الفصل السابع
تقدم فؤاد في دخوله وحيا، ثم جلس بين خاله وأمه، فقالت له أمه: لماذا أبطأت يا فؤاد؟ مضى وقت الطعام، وأنت تعلم أني لا أجلس على المائدة وحدي.
قال فؤاد: كان السبب في تأخري خالي، فإنه أطعمني وسقاني فوق القانون، فألم بي من جراء ذلك صداع شديد، لم يصرفه تروحي في الجنينة أربع ساعات متوالية من الزمان.
قال همام: شيء عجيب، تنزهت أربع ساعات من الزمان أمس وأربعا مثلها في هذا الصباح، ولم ينصرف صداعك، فلم لا تقول إن ألمك في المعدة وليس في رأسك، فإنك لم تأكل إلا القليل كما يأكل الطفل، ولم تشرب إلا الماء صرفا، ولو كان سعيد يدعي الصداع لصدقته، أما أنت فأرتاب في قولك.
وهنا دخل الخادم يدعوهم إلى السفرة فنهضوا جميعا، ومال همام جهة أخته يخاطبها بقوله: هذه أول مرة سمعت ابنك فؤادا يكذب.
وجلسوا على المائدة يأكلون، ودار الكلام في أثناء ذلك على مواضيع شتى، ولما فرغوا جاءوا إلى القاعة الكبيرة، فقالت سيدة لابنها فؤاد: صدق خالك، فليس بك صداع إن أوهمتني كون الصداع يستمر يوما كاملا، وإلا فكيف لا تستدعي الطبيب، ولم لا تخبرني عن سبب غيابك عن ميعادك مع علمك بمقدار ما يشملني من الكدر بسبب تأخرك عن الحضور في أوانك؟
قال فؤاد: إن قبلت اعتذاري، فإني متأسف غاية الأسف بتكديرك لو أن هنالك داعيا حقيقيا للقلق والجزع من غيابي، وقد بلغت سن الرجال.
قالت: أهذا اعتذار تقدمه؟!
قال: لم أعتذر لذنب جنيته، وما خطابي إلا في غاية الأدب، ولم أتجاوز حدود الاحترام الواجب على البنين نحو والديهم، فقط أذكرك بأني بلغت السابعة والعشرين من عمري وملكت رشدي تماما، فلا وجه لأن تؤاخذيني على غياب لم تعلمي له سببا، فعجبت سيدة من سماع فؤاد يكلمها هكذا بعد أن كان سميعا مطيعا لها متبعا أوامرها ونواهيها، فأيقنت بزوال سلطتها عنه.
وجعل همام يهمس في أذنها قائلا: هذه نتيجة التضييق على الأولاد، وصدق المثل القائل: «كثرة الشد ترخي».
Halaman tidak diketahui