وفجأة خرق صوت كنسوكي الصمت، قائلا: «عندي أفكار كثيرة، هل نمت يا ميكاسان؟» لم يكن قد ناداني باسمي أسابيع متوالية، منذ حادثة زجاجة الكوكاكولا.
قلت له: «لا.»
فقال: «رائع، أريد أن أقول كلاما كثيرا. فاستمع، وسوف أتكلم. لدي أفكار كثيرة. عندما أفكر في توموداكي أفكر أيضا في والدتك. أمك أيضا تفتقد طفلها. تفتقدك أنت. وهذا أمر محزن جدا لها. ربما تأتي لتبحث عنك فلا تجدك. ربما لا تكون أنت هنا عندما تأتي هي. لسوف تظن أنك مت ولن تعود أبدا، ولكنها تراك في خاطرها، بل الآن وأنا أتكلم ربما كانت تراك في ذهنها. أنت دائما هناك. أعرف ذلك. فلدي ابن أنا أيضا. لدي ميشيا. وهو دائما في رأسي. مثل كيمي. لا شك أنهما ماتا، ولكنهما في رأسي. إنهما في رأسي إلى الأبد.»
وساد الصمت بيننا فترة طويلة لم ينطق فيها بحرف واحد. كنت أظن أنه نام، لكنه عاد للحديث مرة أخرى فقال: «سأقول لك كل ما أفكر فيه يا ميكاسان. هذه أفضل طريقة. إنني أظل في هذه الجزيرة لأنني أريد أن أمكث في هذه الجزيرة، لا أريد أن أعود إلى الوطن في اليابان، لكن الأمر مختلف في حالتك؛ فأنت تريد العودة إلى الوطن عبر البحار، وهذا هو الصواب، هذا هو ما يصلح لك، لكنه لا يصلح لي؛ إنه في حالتي أمر محزن جدا. لقد عشت سنوات طويلة هنا وحدي، وأنا سعيد هنا، ثم أتيت أنت. كنت أكرهك عندما أتيت أول الأمر، ولكن بعد فترة أصبحت مثل ابني، وأظن أنني قد أكون مثل والدك، وأنك مثل ابني. وسأحزن كثيرا عندما ترحل؛ فقد أحببت الحديث معك، وأحببت الاستماع إليك، وأحببت رنين صوتك عندما تتكلم. وكنت أريدك أن تبقى هنا في هذه الجزيرة، هل تفهم؟»
وقلت له: «أظن ذلك.»
فعاد يقول: «ولكنك فعلت شيئا غاية في السوء؛ نحن أصدقاء، ولكنك لا تخبرني بما تشعر به. لا تقول لي ما تفعله، وليس هذا أمرا مشرفا. وعندما وجدت الزجاجة وقرأت الكلمات أحسست بالحزن الغامر الشديد، لكنني بعد فترة قصيرة فهمت. أعتقد أنك تريد أن تمكث معي هنا وأن تعود أيضا إلى الوطن. وهكذا عندما وجدت الزجاجة كتبت الرسالة. ولم تخبرني بما تفعل لأنك تعرف أنه يجعلني حزينا. هل هذا صحيح؟»
وقلت له: «نعم.»
فقال: «أنت صغير جدا يا ميكاسان، وأنت ترسم صورا جيدة، صورا ممتازة؛ مثل هوكوساي، وتنتظرك حياة طويلة حافلة. لا تستطيع أن تعيش حياتك كلها في هذه الجزيرة مع رجل عجوز قد يأتيه الموت في أية لحظة. وهكذا، جعلتني هذه الأفكار أغير رأيي. هل تعرف ما سنفعله غدا؟» ولم ينتظر إجابتي، بل استمر قائلا: «سنشرع في بناء مستوقد لنار جديدة، نار عظيمة، حتى نكون مستعدين عندما نلمح سفينة، وعندها تعود إلى وطنك، كما أننا سنفعل شيئا آخر. سنلعب كرة القدم؛ أنت وأنا. ما رأيك في هذا؟»
وقلت: «لا بأس.» لم أكن أستطيع أن أقول أكثر من ذلك. لقد تمكن في تلك اللحظات القليلة أن يزيح عبء إحساسي بالذنب كله من على كاهلي وأن يمنحني سعادة غامرة، بل أملا جديدا مشرقا براقا. «لا بأس لا بأس. فلتنم الآن. لدينا عمل كثير غدا. وأيضا كثير من كرة القدم.»
وفي صباح اليوم التالي بدأنا نقيم منارا على قمة التل فوق منزلنا بالكهف. واستخدمنا معظم كومة الحطب التي كنا جمعناها لموقد الطهو، وقمنا بتخزين الخشب الجاف في آخر الكهف، بل إنه ضحى ببعض أفضل قطع الخشب التي كانت من الركام الطافي، ولم يكن الأمر يقتضي نقلها لمسافة بعيدة، وهكذا لم يمر وقت طويل حتى كنا قد جمعنا ما يكفي لإشعال نار ضخمة، وقال كنسوكي إن ذلك يكفي مؤقتا، وإننا نستطيع أن نجلب المزيد من الغابة، وأن نزيد المقدار يوميا بالكمية التي نريدها. وقال: «سرعان ما نشعل نارا هائلة يستطيعون رؤيتها في أي مكان حتى في اليابان»، وضحك، ثم أضاف: «نتناول الغداء الآن، وبعدها ننام قليلا، وبعدها كرة القدم. موافق؟»
Halaman tidak diketahui