ولذا اكثروا من التزوج منهم، وفي الاسلام انكر العرب فضل السودان عليهم على الرغم من ضرب الامثال بملوك السودان وتقدمهم على ملوك العرب امثال ابرهة وابي يكسوم.
ثم انتقل الجاحظ الى الحديث عن اللون الاسود وقيمته ومنشئه وجماله، وأتى بآراء اجتماعية ونفسية طريفة. فهو يرى ان اللون الأسود اشد مهابة من اللون الابيض. والحيوانات والاشياء السوداء تتصف بالقوة والبهاء، فالخيل الدهم ابهى واقوى، والبقر السود احسن وجلودها اثمن وابقى وادسم لبنا.
وكل حجر اسود يكون اصلب، واشهى التمور واحلاها الاسود. واعلى العيدان واسلمها الأبنوس الاسود. واجمل الشعر الاسود، وحدقة العين السوداء أحسن ما في العين، والكحل الذي يكتحل به للتزين اسود اللون، وسويداء القلب اعز ما فيه، واطيب ما في المرأة شفتاها السوداوان. وقد قال الرسول: «بعثت الى الاحمر والاسود» ومعنى ذلك انه بعث الى السودان. والحجر الاسود اشرف ما في الكعبة. وام اسماعيل قبطية سوداء.
وعالج الجاحظ ناحية أخرى اجتماعية هي كثرة عدد السودان واتساع بلادهم في افريقيا وما وراء بلاد الحبشة. ويعزو الجاحظ ذلك الى قوة خصوبتهم وكثرة تناسلهم. «فالزنجية تلد نحوا من خمسين بطنا في نحو من خمسين عاما، في كل بطن اثنان فيكون ذلك اكثر من تسعين» .
ويلاحظ الجاحظ قلة الاقبال على الزواج من الزنجيات في المجتمع العباسي لأن الزنجية لا تكاد تنشط لغير الزنجي ولأن الأبيض لا ينشط للزنجية. ويعلل الجاحظ هذه الظاهرة بالعادة والتقليد. ولذا نرى اهل البصرة يحبون من النساء الهنديات، واهل اليمن يحبون منهن الحبشيات، واهل الشام يؤثرون الروميات.
فكل قوم يشتهون جلبهم وسبيهم.
وثمة سبب آخر لكثرة السودان هو ترامي اصقاعهم. فاذا كان البيضان يسكنون بلاد فارس وخراسان والروم وفرنجة، فالسودان يملأون بلاد الزنج
1 / 53