عندما نتأمل الشعوب العربية التي تخلصت من الاستعمار البريطاني أو الفرنسي، نجد أنها تنزع في نهضتها إلى تحقيق عدة أهداف: أولها التعليم العام، وثانيها التصنيع، وثالثها تحرير المرأة.
وهذه النهضات الثلاث تبرز في جميع الشعوب العربية من السودان إلى سوريا، ومن العراق إلى مصر.
وحركة التعليم العام تجري فيما يشبه العجلة أو الهرولة؛ لأن إحساس الكرامة الوطنية يدفع هذه الشعوب العربية إلى مكافحة الأمية والسخاء في الإنفاق على إنشاء المدارس، أما التصنيع فيسير ببطء، وهذا هو المنتظر؛ لأن نفقاته أكبر، كما أنه يحتاج إلى خبرة أجنبية ومرانة بين العمال، كما يحتاج إلى التدريج، بطبيعة ما يحتاج إليه إنشاء المصانع من الدرس والاستعداد، وما تتطلبه المصنوعات من ترتيب وتنظيم في البيع واختيار الأسواق.
أما النهضة الثالثة فهي تحرير المرأة، وهذه النهضة حبيبة إلى قلب كل عربي مستنير؛ لأن أبرز ما يفصل بين الشعوب العربية والغربية هو حال المرأة بينهما، وعبارة «تحرير المرأة» تتحمل طائفة من المعاني.
فهي تعني تحريرها من الجهل بالتعليم، وتحريرها من التقاليد بإلغاء الحجاب، ثم مساواتها بالرجال في الحقوق الدستورية والمدنية.
وقد نظن من النظرة الأولى لهذا الموضوع أن الاستعمار أبعد ما يكون عن التدخل في شئون المرأة العربية، ولكن هذا خطأ كبير فإننا نعرف من تاريخ بلادنا مدة الاحتلال الإنجليزي أن السلطات الإنجليزية أقفلت مدارس البنات عقب استيلائهم على شئون الدولة في سنة 1882 بدعوى الاقتصاد، ولم يبقوا في القطر المصري كله إلا على مدرسة ابتدائية بالقاهرة، وبقيت المرأة المصرية محرومة من التعليم الثانوي 43 سنة؛ لأن أول مدرسة ثانوية أنشأتها الحكومة كان افتتاحها في سنة 1925 عقب ثورة 1919، وما أثارت من استقلال جزئي في إدارة التعليم.
بل أكثر من هذا: كانت «المدرسة السنية» في القاهرة، وهي المدرسة الابتدائية الوحيدة للبنات، ترأسها ناظرة إنجليزية، وكانت هناك حركات اجتماعية بين الشعب تنبعث من صميمه وتدعو إلى إلغاء الحجاب، أي: تدعو إلى إلغاء الفصل بين الجنسين، وعدم إبقاء المرأة في البيت لا تنشط لأي عمل غير العمل المنزلي، كما تدعو إلى نزع البرقع عن وجهها إذا خرجت من المنزل.
كانت هناك حركة تدعو إلى تحرير المرأة من هذه التقاليد السيئة، وكانت هناك محاولات موفقة من المرأة في تحقيق هذا التحرير، كما كان الرأي العام والصحف قد شرعا كلاهما يؤيدان «السفور»، ولكن الناظرة الإنجليزية «للمدرسة السنية» كانت تصر على أن تتقنع التلميذات بالبراقع، وهن لم يكدن يبلغن الحادية عشرة أو الثانية عشرة من العمر، وكانت حجتها في ذلك أن مصر يجب أن تحافظ على تقاليدها ولا تقلد الغربيات.
كان الاستعمار يخشى أن يؤدي تقليدنا الغربيين إلى السير نحو الحضارة الغربية ثم إلى الأخذ بقيمها، فيكون من ذلك صناعة وتعليم وحرية، ولا يمكن الاستعمار أن يعيش مع كل ذلك، إنما يعيش الاستعمار في الشعوب الشرقية، أو كان يعيش فيها، بمخالفته القوات الرجعية التي كانت تعمل لركود هذه الشعوب، بدعوى المحافظة على التقاليد مهما وضحت لأبنائها الشرور والمفاسد التي كانت تنطوي عليها هذه التقاليد؛ ولذلك عندما تخلصنا بعض الشيء من النفوذ الإنجليزي، شرعنا ننشر التعليم، وتعليم المرأة خاصة، فأنشأت الحكومة المصرية أولى مدارسها الثانوية للبنات في سنة 1925، ولما أنشئت جامعة القاهرة حرص المؤسسون على أن يجعلوا التحاق المصرية مباحا.
واستجاب الشعب لهذه الحركة، فأقبلت الأسر على إدخال بناتها في المدارس التي أنشئت لهن، كما أقبلت الحاصلات على شهادة البكالوريا على الالتحاق بالجامعات، وكان تبريز البنت أو الفتاة في المدرسة والجامعة لا يقل عن تبريز الصبي أو الشباب.
Halaman tidak diketahui