قد علم القوم من أهل العمد
إن الفتى سيد أهل النجد (1)
فكنف (2) أبو طالب رسول الله صلى الله عليه وآله وتبناه وخصه وأدناه، وكان أفضل كل ولده عنده وأحبهم إليه، وأراد أبو طالب عليه السلام سفرا إلى الشام في جماعة من قريش فتأهب له وأخذ في عدته وجهازه، فرأى من رسول الله صلى الله عليه وآله كسرة وأبصر عليه كآبة، فسأله عن حاله، فشكا إليه فقده وما يجد من الوحشة بعده، وسأله أن يخرج به معه، فرق له أبو طالب وخرج به معه، فنزلوا بقرب صومعة راهب بأرض بصرى يقال له: بحيراء، وكانت قريش تمر به كثيرا وتنزل بقرب صومعته، فلا ينزل إليهم ولا يكلم أحدا منهم، فلما نزلوا ذلك المنزل ورسول الله صلى الله عليه وآله معهم، نزل إليهم ذلك الراهب وسألهم عن حالهم، وكان ذا علم بالكتب وأخبار ما يكون، فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وتأمله وسأله عن حاله وقصته، فأخبر بذلك فخلا بأبي طالب وقال له: إن لابن أخيك هذا شأنا، وأنه سيبعث نبيا وهذا وقته وهذه صفته، فاحذر اليهود عليه وارجع به إلى بلدك، فإن اليهود إن رأوه خفتهم عليه.
فهو على ذلك معهم إذ أقبل عليه قوم من اليهود فرأوا بحيراء مع أبي طالب، ونظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فعرفوا دلائل النبوة فيه، فهموا به، فهموا به، فخلا بهم بحيراء ونهاهم عنه وحذرهم أمر قريش، وأنهم لن يسلموه، وانصرف أبو طالب إلى مكة، وقال أبو طالب في ذلك:
محمد ذو العرف والذوائب
ولست بالأمس غير الراغب
بأن يحق الله قول الراهب
فيه وأن يفضل آل غالب
إني سمعت أعجب الأعاجب
من كل حبر وعالم وكاتب
بأنه يقتاد كالجنائب
من حل بالأبطح والأخاشب
Halaman 79