وقالوا: «لا تخرج الأمر كلّه من يدك وخذ بأحد جانبيه» . ثم الشجاعة والجبن في ذلك بقدر الحالات والأوقات.
[١١- معاملة العدو]
واعلم أنّ أصل ما أنت مستظهر به على عدوّك ثلاث خلال:
أشرفها: أن تأخذ عليه بالفضل وتبتدئه بالحسنى، فتكون عليه رحمة ولنفسك ناظرا؛ فإنّ كثرة الأعداء تنغيص للسّرور، وقد قال الله ﵎:
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ.
فإن كان عدوّك مما لا يصلح على ذلك فحصّن عنه أسرارك، وعمّ عليه آثار تدبيرك، ولا يطّلعنّ على شيء من مكايدتك له بقول ولا فعل، فيأخذ حذره، ويعرف مواضع عوارك، فإنّ تحصين الأسرار أخذ بأزمّة التدبير، والإكثار من الوعيد للاعداء فشل. ولكن داج عدوّك ما داجاك، وأحص معايبه ما لا حاك.
وقال الشاعر:
كلّ يداجي على البغضاء صاحبه ... زكنت منهم على مثل الذي زكنوا
واعلم أنّ أعظم أعوانك عليه الحجج [ثم الفرصة]، ثم لا تظهرن عليه حجّة، ولا تهتبل منه غرّة، ولا تطلبنّ له عثرة، ولا تهتكنّ له سترا [إلّا] عند الفرصة في ذلك كلّه، وفي المواضع التي يجب لك فيها العذر ويعظم فيها ضرره، إن كان العفو عنه شرّا له.
وإن كان ممن يظهر لك العداوة ويكشف لك قناع المحاربة، وكان ممن أعياك استصلاحه بالحلم والأناة، فلتكن في أمره بين حالين: استبطان الحذر منه، والاستعداد له وإظهار الاستهانة [به] . ولست مستظهرا عليه نفسك من الأدناس، وبراءتك من المعايب.
1 / 80