وتأتي الذي تقضى له وهو آيس
وبعد أن تقلد بهذه الوظيفة الرفيعة، وتأهل من بنات أعيان المدينة بحرة في حسنها بديعة، أقبلت عليه الدنيا بخيراتها الجزيلة، وامتلأت عليه داره من الخدم والجواري الروميات الجميلة، واشتغل بمباشرة المناصب، عن الاحتفال بمسامرة الصديق والصاحب، فثارت عليه طوائف الحساد من كل جانب، واتهموه بالانحراف عن أقوم المذاهب، وقال فيه شاعرهم:
إذا رفع الزمان وضيع أصل
وألبسه ثياب الاعتبار
فسالم من أردت سواه وانظر
له أبدا بعين الاحتقار
وزعموا أن بشاشته تبدلت بالتقطيب والعبوس، وأن فظاظته وعدم استقامته قد اشمأزت منهما النفوس، وأنه اعتزل الأشراف، وحاد عن طريق الإنصاف، وبالغوا في ذمه، وبالغوا في هجاء أمه، وقال بعضهم في مجلس الوزير: إن سوء فعله من الأدلة القائمة على دناءته وخسة أصله، وأنه مبير كذاب، ومثير للفتن مرتاب، وأنه لما نال بغيته بغى، وضل بعد الهداية وطغى، وتاه على أبناء جنسه، ولم يذكر في يومه ما لقيه في أمسه.
وقال آخرون: إنه بقية من قوم عاد، وإن حياته مضرة بالأنام على القرب والبعاد، وإنه ظهير لذوي المعايب، ونصير للعاكفين على المثالب، وليس الباعث لهم على إذاعة هذه الأقاويل الكاذبة، وإشاعة هذه الأباطيل التي سهامها به صائبة، سوى الغيرة والحسد الذي رماهم بنبال الكمد.
وإذا خشيت من الأمور مقدرا
وفررت منه فنحوه تتوجه
Halaman tidak diketahui