطوني حماسة الشباب وتوقده، بل إنهم فتحوا لي أبوابًا من النظر، ودلوني على فوائد من الكتب لم أكن أقف عليها لولا نظرهم ومناقشتهم، وما زلت أقول: إننا حين نعلم ونخرج أبناءنا الطلبة إنما نقرأ معهم العلم مرة أخرى، بل ربما استفدنا منهم مثل الذي استفادوه منا، ولأمر ما كان التلميذ قديمًا يسمى «صاحبًا» لشيخه: فأبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة، والربيع بن سليمان المرادي صاحب الشافعي، وابن جني صاحب أبي علي الفارسي ... وهلم جرًّا».
ثم لا يترك هذا الموضع حتى يذكر في هامش الصفحة أسماء هؤلاء الشباب الذين أفادهم واستفاد منهم، ومنهم: عياد بن عيد الثبيتي، سليمان بن إبراهيم العايد، عثمان بن حسين الصيني، عبد الرحمن بن سليمان العثيمين وغيرهم.
ولعل هذه الإشارة من عالمنا الجليل إلى توقير واحتفال الجامعات السعودية بأهل العلم والحفظة والرواد، الذين ضاقت بعلمهم الواسع الشهادات الجامعية، فالتقطتهم دررًا واستقطبتهم نجومًا، أثرت بهم هيئاتها التدريسية وانتفع طلابها بعلمهم العظيم، هي التفاتة مهمة وتنبيه واجب للقائمين على إدارة المؤسسات الجامعية في بلادنا العربية، فهذه السُّنَّة الحميدة، وهي التعيين دون الالتزام بمسميات الشهادات، أسلوب عرفته الجامعات الأجنبية قبل العربية، فاستفادت منه، وبسبب هذا النهج رأينا العقاد وعبد السلام هارون وعمر الدسوقي، وغيرهم كثيرين، رأيناهم في أروقة الجامعات يحاضرون ويناقشون ويفيدون وهم لا يحملون لقب العصر وصرعته «الدكتوراه» ولا يعبأون بها، وكان الأمر كذلك في مؤسساتنا العلمية إلى أن ابتليت بالنظام الأمريكي الفجّ، الذي جعل الطلاب يمتحنون أساتذتهم في بعض المقابلات الخارجية، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
علمه وفضله:
أما علمه وفضله فإن الحديث في هذا الجانب «سوف يغرق في بحور إحسانه»، (وهي كلمة الحسن بن رجاء في مدح أبي تمام)، وما سطره الإخوة الأفاضل
1 / 15