«ما الدليل على أن دينك حق؟» فقال المحدث: «حدثنا سفيان الثورى «1» هكذا وحدثنا الشعبي بكذا، وحدثنا ابن عون بكذا»، والهندي ساكت. فلما أتى على ما أراد، قال له الهندى: «من أين علمت أن هذا الذي روى لك هذه الروايات عنه صادق فيما ادعاه من النبوة؟» فتلا آيات من القرآن نحو قوله تعالى: «محمد رسول الله «2»»، فقال له الهندى: «ومن أين علمت أن هذا الكلام من عند الله، ولعل صاحبك وضعه، فلم يدر ما يقول وسكت، فأجازه الملك. وكتب الى هارون يخبره، وذكره أن الذي وجهه لا يصلح لما أردناه، وانما نريد رجلا متكلما ليحتج لأصل دينه ولأصل الاسلام، فلما ورد الكتاب والمحدث على هارون قال: «أطلبوا لي متكلما»، فوجدوا أبا خلدة، فقيل له «أتثق بنفسك في مناظرته»؟ فقال: «أنا له إن شاء الله تعالى»، فوجه به الرشيد في مركب، وكتب الى ملك الهند: «إنى قد وجهت إليك رجلا متكلما من أهل ديني»، فلما كان فى بعض الطريق وجه الهندي إليه من يختبره، فوجده متكلما، فدس إليه سما فقتله، قبل أن يصل الى الملك.
ومنهم، أبو عامر الانصاري، وكان عظيم القدر في الفقه والكلام.
ومنهم، عمرو بن قايد، كان متكلما جدلا، بعث إليه سليمان بن علي لما بلغه عنه أنه لا يقول «لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم»، ودعاه، فلما دخل، فكان يرتقي إليه درجة، وهو شيخ، وكلما وضع قدمه على درجة قال:
«لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم»، وسليمان يسمع، فلما صعد، إذا بين يديه سيف مسلول، ومصحف منشور، فقال سليمان: أخرج من هذه الآية، «وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله «1»» فقال عمرو: «يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ... فآمنوا بالله «2»» فأي إذن أكبر من هذا؟ فقال له سليمان: «أكانت في كمك؟» فقال: «لا، ولكن بتأييد الله». وله تفسير كبير، وهو القائل:
سيعلمون إذا الميزان شال بهم ... أهم جنوها أم الرحمن جانيها
ومنهم موسى الأسواري: فسر القرآن ثلاثين سنة، ولم يتم تفسيره. ويقال:
كان في مجلسه العرب والموالي، فيجعل العرب في ناحية، والموالي فى ناحية، ويفسر لكل بلغته، ويخالف في شيء من الارجاء.
ومنهم، هشام بن عمرو الغوطي «3». قال أبو القسم: «هو شيباني من أهل البصرة». قال القاضى: «وكان عظيم القدر، عند الخاصة والعامة»، حكى عن يحي بن أكثم: «كان إذا دخل على المأمون، يتحرك حتى يكاد يقوم».
وفيه يقول بعضهم:
أمد الواحد الذي قد حبانا ... بهشام في علمه وكفانا
Halaman 54