قال أمين بك: «قد كنت أعلم أن سيادتك تحب ذلك الرجل بنوع خاص، وهذا مما قوى رغبتنا في طلب ابنته.»
قال الأمير: «كنت كذلك، وأما الآن فقد بلغني عنه ما أوقع النفور بيني وبينه، فلا يمكنني مخاطبته في شأن خطبة أو زواج.»
فقال أمين بك: «إذا كانت الحال كذلك، فنحن في غنى عن تلك الفتاة، ولا سيما أن غريبا لا يعرفها ولم يرها إلا مرة واحدة بحكم الاتفاق.»
ولم يكن أمين بك يعلم مقدار ما كمن في قلب ولده من المحبة للفتاة، فقال ما قاله.
فلما رجع بالخبر إلى زوجته وولده، تكدرا جدا لأن والدة غريب كانت تحب الفتاة محبة عظيمة، وكذلك غريب كما علمت، ولكن لا يمكنها أن تراجع الأمير بشير، ولا سيما بعد أن جاراه أمين بك في ذلك.
أما غريب فأظلم النور في عينيه، ووقع في ارتباك عظيم، ولم يعد يعلم كيف يدبر الأمر، فإن كلا الأمرين صعب، ولكنه تجلد وقال في نفسه: «ما لا تقدر على قضائه، فالزمن يقضيه.» وأخذ يصبر نفسه منتظرا بابا للفرج، فلاح له أن أفضل وسيلة إنما هي مصالحة الأمير ووالد الفتاة، فأخذ يسعى سرا في ذلك، وهو في خوف من أن تخطب الفتاة لغيره.
ويل أعظم
بقي ذلك الأمر مكتوما حتى جاء إبراهيم باشا إلى بيت الدين لجمع سلاح طائفة الدروز سنة 1832م، وقد كتب الأمير إلى جميع أعيان الدروز في ذلك، وأن يطيعوا الأوامر ويسلموا سلاحهم، وخيم إبراهيم باشا خارج دير القمر، فكان غريب يحاول المرة بعد الأخرى مشاهدة الفتاة، وقلما كان يستطيع ذلك، وإنما ظل يسعى لمصالحة أبيها مع الأمير بشير.
واتفق أنه التقى يوما بأبيها وكان يعرفه، وكان الرجل يحب غريبا لكثرة ما سمع عنه، وكان التقاؤهما عصر يوم في البساتين، فأخذا بأطراف الحديث حتى كشف الأمير سعيد عن سبب النفور الذي بينه وبين الأمير بشير.
فقال غريب : «يا سيدي لدي سر أريد أن أفضي به إليك.»
Halaman tidak diketahui