فأجاب الشيطان ذو الوجه الأحمر بصوت متهدج: نفعل ذلك اتباعا للطريقة القديمة بهذا المعنى؛ فإننا نثير في قلوب الناس عوامل العنفوان، والكبر، والخيلاء، والانتقام، والبغضاء، ونحرض معلمي الناس ونفهمهم أن خير وسيلة تبعد الناس عن ارتكاب جريمة القتل هي قتل القتلة وسفاكي الدماء قتلا علنيا مشروعا. ثم إن التعليم الجديد الذي انتشر بين المسيحيين عن عصمة الكنيسة من الخطأ، وكذلك التعليم والعقائد عن الزواج المسيحي، والمساواة المسيحية؛ جميع هذه التعاليم تقدم لنا جرائم القتل العديدة، فالتعليم عن عصمة الكنيسة قدم لنا في الأعصر الخالية ألوفا بل ملايين من جرائم القتل. وتفصيل ذلك أن الناس عندما أصبحوا يعدون أنفسهم أعضاء الكنيسة المعصومة عن الغلط، جعلوا يقاومون من يخالفهم في اعتقادهم ويصادرونهم مصادرة عنيفة، وأطلقوا عليهم اسم المعلمين الكاذبين الذين يشوشون أفكار الناس ويفسدون معتقداتهم، وأن عملهم هذا يعتبر جريمة لا تغتفر ولا يصح السكوت عنها؛ فحكموا بأن قتل أولئك الناس يرضي الله، بل عدوه ذبيحة مقدسة له تعالى، وارتكازا على ذلك قتلوا أمما برمتها وأعدموا وأحرقوا مئات الألوف من الناس.
ومن المدهش والمضحك معا أن أولئك الناس الذين يقتلون ويحرقون الناس الذين كشف الله عن أبصارهم فابتدءوا يفهمون التعليم، جعلوا يعدونهم خدمتنا أو خدمة الشياطين، ولم يكونوا في الحقيقة إلا أعداء ألداء لنا. وأما خدمتنا الخاضعون لإرادتنا المنفذون لأوامرنا، فهم هم أولئك الذين كانوا يحرقون الناس الأبرار الأطهار المتبعين التعاليم الحقيقية، ومع ارتكابهم هذه الفظائع الشنعاء التي يبرأ منها البرابرة والمتوحشون، كانوا يعدون أنفسهم أطهارا قديسين يصدعون بأوامر الله وينفذون شريعته، والله وشريعته بريئان من أفعالهم وفظائعهم. والذي يمعن النظر يجد أن هذه الطريقة كانت مستعملة في العهد القديم، وقد زاد عليها العهد الجديد في سرعة التنفيذ والقساوة والهمجية.
ثم إن التعاليم والعقائد بشأن الزواج المسيحي والمساواة بين المسيحيين تقدمان لنا ضحايا كثيرة، فالزواج يقدم لنا أولا: قتل الأزواج بعضهم بعضا، وقتل الأمهات لأطفالهن. ثانيا: فالأزواج والزوجات يقتلون بعضهم بعضا عندما يجدون أن اتحاد الواحد بالآخر يحول بينه وبين التمتع بشهواته الجسدية، بل يقف سدا منيعا في وجه حريته وأمياله الفاسدة، بداعي الشرع الكنائسي والعقائد المتعلقة بالزواج، التي تربطهما ببعض ارتباطا ليس بعده انفصام إلا بإعدام أحدهما. والأمهات يقتلن الأطفال الذين يحملن بهم سفاحا، وحوادث القتل التي من هذا القبيل كثيرة جدا لا تقع تحت حصر، ولا أبالغ إذا قلت إنه لا يمضي يوم دون أن تحدث به جريمة أو جرائم قتل.
ثم إن المسيحيين يعلمون أنهم متساوون جميعا أمام شريعة المسيح، ولكن الناس المضطهدين الذين تنهب أموالهم وتستباح أتعابهم يشعرون بأن هذا الادعاء كذب واضح، بل هو غبن فادح. ويرى هؤلاء أنه لا تعم المساواة إلا إذا كف النهابون السلابون عن ابتزاز الأموال، وأنه لا يوقفهم عند حدهم غير قوة واتحاد المهضومي الحقوق المنهوبي الأموال، فيثورون ثورة هائلة عليهم وعلى أتباعهم وأعوانهم، ويهجمون عليهم هجمة شعواء، فتحدث بين الفريقين معارك هائلة تجري فيها الدماء أنهارا، وتقدم لنا ضحايا كثيرة تضيق رحبات جهنم عن استيعابها دفعة واحدة.
9
فقال بعلزبول: لقد أجدت تمثيل دورك في كيد المكايد، فأثني عليك ثناء مستطابا. ثم استطرد الكلام فقال: فليتقدم إلي من يشتغل بإثارة الحروب بين الناس، ويستطيع أن يحمل تلامذة ذاك الذي قال إن جميع الناس أبناء أب واحد، وأمر بمحبة الأعداء.
فخرج من بين تلك الصفوف عفريت أزرق كان اللهيب والدخان يخرجان من فمه، وضرب ظهره بذنبه الثخين، وزحف حتى أصبح أمام بعلزبول، وقال: إننا نفعل ذلك هكذا: نصور لكل شعب أنه أحسن وأرقى وأسمى جميع الشعوب الموجودة على الأرض، ونبذل الوسع في تصوير ذلك لفرنسا وإنكلترا وروسيا وألمانيا، وما زلنا كذلك حتى جعلناها تتصور في نفسها ذلك التصور، وتعد كل واحدة ذاتها أقوى من الأخرى، حتى إن ألمانيا بالغت في ذلك مبالغة عظمى، وجعلت شعارها العبارة الآتية:
Deulrelaes d übtsc hlan
ومعناها: «ألمانيا فوق الجميع».
وجعلت كل أمة تعمل على حدة لمد رواق سلطانها على جميع الأمم الأخرى، وإخضاعها لها، وأخذت كل واحدة تعد لذلك عدتها، فأصبحت تلك الأمم في شغل شاغل من دوام الاستعدادات والتأهبات الحربية، وإعداد المدافع الضخمة والمدرعات والمصفحات والطرادات والحراقات والنسافات من طرز هذا العالم الذي اخترع هذه المهلكات، وطرز ذلك المخترع الشهير الذي رفعت له الأنصاب لاختراعه تلك المدمرات. وكل أمة تنظر إلى استعدادات جارتها ومن جاور جارتها بعين الحذر والعداء، فتصر بأسنانها وتكثر من الوعيد والتهديد، وتجعل نفسها على أهبة الهجوم في كل أين وآونة حتى لا تؤخذ على غرة.
Halaman tidak diketahui