المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
والله المستعان
الحمد لله مدبر الدهور، ومدور الأعمار والشهور، مظهر آثار قدمته على صفائح صحائف الأيام، ومبدي أسرار حكمته فيما يجري من حركات الأنام، قلبهم في أطوارها دولًا، وخالف بينهم اعتقادا وقولًا وعملًا، ورفع أقوامًا ووضع آخرين، وقصّ علينا في كتابه المبين، أخبار الأوّلين منهم والآخرين، وذكرهم في أجمل كتاب بأفضل خطاب، وجعل قصصهم تبصرة لأولي الأبصار، وتذكرة لأولي الألباب، فسبحان من تنزه عن تأثير الزمان وتقدس من هو كل يوم في شان، أحمده على أن جعلنا خير أمّة وصيرنا من أمّة نبيّ الرحمة، وأشكره على أن أخرنا عن كل الأمم، وتلك لعمري من أجل المنن، وأتمّ النعم، لنشاهد ممن تقدّم آثارهم، ونعاين منازلهم وديارهم، ونسمع كما وقعت وجرت أخبارهم، أعظم بها فضيلة وكرامة جليلة، إذ رأينا منهم ما لم يروه منا، وروينا
1 / 17
عنهم ما لم يرووه عنا، وأشهد أن لا إله إلا الله ذو الجلال الذي عرفنا الماضي، والاستقبال لديه بمنزلة الحال، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله سيد الأوّلين والآخرين، المنزل عليه في الكتاب المبين " وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين "، صلى الله عليه صلاة تفوح إلى يوم القيامة أعطار تاريخها، ويجتنى على مدى الأيام ثمار شماريخها، وعلى آله وتابعيه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد فلما كان من في الأعصار الحالية، والقرون الماضية، وقع لهم وقائع وسير، وحوادث لها أثر، شاع بها التاريخ والسّمر، تخاطب بذلك الأيام من تأخر عصره من الأقوام، بأفواه المحابر وألسن الأقلام، فيطالعها كأنه مجالسهم، ويتأمل ما فيها كأنه مؤانسهم، ليقتدي منهم بجميل الخصال، ونبيل المآثر والنعال، ويتجنب ما صدر منهم من قبيح الخلال، وكنت قد اطلعت على نبذة من سيرهم وأخبارهم، ووقعت في كتب التواريخ على الكثير من آثارهم، فحملني ذلك، على سلوك هذه المسالك، وإثبات شئ من أخبار أمم الممالك، غير مستدعى إلى ذلك من أحد من أعيان الزمان، ولا مطالب
1 / 18
به من الأصدقاء والأخوان، ولا مكلف لتأليفه وترصيفه من أمير ولا سلطان، بل اصطفيته لنفسي، وجعلت حديقته مختصة بباسقات غرسي، ليكون في الوحدة لي جليسا، وبين الجلساء مسامرًا وانيسًا، وسميته: المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي، وابتدأت فيه من أوائل الدولة التركية من المعز أيبك إلى الدولة.
وإذا ذكرت فيه حكاية ماضية، أو واقعة في القرون الحالية، أسندت ذلك إلى ناقله، وربطت جوادها في معاقله، لأخرج عن العهدة في النقل، على ما يقتضيه العقل، ووضعته على الحروف وتواليها، لتقرب ثمرات جناة، من يد جانيها، كما سبقني إلى ذلك جماعة من المتقدمين، وإلى الآن من أرباب الحديث، وطبقات الفقهاء والأعيان، وأكتفي في ذكر الولاد بأسماء الآباء عن الأجداد.
وأستفتح في هذا الكتاب بترجمة المعز أيبك التركمانيّ، ثم أعود إلى ترتيب الحروف على طريقة من تقدّمني وعداني، وبالله المستعان، وعليه التكلان.
1 / 19
ذكر سلطنة الملك المعز عز الدين أيبك التركماني
اشتراه الملك الصالح نجم الدين أيوب في حياة أبيه الملك الكامل محمد، وتنقلت به الأحوال عنده إلى أن جعله جاشنكيره، ولهذا رنكه صورة خونجا، واستمرّ في خدمة أستاذه إلى أن توفي وأقيم بعده في الملك ولده الملك المعظم توران شاه، " ثم قتل توران شاه " بعد مدة، فاجتمع رأي الأمراء الأكابر على سلطنة الملك المعز أيبك هذا فسلطنوه، ولم يكن إذ ذاك من أعيان الأمراء، لكنه كان معروفا بالديانة والصيانة والعقل والسياسة، وذلك في يوم السبت
1 / 20
آخر ربيع الأول سنة ثمان وأربعين وستمائة، وقتل في يوم الثلاثاء ثالث عشرين شهر ربيع الأول سنة خمس وخمسين وستمائة كما سيأتي، وركب بشعار السلطنة، وحملت الغاشية بين يديه، وأوّل من حملها الأمير حسام الدين بن أبي علي، وتداولها من بعده أكابر الأمراء واحدا بعد واحد.
