ثم أقبل بوجهه عليه، وأبدى له من الابتسام ما دفع عنه كل ما هجس بخاطره من توقع الانتقام، ولخوفه عليه من غائلة أتباعه بعث به في أمان إلى بعض أقطاعه. ولعمرك هذا هو الجود الذي أنسى جود حاتم، والحلم الذي محا من الصحف حلم قيس بن عاصم.
وزاره في داره ذات يوم جماعة من الأفاضل، ممن تتحلى بمعارفهم أجياد المحافل، فتجاذب معهم أطراف الرواية، وأظهر كل منهم فيها ما عنده من الدراية، وقام وتكلم فأحسن، وتنوع فيما أبداه وتفنن، وأطلق لجواد فكره في هذا المضمار العنان، ففاز بالسبق وحاز قصب الرهان، ولا زال في هذا المبحث الطويل ينتقل من الجمل إلى التفاصيل، حتى قال في حقه، من يعول على صدقه:
لله درك من إمام ما له
بين البرية في الرواية ثاني
كم من مخبأة كشفت لنا الغطا
عنها بأعذب منطق وبيان
ومن محاسن شعره الذي سارت به الركبان، وأضاءت ببدور معانيه في خدور مبانيه الأكوان، ما رواه عنه أبناء الأدب، واستملاه نبلاء العجم والعرب، حين قال في خطابه لابن وده، وقد أصمى فؤاده بسهام صده:
حسبي بحبك في الغرام نحولا
ومدامعا فوق الخدود سيولا
سل عن ليال بالجوى قضيتها
Halaman tidak diketahui