قال أبو الهذيل: «فهل تعلم أن العرب كانوا أهل جدل» قال: «اللهم نعم» قال: «فهل اجتهدوا فى تكذيبه؟» قال: «اللهم نعم» ... قال «فهل تعلم أنهم عابوا عليه بالمناقصة أو باللحن؟» قال: «لا» ... قال أبو الهذيل: «فتدع قولهم، مع علمهم باللغة، وتأخذ بقول رجل م الأوساط» قال: «فأشهد أن لا إلا الله وأن محمدا رسول الله».
قال: «كفاني هذا، وانصرف، وتفقه في الدين». قال المبرد: «ما رأيت أفصح من أبي الهذيل والجاحظ»، وكان أبو الهذيل أحسن مناظر شهدته في مجلس، وقد استشهد في جملة كلامه بثلاثمائة بيت.
قال ثمامة: وصفت أبا الهذيل للمأمون، فما دخل عليه جعل المأمون يقول لى: (يا أبا حفص)، وأبو الهذيل يقول: (يا ثمامة)، فكدت أتقد غيظا، فلما احتفل المجلس، استشهد في عرض كلامه بسبعمائة بيت، فقلت: «إن شئت فكنني، وإن شئت فسمني».
وحكى يحي بن بشير الارجائى عن النظام، قال: «ما اشفقت على أبي الهذيل قط، في استشهاد شعر، إلا يوم قال له الملقب ببرغوث «1»: «أسألك عن مسألة فرفع أبو الهذيل نفسه عن مكالمته، فقال برغوت:
وما بقيا علي تركتماني ... ولكن خفتما صرد النبال
ولم أعرف في نقيضه بيتا يتمثل به، فبرز أبو الهذيل وقال: لا بل كما قال الشاعر:
وارفع نفسي عن بجيلة أنني ... أذل بها عند الكلام وتشرف
وناظر صالح بن عبد القدوس، لما قال في العالم أنه من أصلين: نور وظلمة، كانا متباينين فامتزجا. فقال أبو الهذيل: «فامتزاجهما أهو هما أم غيرهما؟» قال: «بل أقول هو هما». فألزمه أن يكونا ممتزجين متباينين، إذا لم يكن هناك معنى غيرهما، ولم يرجع ذلك إلا إليهما، فانقطع، وأنشأ يقول:
Halaman 45