وكان سبب سلطته أن الأمراء لما أجمعوا على إقامته قالوا: هذا متى أردنا صرفه أمكننا ذلك بسرعة، وتم أمر الملك المعز مدة إلى أن اتفقت المماليك البحرية وقالوا: لا بد لنا من واحد من بني أيوب يجتمع الكل على طاعته، وكان القائم بهذا الأمر الأمير فارس أقطيا الجمدار وبيبرس البندقداري وبلبان الرشيدي وسنقر
1 / 21
الرومي، فأقاموا في السلطنة مظفر الدين موسى بن الناصر يوسف بن الملك المسعود بن الكامل، ولقبوه بالملك الأشرف، وكان عند عماته فأحضروه وعمره نحو عشر سنين، وجعلوا الملك المعز أيبك هذا أقابكه، وذلك لخمس مضين من جمادى الأولى بعد سلطنة المعز بخمسة أيام، فصارت التواقيع تخرج وصورتها: رِسم بالأمر العالي المولوي السلطاني الملكي الأشرفي والملكي المعزى، واستمر ذلك والملك المعز يعلم على التواقيع، والملك الأشرف صورة.
فلما ملك الملك الناصر صلاح الدين يوسف دمشق سنة ثمان وأربعين وستمائة خرج الأمير ركن الدين خاص ترك وجماعة من العسكر إلى غزة، فتلقتهم عساكر
1 / 22
الملك الناصر المذكور، فاندفعوا راجعين، واتفقوا على مكاتبة الملك المغيث فتح الدين عمر بن العادل أبي بكر بن الكامل صاحب الكرك والشوبك، وخطبوا له بالصالحية لأربع بقين من جمادى الآخرة، ونادى الملك المعز أن البلاد للخليفة والملك نائبه وحث على خروج العسكر، وجددت الأيمان للملك الأشرف بالسلطنة وللمعز المذكور بالأتابكية.
ثم قصد الملك الناصر القاهرة وعمل مصافا مع العساكر المصرية، فانكسروا كسرة شنيعة، ولم يبق إلا الملك الناصر ويخطب له في قلعة الجبل، وتفرقت عساكر الملك الناصر خلف العساكر المصرية لنهبهم، واشتغلوا بذلك، وبقي الملك
1 / 23
الناصر في شرذمة قليلة من عسكره، وأمنوا، وانهزم الملك المعز وتحير أين يذهب إذ ليس له جهة يلتجئ إليها، فعزم بمن كان معه من الأمراء على دخول البرية والتوصل إلى مكان يأمنون فيه، فاجتازوا بالناصر على بعد، فرأوه في نفر يسير، فاتفقوا الأمراء وقالوا: عسكرنا قد انكسر وما بقي يجري أعظم من ذلك وهذا الملك الناصر عدونا في نفر قليل، وقد اشتغل عساكره بالنهب، فنحمل عليه حملة واحدة فإما ننتصر عليه وإما نتوجه حيث قصدنا.
فحملوا عليه حملة رجل واحد فانكسر الملك الناصر، وقتل من أمرائه الأمير شمس الدين لؤلؤ الأميني مدبر الدولة أتابك العسكر الناصري، والأمير ضياء الدين القيمري، وهرب الناصر لا يلوي على شئ، وعاد الملك المعز إلى القاهرة مؤيدا منصورا، وخرج الملك الأشرف إلى لقائه، وثبتت أوتاد المعز وعظم شأنه، واستقر الحال على ذلك إلى سنة إحدى وخمسين.
كان الاتفاق بين المعز وبين الملك الناصر صاحب دمشق على أن يكون المعز بالديار المصرية والقدس وغزة، وباقي البلاد الشامية للملك الناصر، وأفرج الملك المعز عن أقارب الملك الناصر الذين أمسكوا في الوقعة المذكورة وهم: الملك المعظم
1 / 24
توران شاه بن صلاح الدين، وأخوه نصرة الدين، والملك الأشرف صاحب حمص، وغيرهم، من الاعتقال، وتوجهوا إلى الملك الناصر بدمشق، واستمر الملك المفر بالقاهرة لكن عظم شأن الأمير فارس الدين أقطياالجحدار والتفت عليه البحرية وصاروا يسمونه الملك الجواد، فعمل عليه المعز وقتله كما سنذكره في ترجمته إن شاء الله تعالى، واستمر الملك المعز بمفرده، ثم إن العزيزية عزموا على الفتك به في سنة ثلاث وخمسين، فشعر المعز بذلك فقبض على بعضهم وهرب بعضهم.
