الذي لا يحرجك في دينك ولا عرضك ولا بدنك، بل يفيدك عزّ الحلم، وهيبة الوقار. وهي أمور مختلفة، تجمعها حال واحدة.
منها: أن تأتي محفلا فيه جمع من الناس، فتجلس منه دون الموضع الذي تستحقّه حتى يكون أهله [الذين] يرفعونك، فتظهر جلالتك وعظم قدرك.
ومنها: أن يفيض القوم في حديث، عندك منه مثل ما عندهم أو أفضل، فيتنافسون في إظهار ما عندهم، فإن نافستهم كنت واحدا منهم، وإن أمسكت اقتضوك ذلك، فصرت كأنّك ممتنّ عليهم بحديثك، وأنصتوا لك ما لم ينصتوا لغيرك.
ومنها: أن يتمارى جلساؤك- والمراء نتاج اللّجاجة وثمرة أصلها الحميّة- فإن ضبطت نفسك كان تحاكمهم إليك، ومعوّلهم عليك.
واعلم أنّ طبع النّفوس- إذ كان على حسب العلوّ والغلبة- أنّ في تركيبها بغض من استطال عليها. فاستدع محّبة العامّة بالتّواضع، ومودّة الأخلّاء بالمؤانسة والاستشارة، والثّقة والطّمأنينة.
واعلم أنّ الذي تعامل به صديقك هو ضدّ ما تعامل به عدوّك. فالصّديق وجه معاملته المسالمة، والعدوّ وجه معاملته المداراة والمواربة، هما ضدّان يتنافيان، يفسد هذا ما أصلح هذا، وكلّما نقصت من أحد البابين زاد في صاحبه، إن قليل فقليل، وإن كثير فكثير. فلا تسلم بالمواربة صداقة، ولا تظفر بالعدوّ مع الاستسلام إليه. فضع الثّقة موضعها، وأقم الحذر مقامه، وأسرع إلى التفهّم بالثّقة، ولا تبادر إلى التّصديق، ولا سيّما بالمحال من الأمور.
[١٣- معرفة الأمور الغائبة]
واعلم أنّ كلّ علم بغائب، كائنا ما كان، إنّما يصاب من وجوه ثلاثة لا
1 / 82