ثم أخبر الله ﵎ أنّه غير داخل في تدبيره الخلل، ولا جائز عنده المحاباة، ليعمل كلّ عامل على ثقة ممّا وعده وأوعده، فتعلّقت قلوب العباد بالرغبة والرّهبة، فاطّرد التدبير، واستقامت السّياسة، لموافقتهما ما في الفطرة، وأخذهما بمجامع المصلحة.
ثمّ جعل أكثر طاعته فيما تستثقل النفوس، وأكثر معصيته فيما تلذّ. ولذلك قال النبي ﷺ: «حفّت الجنة بالمكاره، والنّار بالشهوات» .
[يخبر أنّ الطريق إلى الجنّة احتمال المكاره، والطريق إلى النار اتباع الشهوات] .
فإذا كانوا لم يصلحوا لخالقهم ولم ينقادوا لأمره إلا بما وصفت لك من الرّغبة والرّهبة، فأعجز الناس رأيا وأخطؤهم تدبيرا، وأجهلهم بموارد الأمور ومصادرها، من أمّل أو ظنّ أورجا أنّ أحدا من الخلق- فوقه أو دونه أو من نظرائه- يصلح له ضميره، أو يصحّ له بخلاف ما دبرهم الله عليه، فيما بينه وبينهم.
فالرّغبة والرّهبة أصلا كلّ تدبير، وعليهما مدار كلّ سياسة، عظمت أو صغرت. فاجعلهما مثالك الذي تحتذي عليه، وركنك الذي تستند إليه. واعلم أنّك إن أهملت ما وصفت لك عرّضت تدبيرك للاختلاط وإن آثرت الهوينا واتّكلت على الكفاة في الأمر الذي لا يجوز فيه إلّا نظرك، وزجّيت أمورك على رأي مدخول، وأصل غير محكم، رجع ذلك عليك بما لو حكّم فيك عدوّك كان ذلك غاية أمنيّته، وشفاء غيظه.
[٦- العدل اساس السياسة]
واعلم أنّ اجراءك الأمور مجاريها واستعمالك الأشياء على وجوهها، يجمع لك الفة القلوب، فيعاملك كلّ من عاملك بمودّة، أو أخذ أو إعطاء، وهو على ثقة من بصرك بمواضع الإنصاف، وعلمك بموارد الأمور.
1 / 74