وليس هناك كاتب عظيم إلا وتحس المرارة فيما يكتب، وهذا هو الشأن في برناردشو على الرغم من نكاته التي يضحكنا حتى لنبكي، وهذا هو الشأن أيضا في تولستوي ودستوفسكي وفولتير ورينان، وذلك لأنهم يعرفوننا بالأحزان والمآسي والمشكلات التي تحيط بنا، والتي نغفل عنها ذاهلين في لهونا.
كان مكسيم جوركي يسمى في ورقة ميلاده إليكزاي بيشكوف، ونشأ على هذا الاسم إلى أن وجد أن له قلما يشرع ما كان يعانيه أبناء وطنه من مآس ومظالم وقذر وعفن، فشرعه يشرحها ويبسطها في قصص مرة مؤلمة، واتخذ لذلك اسم مكسيم جوركي، وكلمة «جوركي» تعني في لغته «المر».
لقد عرف رسالته في هذا الدنيا وعرف أنه كاتب مر، يعلم قراءه، ويقسوا عليهم، حتى يستيقظوا، ونحن نقرأه لا لنلهو ولكن لنتألم ونتنبه ونزداد ذكاء ورجولة. •••
الفن هو شكل ومضمون.
فأما المضمون عند جوركي فقد ذكرته، وهو يتلخص في الإيمان بعظمة الإنسان، والأمل في مستقبله العظيم باستخدام العلم، وليست الفضائل عنده من صنع الحكومات أو الأديان أو الحكماء، وإنما هي من صنع الشعب.
وهو مثل جميع الأدباء العظماء في التاريخ يجد أن الإنسان في صميمه نبيل، جميل، طيب، وإنما يفسده الفقر والظلم والجهل، وأن الاعوجاج يعود إلى مظالم المجتمع وليس إلى فساد أصيل في فطرة الإنسان.
هذا هو مضمون الفن عند جوركي، والآن ما هو الشكل؟
وأنا أجيب عن هذا السؤال بسؤال آخر، هو: هل لنا الحق بعد أن عرفنا المضمون أن نسأل عن الشكل؟
أنا لا أسأل هذا السؤال؛ لأن المضمون عند جوركي يستغرق كل ذهني.
بين البراعة والإنسانية
Halaman tidak diketahui