ثم تزوج الملك المعز بالملكة شجر الدر أم خليل صاحبة الملك الصالح في سنة ثلاث وخمسين أيضا، واستمر على ذلك إلى أن بلغ شجر الدر أن المعز يريد أن يتزوج بنت الأمير بدر الدين صاحب الموصل، فعظم ذلك عليها، وطلبت صفى الدين إبراهيم بن مرزوق، وكان له وجاهة عند الملوك، فاستشارته في
1 / 25
الفتك بالمعز، ووعدته أن يكون هو الوزير، فأنكر ذلك عليها ونهاها، فلم تصغ إليه، وطلبت مملوك الطواشي محسن الجوجري الصالحي وعرفته بما عزمت عليه، ووعدته وعدا جميلا إن قتله واتفقت أيضا مع جماعة من الخدام، واستمر الحال إلى يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول سنة خمس وخمسين وستمائة نزل المعز من القلعة ولعب بالكرة في ميدان اللوق، وصعد آخر النهار إلى القلعة، والأمراء في خدمته ووزيره شرف الدين الفائزي والقاضي بدر الدين السنجاري، ودخل داره، وانفض الموكب، ثم دخل الحمام ليستحم، فلما قلع ثيابه وثب عليه سنجر الجوهري والخدام ورموه إلى الأرض وخنقوه، وصارت هي تضربه بالقبقاب إلى أن مات.
ثم طلبت صفي الدين بن مرزوق على لسان المعز فركب حماره وبادر، وكانت عادته ركوب الحمير، فدخل عليها فرآها وهي جالسة والمعز بين يديها ميت، فخاف خوفا شديدا، فاستشارته، فقال: ما أعرف، وكان الأمير أيد غدي العزيزي معتقلا في بعض الآدر مكرما، فأحضرته، وطلبت منه أن يقوم بالأمر، فامتنع، ثم سيرت تلك الليلة إصبع
1 / 26
المعز وخاتمه إلى الأمير عز الدين الحلبي الكبير وسألته أن يقوم بالأمر، فلم يوافق أيضا، واستمر الحال تلك الليلة، فلما كان باكر نهار الأربعاء ركب الأمراء إلى الخدمة على العادة، وتحيرت شجر الدر فيما تفعل، فأرسلت إلى الملك المنصور علي بن المعز المذكور تقول له عن أبيه أنه ينزل إلى البحر في جمع من الأمراء لإصلاح الشواني المجهزة إلى دمياط ففعل.
ولما شاع الخبر بقتل الملك المعز أحدق العسكر بالقلعة، ثم دخلها مماليك الملك المعز والأمير بهاء الدين بغدي مقدم الحلقة، وطمع الحلبي في السلطنة، ووافقه جماعة من الصالحية، فلم ينتج أمره، ثم حضر الوزير الفائزي إلى القلعة، واتفقوا على سلطنة الملك المنصور علي بن الملك المعز أيبك المذكور وعمره نحو خمس عشرة سنة، فتسلطن، واستقر في الملك، وامتنعت شجر الدر مع جماعة في دار السلطنة، وطلب مماليك المعز الهجم عليها، فلم يمكنوهم مماليك الملك الصالح
1 / 27
من ذلك، وكاد يكون بينهم فتنة عظيمة، ثم اتفق الأمر على أن مماليك المعز حلفوا لها أن لا ينالوها بمكروه، وطلبوا صفي الدين بن مرزوق فحدثهم بالقصة، وهرب سنجر مملوك الجوجري، ثم ظفر به فصلب، ثم دفن الملك المعز ﵀.
وكان ملكا شجاعا مقداما، ساكنا عاقلا دينا، لم يشهر عنه ما يشهر به غيره من القبائح.
وأما شجر الدر فوقع لها أمور، ثم آل أمرها إلى الفتك بها - يأتي ذلك في ترجمتها إن شاء الله تعالى -.
