وأنشد القلب المشوق عسى ... يرجع المفقودَ نُشْدانُ
وابكِ عنّي ما استطعت إذا ... ما أمال الطرفَ نعمانُ
وأقرِه عنّي السلام فَسُكّانُ ... قلبي فيه سُكّانُ
لا تزدني يا عذولي جوىً ... أنا بالأسواق جذلانُ
قال وُهَيْب بن الوِرْدِ: لقيت امرأةَ في الطواف وهي تقول بصوت حزين: إلهي ذهبت اللذات وبقيت التبعات، يا ربّ مالك عقوبةً إلاّ النار، أما في عفوك ما يسعني؟.
وحج الشبليُّ ﵁ ماشيًا على التجريد فلمّا رأى مكة انشد:
اسُكّان مكة هذا الذي ... أراه عِيانًا وهذا أنا
ثم وقعع مغشيًّا عليه، فلمّا أفاق أنشد:
هذه دارهم وانتَ مُحِبٌ ... ما بقاءُ الدموع نجي الآماقِ
وقديمًا عهدتُ أفنية الدارم ... وفيها مصارعُ العُشاق
حجّت امرأةٌ من العبّاد وهي تمشي وتقول: أين بيت ربّي! أين بيت ربي! فيقولون: الآن ترينَهُ، فلمّا لاح البيتُ قالوا: هذا بيت ربك، فجعلتْ تَشتدّ وتقول: بيت ربّي، بيت ربّي، حتى وضت جبهتها عليه فما رُفِعتَ إلاّ ميتة.
اشتقتُ يا سفن الفلاة فَبَلِّغي ... وطربتُ يا حادي الرفاق فَغَنِّني
إخواني! أين من أضناهُ الشوقُ؟ أين من أكمده الحُرق؟ أين لَذَعك الوجد؟ أين تأسّف البُعْدُ؟
أتظنُ الوُرْقَ في الأيك تغنّي ... إنّها تُضمر خزْنًا مثل حزني
لا أراك الله نجدًا بعدها ... أيّها الحادي بنا إن لم تُغَنِّ
هل تباريني على فرط الجوى ... في ديار الحُبِّ نشوى ذاتِ غُصْنِ
هَبْ لها السبق ولكن زادنا ... أننا نبكي عليها وتُغَنَي
يا زمان الخيف هل من دعوة ... يصح الدهر بها من بعد ضَنَ
أرضينا بثنيّات اللوى ... عن " زرود " يا لها صفقة غبن
سَلْ أراك الجزع هل مرّت به ... مُزْنَة تُروى ثراه غير جفني
وأحاديث الغضا لوعلمت ... إنّما تملك قلبي قبل أذني
يا خليليِّ بنجدٍ عَرَّجا ... وانزلا بالمنحنى إنْ كان يغني
واندبا الأطلال قد كان بها ... جيرةٌ قد أخلفوا بالبعد ظَنِّي
ضاع قلبي وابلائي بعدهم ... يا أصيحابي اسمعوا ما كان منّي
طول ليلى ساهرٌ من بعدهم ... ونهاريّ في بكاءٍ ثم حزن؟
ما أدري ما الذي أهاج قلب الحزين، اَه من طول تفكر وأنين:
أهاجك من أرض العراق يروقُ ... وأنتَ إلى أرض الحجاز مشوقُ
تحنّ إلى لمجلى بروح شجيةِ ... ومالكَ فيما تبتغيه طريقُ
فلا أهل ليلى يرحمون متيّماّ ... ومالكَ منهم في الديار صديقُ
يا من لم يصل في هذا العام إلى " منى " اطلب " مِنَى " فمنَى المُنى إنْ لم تصل إلى عَرَفَه، فأقبل إليه بقلب عَرَفهْ. واعجبًا لمن يقطع المفاوز ليرى البيت كيف لا يقطًع نفسه عن هواها ليصل إلى كعبته ويسعني قلب عبدي المؤمن.
إليكَ قصديَ لا للبيت والحَجَرِ ... ولا طوافي باركانِ ولا اَثرِ
يقال: إن يوم عرفة ينزل ربنا إلى سماء الدنيا فيقول: يا ملائكتي انظروا إلى عبيدي شُعثًا غُبراَ من كلِّ فج عميق، أشهدكم أنّي غفرتُ لهم، وفي لفظٍ لا يبقى يوم عرفة من في قلبه مثقال ذرّةٍ من إيمانٍ إلا غفر له.
حكاية: لمّا اجتمع يوسف ﵇ بأخيه يهوذا قال له: أخبرني عن حال أبي وقصّته:
وما شَرَقي بالماءِ إلا تذكُرا ... لماءٍ به أهلُ الحبيب نزولُ
وما عشتُ من بعد الأحبة سلوةً ... ولكنني للنائبات حَمولُ
أما في النجوم السائرات وغيرها ... لعيني على ضوء الصباح دليلُ
فقال: كيف أصف لكَ حاله وقد ذهبَ بَصرُهُ من البكاء عليك فلا يشتهي إلاّ لقاءك، فبكى يوسف بكاءً شديدًا وقال: ليت أمّي لم تلدنيْ
يا صاحبي إنْ كنتَ لي أو معي ... فقم إلى أرض الحمى نرتعِ
واسأل عن الوادي وأربابه ... وانشُد فؤادي في رُبا المجمع
1 / 11