لا حاجة إلى الجرح والتعديل، لأن العصر هو عصر الصحابة، وهم جميعهم عدول، فلم يكن يحتاج لأكثر من التحرز عن الوهم (١). فابتع الصحابة من قوانين الرواية ما يحتاج إليه في عصرهم، للتثبت من صحة النقل، والتحرز من الوهم، وما زالت هذه القوانين تتفرع لتلبية المطالب المستجدة عصرا بعد عصر، حتى بلغت ذروتها. وأهم قوانين الرواية في عهد الصحابة: أولا: تقليل الرواية عن رسول الله ﷺ خشية أن تزل أقدام المكثرين بسبب الخطأ أو النسيان، فيقعوا في شبهة الكذب على رسول الله ﷺ من حيث لا يشعرون، فضلا عن قصدهم أن يتفرغ الناس لحفظ القرآن، ولا ينشغلوا عنه بشيء، فكان أبو بكر وعمر ﵄ يشددان في ذلك. وقد سلك عموم الصحابة هذا السبيل، حتى اشتهر واستفاض عنهم مرفوعا وموقوفا: "كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع" (٢). ثانيا: التثبت في الرواية عند أخذها وعند أدائها. قال الإمام الذهبي في ترجمة أبي بكر الصديق ﵁ (٣): وكان أول من احتاط في قبول الأخبار، فروى ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن الجدة جاءت إلى أبي بكر تلتمس أن تورث، فقال: "ما أجد لك في

(١) أما المنافقون فكانوا أحقر من أن يحملوا علما أو يؤخذ عنهم العلم، انظر أثبات هذا الموقع للمنافقين، قسم التاريخ: ٦٢ و٥١٧ - ٥٢٢. (٢) روي ذلك عن جماعة من الصحابة، انظر الرواية عن بعضهم في مقدمة صحيح مسلم ص ٨. وقارن بالبخاري في العلم "باب إثم من كذب على النبي ﷺ": ١: ٢٩. وسنن ابن ماجه: ١٠ - ١٣ وانظر توجيه النظر: ١٤ - ١٦. (٣) من تذكرة الحفاظ ص ٢.