ومنها الاستدلال بعدم الدليل على العدم قالوا : لأنه لو لم يلزم من نفي الدليل نفي الشيء لزم القدح في العلوم الضرورية ، لجواز أن يقال : إن بين أيدينا جبالا وأنهارا ونحن لا نعلمها لأن الله تعالى خلق في أعيننا مانعا من إدراكها ، والقدح في العلوم (1) النظرية ، لأنه متى استفيد علم نظري بدليل لم يبعد في العقل وجود معارضة قادحة في إحدى مقدماته ، وأيضا لو جاز إثبات ما لا دليل عليه لجاز إثبات ما لا نهاية له.
والشبهتان رديتان والمطلوب فاسد.
أما الأول فلأن العلم بعدم الجبل بحضرتنا إن توقف على العلم بانتفاء ما لا دليل عليه كان نظريا ، وإن لم يتوقف جاز حصوله حال الجهل بأن ما لا دليل عليه يجب نفيه.
وأما العلوم النظرية ، فإنما يحصل العلم عقيب المقدمات عند العلم البديهي بتلك المقدمات أو العلم اللازم للعلم البديهي بها لزوما بديهيا لا عند عدم العلم بفساد المقدمات.
وأما الثانية فباطلة ، لأنه لا يلزم من تجويز إثبات ما لا دليل عليه بالثبوت ولا بالانتفاء إثبات ما لا نهاية له ، لقيام الدليل على امتناعه.
وأما فساد المطلوب فلانا نقول : إن عنيتم أنه يلزم من عدم الدليل عندكم عدم المدلول فباطل قطعا وإلا لكان الجهال أكثر علما من العلماء! وإن عنيتم أنه يلزم من عدم الدليل في نفس الأمر عدم المدلول ، فلم قلتم أنه في نفس الامر الدليل ليس بثابت؟
على أنا نقول على سبيل المعارضة : لو دل عدم دليل الثبوت على النفي ، لدل عدم دليل النفي على الثبوت ، فالشيء الذي تردد الذهن في إثباته ونفيه إذا لم يظفر بما
Halaman 198