فلما رآها أطرق خجلا، وعلا وجهه الاحمرار لأنه كان مكشوف الذراع، فابتدرته قائلة: «لا تؤاخذني يا سيدي بمجيئي إليك من غير استئذان ولا سابق معرفة، خلافا لتقاليدنا، وإنما أخبرني الخادم أنك مجروح الساعد، وقد ذهب ليأتيك بما يلزم لتضميده، وأنا الآن وحيدة في هذا البيت، فلم أر بدا من المجيء لأعينك على ذلك.» فرفع غريب نظره إليها وقد ذهل لحسنها ولطفها وشعر بخفقان قلبه، وكانت هذه أول مرة شعر فيها غريب بمثل ذلك الخفقان، فشكر فضلها قائلا: «إني شاكر لفضلك أيتها السيدة اللطيفة، ولكني آسف لتحملك هذه المشقة بسببي، وما أطيب الظروف التي ساقتني إلى مشاهدتك ولقائك.» قال ذلك وقلبه يخفق وأعضاؤه ترتجف، ثم جاء الخادم بالماء فغسلت ذراعه ولفتها بالعصابة، وكان غريب في أثناء ذلك غارقا في بحار الهواجس، وقد اشتد به الوجد كثيرا حتى كان يشعر عندما تمس يدها يده وهي تضمد الجرح، كأن تيارا كهربائيا جرى بينهما، وهي طوال تلك المدة لم ترفع نظرها إليه، ولا نطقت بكلمة واحدة، كان الاثنان صامتين، وقلباهما يتكلمان.
أول الحب نظرة
فلما انتهت من تضميد الجرح، جلست تجاه غريب، وأخذت ترحب بقدومه وتلاطفه بالكلام، أما هو فكان كالغائب عن الصواب، ثم استجمع عزيمته وحاول إخفاء ما به، ولكنه لم يكن يرفع نظره إلى الفتاة إلا عندما تخاطبه أو يخاطبها؛ لأن الحياء كان يمنعه من ذلك، كما كان يمنعها. ثم ابتدرها بالحديث قائلا: «أرجو أن تخبريني عن صاحب هذا البيت.» فقالت الفتاة: «إنه يا سيدي غائب الآن، وقد سافر في هذا الصباح مع سيادة والدكم إلى دمشق.»
قال غريب: «أعرف ذلك، ولكن أرجو أن تخبريني عن اسمه.»
قالت: «اسمه الأمير سعيد.»
قال: «أليس هو من عشيرة بني شهاب؟»
قالت: «بلى يا سيدي .»
قال: «وهل أحد من أولاده الآن ها هنا؟»
قالت : «ليس هنا من أولاده أحد سوى الفتاة التي تحدثك؛ إذ ليس له أولاد غيري.»
قال: «ونعم الفتيات أنت، والآن أريد أن أسألك سؤالا آخر وإنما أخشى أن أكون قد أكثرت من التطفل، على أني في حال من الانذهال تدفعني إلى كثرة السؤال، فهل تعذرينني على كثرة تطفلي؟»
Halaman tidak diketahui