ورثى سراج الدين الوراق الملك المعز بقصيدة منها:
نقيم عليه مأتما بعد مأتم ... ونسفح دمعا دون سفح المقطم
ولو أننا نبكي على قدر فقده ... لدمنا عليه نتبع الدمع بالدم
وسل طرفا ينبيك عني أنني ... دعوت الكرى من بعده بالمحرم
ومنها:
بني الله بالمنصور ما هدم الردى ... وإن بناء الله غير مهدم
مليك الورى تسرى لمضمر طاعة ... وتوسى لطاغ في زمانك مجرم
فما للذي قدمت من متأخر ... ولا للذي أخرت من متقدم
1 / 28
حرف الهمزة
باب الهمزة والباء
الشيخ برهان الدين الأسدي
إبراهيم بن إبراهيم بن داود بن حازم، الشيخ برهان الدين الأسدي، أسد خزيمة، الأذرعي الحنفي.
والد قاضي القضاة شمس الدين محمد، وجد أحمد بن محمد - يأتي ذكرهما في محلهما إن شاء الله تعالى -، وهم من بيت علم وفضل.
وكان فقيها دينا عالما، وعليه تفقه ولده قاضي القضاة شمس الدين ﵀.
الأمير مجير الدين الكردي ٦٥٨هـ١٢٦٠م
إبراهيم بن أبي بكر بن زكريا، الأمير مجير الدين الكردي.
1 / 29
كان بخدمة الملك الصالح نجم الدين أيوب في المشرق، وهو من بيت كبير في الأكراد، ثم قدم إلى الملك الصالح إلى الشام، وأقام بخدمته إلى أن قبض الملك الصالح عماد الدين إسماعيل على الملك الصالح نجم الدين بالكرك، فاعتقل الأمير مجير الدين هذا أيضا، ثم أفرج عنه وعاد إلى خدمة الملك الصالح نجم الدين بالديار المصرية، وأستمر عنده إلى أن توفي وقتل ولده الملك المعظم من بعده، ثم اتصل الأمير مجير الدين بالملك الناصر صلاح الدين يوسف، وحج بالناس من دمشق سنة ثلاث وخمسين وستمائة، وفعل من البر والمعروف والإنفاق في تلك الحجة ما هو مشهور عنه.
ولما حصل المصاف بين البحرية وبين عسكر الملك المغيث أمسكوه وأمسكوا معه الأمير ابن الشجاع الأكتع، واعتقلا بالكرك مدة، ثم أفرج عنهما لما حصل بين الملك الناصر وبين الملك المغيث الصلح، فأنعم عليه الملك الناصر بعد ذلك بنابلس، وجعل معه الأمير نور الدين بن الشجاع الأكتع المذكور، فأقاما بها مدة، ثم قدم عليهما جمع عظيم من التتار وهجموا نابلس، فتلقاهم بوجهه ومعه عسكر هين، وأنكى فيهم نكاية كبيرة، وقتل منهم جماعة بيده، ولم يزل يقاتل
1 / 30
إلى أن أستشهد، رحمه الله تعالى، واستشهد معه الأمير نور الدين بن الشجاع الأكتع، فقتلا معا في يوم واحد، وكان بينهما اتحاد ومصادقة، وذلك في أحد الربيعين سنة ثمان وخمسين وستمائة.
وكان مجير الدين المذكور أميرا كبيرًا فقيها، فاضلا أديبا، كثير الخير والين ممدوحا جوادا، شجاعا مقداما، كثير البر والصداقة.
وله نظم ونثر، من شعره:
قضى البارق النجدي في حالة اللمح ... بقيض دموعي إذ تراءى على السفح
ذبحت الكرى ما بين جفني وناظري ... قمحمر دمعي الآن من ذلك الذبح
صدر الدين البصراوي ٦٠٩ - ٦٩٧ هـ، ١٢١٢ - ١٢٤٧ م
إبراهيم بن أحمد بن عقبة بن هبة الله بن عطا بن ياسين بن زهير بن إسحاق، قاضي القضاة صدر الدين بن الشيخ محي الدين البصراوي الحنفي الشهير بابن عقبه.
1 / 31
مولده ببصري في سنة تسع وستمائة في ربيع الآخر، وبها نشأ.
وكان إماما عالما فقيها، درس وأعاد وأفتى عدة سنين، وتنقل في البلاد، وانتشر فضله، وكان له اليد الطولي في الجبر والمقابلة والفرائض، وتولى قضاء حلب ثم عزل وأقام بدمشق ثم قدم القاهرة، ثم عاد إلى دمشق متوجها لقضاء حلب فأدركته المنية، فمات في يوم السبت حادي عشر شهر رمضان، ودفن من الغد في سنة سبع وتسعين بتقديم السين وستمائة، رحمه الله تعالى.
