صحت بصحتك الأيام وابتهجت
بها المكارم وانهلت بها الديم
وراجع الشمس نور كان فارقها
كأنما فقده من جسمها سقم
وما أخصك في برء بتهنئة
إذا سلمت فكل الناس قد سلموا
فلما فرغ من العناق، وانتعشت الأرواح بطي شقة الفراق، قال الشريف لأبي الحسن: أقسمت عليك يا معدن الفطن، إلا ما أقمت معي هنا بهذا البستان البديع، أنت وعائلتك مدة فصل الربيع، حتى نتناول كئوس السمر، ونجتلي لذة المفاكهة في السهر، فأنعم بلا امتناع وأجاب، واجتمعت الأحباب بالأحباب، ثم سأله عما سمع وما رأى في بلاد الأجانب، وما شاهد فيها من العجائب، فقال: اعلم يا مليح الشمائل، ويا صحيح الرواية في الفضائل، أني سمعت بأنه كان يوجد في مدينة عدن، من جملة عجائب الزمن، شيخ من المعمرين، سنه لا تنقص عن مائة وخمسين من السنين، وكان له عشرة من البنين والبنات، من خمس أمهات، كانوا يتكلمون بكل لسان، ويحفظون القرآن، وينظمون الشعر، وينثرون الدر، ولهم في الآداب المؤلفات الفائقة، والمصنفات البديعة الرائقة، وكان كبير هؤلاء العلماء الأعلام، من ذوي الجسارة والإقدام، ويقال إنه خرج مع قافلة من بني سعد، في سفر إلى ناحية نجد، فتعرض لهم في الصحراء ليث هاصر، وأسد عظيم الجثة خادر، فدنا منه بشدة باس، وقوة مراس، ولطمه على أنفه في موقف الخصام، لطمة هائلة جرعه بها كأس الحمام، وكان لهذا الليث لبؤة وخمسة أشبال، فأحاطت به من جهتي اليمين والشمال، ومن الخلف والأمام، فصدمها صدمة بطل همام، فقتل منها ثلاثة وهرب منه الرابع، واقتفى أثر أمه في الفيافي والبلاقع، فعدا خلف الاثنين على قدميه كالجواد، ورماهما بسهمين أودى بهما إلى النفاد، ثم كر راجعا إلى القافلة، فقابلوه بمزيد الشكر والثنا، ونشروا بين يديه أعلام الهنا، وجمعوا له من الأموال عدة وافرة، فردها إليهم قائلا لهم: إنما أبغي ثواب الآخرة.
وكان عمره إذا رأيته باليقين، ينوف على مائة وعشرين، وهو مع ذلك حاضر الذهن، سالم العقل والبنية من الوهن، إذا نطق أتى بإحسان حسان، وإذا كتب سابق يراعه اللسان، لا يسأل إلا ويحسن الجواب، ويقول فيصيب شاكلة الصواب، ولقد رأيته يسأله سائل عن كثير من المسائل، وهو في جمع غزير، وجم غفير، فكان مما قاله في السؤال، وأجاب الشيخ عنه في الحال: أيها المولى المشهور، كيف تجمع أسماء الشهور؟ فقال: خذها على الترتيب، ولا لوم ولا تثريب، تجمع على محرمات، وأصفار، وأربعة وأربعاء أو شهور ربيع، وجماديات، وأرجاب وشعبانات، ورمضانات وشواويل أو شوالات، وذوات القعدة وذوات الحجة، وقد ظهرت المحجة.
قال: فكيف تجمع أسماء الأيام؟ فأجاب من غير تلعثم في الكلام: تجمع على سبوت أو أسبتة، وآحاد وأثانين، وثلاثاوات، وأربعاوات، وأخمسة أو أخمس، وجمع أو جمعات. فلما سردها سرد الأعداد، وأجاد كل الإجادة فيما أفاد، قبل السائل يديه، وقمنا نتعجب لكثرة ما لديه، ولبث أبو الحسن في حديقة الشريف الرفيع، إلى أن انقضت أيام فصل الربيع، ثم انتقل بعياله في شهر ذي القعدة، إلى منزله بخطة غيط العدة، واستمر بينهما الوداد والمحبة، إلى أن قابل كلاهما ربه.
المقالة التاسعة
Halaman tidak diketahui