وذهبت طائفة من علماء السلف فمن بعدهم، ومن المتأخرين الإمام المهدي، والجلال، إلى سقوط حقوق الآدميين بالتوبة قبل أن يقدر عليهم، فلا يؤخذ منهم المال ولو كان باقيا بعينه، ولا ضمان لما أتلفوه من المال، ولا أرش جناية عليهم، ولا قصاص.
ولفظ (الأزهار) للإمام المهدي: ويقبل من وصله تائبا قبل الظفر به، ويسقط عنه الحدود وما قد أتلف ولو قتلا انتهى.
وظاهره إنما بقي من المال بعينه فلرب المال أخذه، وعبارة (المنهاج) و(شرحه): ويسقط عنه بتوبته قبل القدرة عليه لا بعدها عقوبة تخصه من قطع يد ورجل، وتحتم قتل وصلب لآية: {إلا الذين تابوا } [المائدة:34] فلا يسقط عنه ولا عن غيره بها قود ولا مال، ولأنها في الحدود من حد الزنى وسرقة وشرب وقذف، لأن العمومات فيها لم تفصل بين ما قبل التوبة وما بعدها بخلاف قاطع الطريق، ومحل عدم سقوط باقي الحدود بالتوبة في الظاهر، وعلى هذا فالتوبة أفادت سقوط تحتم الحدود المذكورة في الآية والخبر، فإذا قتل ثم تاب من قبل أن يقدر عليه يقتل ولا يصلب، وهو أصح قولي الشافعي، والقول الآخر عنه: يقتل ويصلب ولا يسقط عنه الصلب بتوبة، والمختار أنه إذا لم يعف ولي الدم جاز قتله قصاصا، فإن عفى سقط القصاص ولزمت الدية، وإن أخذ المال ثم تاب من قبل أن يقدر عليه فتقطع يده اليمنى إن كان المال المأخوذ نصابا من حرز وسقط عنه ضمان المال وإلا ضمن المال ولا قطع، فإن جمعهما وكان المال نصابا من حرز اندرج قطع اليد في القصاص، وإن عفى عنهما لزمت الدية وضمان المأخوذ وعن القصاص فالدية وقطع يده، وإن كان المال غير نصاب أو من غير حرز فضمان المال لازم ولو مع القصاص انتهى.
Halaman 174