فقال همام: تعلمين يا أختي أني وعدت غانما على أكل الطعام معه في هذه الليلة، فذهبت إلى الفندق الشرقي لأصحبه، فأبلغني الخدم أنه قد خرج، فقصدت لوكاندة حديقة الأزبكية، وهو المكان الذي اتفقنا على أكل طعامنا فيه، فانتظرته زيادة على نصف ساعة فلما لم يحضر، توجهت ثانية إلى الفندق الشرقي سائلا عنه فلم أجده، فرجعت إلى لوكاندة الحديقة، وتعشيت وحدي وقد كدرني غيابه، وأنت تعلمين أنفتي ممن يخلف في وعده، فلو لم تكن مقابلة غانم في هذه الليلة تهمك لما سألت عنه، وقد جعلت أتناول الطعام على هينة معللا نفسي بحضوره حتى يئست من مقابلته، فقمت إلى منزلي للبس ثيابي والحضور إليك، فسلمني الخادم كتابا بإمضاء غانم، قرأته فعلمت السبب في غيابه، وهذا هو الكتاب فاطلعي عليه.
قال هذا وأخرج الكتاب من جيبه وناوله لأخته فقرأت فيه ما يأتي:
حضرة المكرم السيد همام، إن من الأفعال الفظيعة التي تنفر الطباع منها، ويستقبحها عامة الناس وخاصتهم اختطاف البنات الأبكار القاصرات الكريمات الأصل المتهذبات الناشئات على التقوى، ولا سيما إذ كان الخاطف من سراة القوم المدعين الشرف، وما من وقاحة هي أبلغ من التماس معسر زواجا بابنة غنية طمعا في اغتنام المال الكثير، فلو اجتمع الأمران فذلك أعجب العجب، وقد عنيت فؤادا ابن شقيقتك سيدة، فإنه أراد أن يوقع في شركه ابنتين إحداهما فقيرة نجت من مكايده والأخرى غنية فتحت الحوادث عين أهلها، فأمنت الوقوع في فخه، وبما أن فؤادا يرغب بطبيعته الاشتهار، فإني ومن يلوذ بي رهن لمساعدته، فنذيع اسمه، ونشهر فعله في الجرائد، ينقلها البعيد عن القريب، وننشر الأحكام التي تصدر من محاكم الجنايات، ولا أرى بعد هذا وجوبا لأعلمك بانقطاع العلاقات بيننا، وإني في حل من وعدي بمقابلتك في هذه الليلة، فلا تنتظرني، والسلام.
الإمضاء غانم
فلما قرأت سيدة هذا الكلام صاحت صيحة الحزن مولولة قائلة: ويلي يا مصيبتي، لم يعد في الأمر شك، وهذا الخط خط غانم أعرفه، والتوقيع باسمه، يا ربي ما هذه النكبة؟ ما هذه النائبة؟ تبا لدهر خئون يجرع أهله الغصص، ويجلب عليهم نوازل لم تكن في حسبان! كيف العمل يا أخي؟ أتظن أن الرجل يجعل الوعيد يقينا مفعولا، ويرفع القضية إلى المحاكم؟
قال همام: إنه جدير بأعظم من ذلك لشدة لؤمه وحسده وفظاظة طباعه، وليس من البعيد إقامة الدعوى على فؤاد بأنه اختطف عفيفة ابنة شقيقته، وأنها فتاة قاصرة، فيلتمس معاقبة الجاني بحسب القانون.
قالت سيدة وهي ترتعش، وما تفعل المحكمة؟
قال: تنظر في الشكوى، فإن وجدت وجه ثبوت أمرت بالقبض على فؤاد، وباشرت التحقيق.
فصرخت سيدة قائلة: ويلاه، ما هذه المصيبة التي لم تكن على بال! يقبضون على فؤاد ويجعلونه في السجن يحاكمونه محاكمة الأشرار العاتين السارقين بسبب ابنة من العواهر؟! لا كانت ولا رحم الله عائلة غانم، ولعن كل منسوب إليها.
قال همام: إنك لفي غلط جسيم، فلو كانت الفتاة من المومسات العواهر لجاء الأمر هينا سهلا، ووجدنا له تدبيرا، ولكنها من عائلة معتبرة، كان والدها من أماثل الرجال، قضى حياته في خدمة الحكومة بالاستقامة والشرف، وخالها غانم من الأغنياء الموسرين، معدود الخاطر، مسموع الكلمة، فلو ثبت أقل وجه من وجوه الجناية على ابنك حقت عليه العقوبة كأحقر سفلة القوم.
Halaman tidak diketahui