قال: إن ابنتك في شدة تجهلين مقدارها، وفي حال من البأس لا تتصورينها.
قالت: بالله أن تخفض الصوت قليلا فهي نائمة في الحجرة الثانية، وأخشى أن تفيق فتسمع حديثنا، وفي النوم راحة من تعب وتسرية من كرب وأحزان ولو بعض حين.
قال: راحة النوم ساعة تفضلها الراحة الدائمة.
قالت: أفي غير الموت الراحة الدائمة؟
قال: قد يعتاد العقل على التصور المزعج واليأس والقنوط، فينشأ فيه بغض الحياة فيطلب الموت، فإن لم يجده سعى إليه بالأقدام ركضا.
قالت: تخبرني بما أنا بصيرة فيه، فلئن لم أسع إلى الموت فهو إلي ساع.
قال: لعلك قد توهمت أن الإشارة إليك، كلا، فتوجيه الكلام إلى ابنتك، فاعلمي أنها لكراهتها الحياة حاولت قتل نفسها في الأمس.
فلما سمعت كريمة هذا الخطاب ضجت صراخا، ولطمت يديها على صدرها، ثم أكبت على الأرض مغشيا عليها، فأيقظت الصيحة الفتاة، فهبت من سريرها مجفلة، فأبصرت والدتها كريمة على الأرض لا حراك لها، فانطرحت عليها ولم تنتبه لفؤاد. وجعل فؤاد ينظر إليهما وقد عراهما الجمود حتى أصبحتا كالأموات، فتقطع صدره لهذا المنظر الرائع، وأثر عليه ما رأى من الحنو وسلامة الضمير ولطف الحس وروعة مشهد التعاسة والشقاء، فدمعت عيناه وتولاه ضيق الصدر، فنهض من مكانه متنحيا إذ لم يستطع رؤيتهما مديدا على هذه الحالة، ثم بعد قليل من الدقائق فاقت عفيفة من روعتها، ثم أفاقت والدتها فتعانقتا، وقالت عفيفة لأمها: يا أماه سمعت صراخك، فقمت من نومي مذعورة، أظن عمي زوجك خليلا عاد إليك؟
قالت: وما علي من عودته، وأنا لا أخشاه.
قالت عفيفة: لا تخشينه وهو إن عاد أعدمك الحياة.
Halaman tidak diketahui