أبو إسحاق الاشبيلي الغافقي ٦٤١ - ٧١٠ هـ، ١٢٤٣ - ١٣١٠م
إبراهيم بن أحمد بن عيسى بن يعقوب، العلامة شيخ القراء والنحاة في زمانه، أبو إسحاق الإشبيلي الغافقي المالكي، شيخ سبتة من بلاد المغرب.
ولد سنة إحدى وأربعين وستمائة، وحمل صغيرا إلى سبتة، وسمع التيسير من
1 / 32
محمد بن جوبر الراوي عن ابن أبي جمرة، وسمع الموطأ، وكتاب الشفاء وأشياء كثيرة عن أبي عبد الله الأزدي سنة ستين، وتلا بالروايات عن أبي بكر بن مشليون، وقرأ كتاب سيبوبه تفهما على أبي الحسين بن أبي الربيع، وساد أهل المغرب في العربية، وتخرج به جماعة، وألف كتابا كبيرًا في شرح الجمل، وكتابا في قراءة نافع.
وكان إمام عصره في فنون.
توفي سنة عشرة وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
1 / 33
أبو إسحاق الرقي الحنبلي ٦٤٧ - ٧٠٣ هـ، ١٢٤٩ - ١٣٠٣م
إبراهيم بن أحمد بن محمد بن معالي، الأمام المذكر القانت أبو إسحاق الرقي، الحنبلي الزاهد، نزيل دمشق.
مولده سنة نيف وأربعين وستمائة، قرأ بالروايات على الشيخ يوسف القفصي، وصحب الشيخ عبد الصمد بن أبي الجيش، وبرع في الفقه والتفسير والتذكير والطب، وشارك في فنون، وله نظم ونثر ومواعظ محركة، وكان عذب العبارة، لطيف الإشارة، وكان يلبس على رأسه طاقية وخرقه صغيرة لا غير، وله تواليف ومختصرات، وألف تفسير فاتحة الكتاب في مجلد، وربما حضر السماع مع الفقراء بأدب وحسن قصد.
توفي سنة ثلاث وسبعمائة.
1 / 34
ومن نظمه:
لولا رجاء نعيمي في دياركم ... بالوصل ما كنت أهوى الدار والوطنا
إن المساكن لا تحلو لساكنها ... حتى يشاهد في أثنائها السكنا
جمال الدين بن المغربي، رئيس الأطباء
...... - ٧٥٦هـ......١٣٥٥م
إبراهيم بن أحمد، المعروف بابن المغربي، الرئيس جمال الدين أبو إسحاق، رئيس الأطباء.
صاحب الرتبة المنيعة والمكانة العالية عند أستاذه الملك الناصر محمد بن قلاون، وكان له الوجاهة في الدولة والحرمة الوافرة لقربه من السلطان وخدمته للأكابر.
وكان توجه صحبه السلطان إلى الكرك، فصارت له بهذا خصوصية ليست لأحد، وكان أبوه شهاب الدين أوحد زمانه في الطب وأنواع الفضائل، لكن كان ولده صاحب الترجمة رزق حظا عظيما، ونال ما لم ينله غيره، وكان السلطان ينادمه وسأله عن أحوال البلد ومن فيه من القضاة، وحال المحتسب ووالي للبلد،
1 / 35
وعما يقوله العوام وتستفيض فيه الرعية، ومن لعله وقع في تلك الليلة بحرمة، فلهذا كان المذكور يخشى وتقبل شفاعته، فيحكى كل ذلك للسلطان من غير أن يفهم عنه أحد فلذلك طالت مدته ودامت سعادته، وكان النشو يحرص على رميه من عين السلطان بكل طريق، ورماه بكل قبيح، فلم يؤثر ذلك عند السلطان، بل ربما زادت رتبته بذلك، ومع ذلك كله، من إفراط العلو وقربه عند الملك، كان لا يتكبر، ولا يرى نفسه إلا كأحد الأطباء، ويوقر الجماعة رفقته، ويجل أقدار ذوي السن منهم، ويخاطبهم بالأدب مع أنه وصل موصلا لم ينله رئيس ولا نديم.
وكان له الفضيلة الوافرة في الطب علما وعملا، والخوض في الحكميات، والمشاركة في الهيئة والنجامة، وكان لا يعود مريضا إلا من ذوي السلطان، ولا يأتيه في الغالب إلا مرة واحدة، ثم يقرر عنده طبيبا يواظبه ويأتيه بأخباره.
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي: وسألته يوما عن السلطان وقد تغير مزاجه، فقال لي: والله ما تقدر نصف له إلا ما يبدأ هو بذكره، ونلاطفه
1 / 36