ولا بد لنا في كشف هذا السر من أن نعود إلى الليلة التي ألقت فيها ألن جان دي فرانس في البئر، فقد كانت واهمة في اعتقادها أنه مات؛ فإنه لم يقتل حين سقوطه، بل أصيب برضوض بسيطة لوقوعه على أرض رطبة، وجرحت جبهته جرحا خفيفا.
وقد نهض بعد سقوطه، وامتحن أعضاءه بالتمرين؛ فوجد أنها غير مصابة بكسر، ولكنه قال في نفسه: لا شك أن هذه الشيطانة قد انتصرت علي هذه المرة.
وقد أقام نحو ربع ساعة دون حراك، ثم جعل يفحص الأرض فعلم أنه في جوف بئر، فاستعان بعلبة الكبريت الشمعي وأنار ذلك المكان المظلم، فرأى البئر مستديرة وأن جدرانها ملساء وهي بعيدة الغور بحيث يستحيل عليه الخروج منها بتسلق الجدران، فقال في نفسه: ترى أقضي علي أن أموت من الجوع؟
ثم جعل يفكر في أمره فقال في نفسه بعد الإمعان: لا شك أن هذه البئر غير مخصصة لجمع المياه فإنها محفورة في وسط مغارة ولها باب يفتح بلولب خفي وليس هذا شأن الآبار العادية، فلا بد أن تكون حفرت خصيصا للالتجاء إليها في أيام المخاوف والثورات، أي إنه لا بد أن يكون فيها منفذ يخرجون منه إلى خارج هذا القصر.
وكانت أرض البئر ضيقة لا تتجاوز مترين، وقد أصبح ترابها وحولا لشدة الرطوبة، فأخذ يرفع تلك الوحول بخنجره ويديه حتى انكشف له بلاط الأرض، فرأى حلقة من الحديد في وسط رخامة فرقص قلبه فرحا، ونزع تلك البلاطة، فانكشفت له حفرة أخرى رأى على نور الشمعة أن علوها لا يزيد عن مترين فألقى نفسه فيها وراء مدخل دهليز ضيق لا يستطيع المسير فيه واقفا فسار فيه نحو عشر دقائق فسمع صوت عجلات مركبة فوق رأسه فأيقن أنه باب خارج القصر، وأنه تحت أحد الشوارع.
وما زال يسير في هذا الدهليز، وهو كلما توغل في السير شعر بهواء بارد يهب على وجهه حتى بلغ سطح الأرض من منفذ كان مخفيا بين أدغال كثيفة رآها على نور القمر.
ولكنه لم يكد يزيح هذه الأدغال حتى رأى مكانا فسيحا كثرت فيه الأشجار والصلبان السود، فعلم أنه في مقبرة وطاف فيها فوجد أنها مسورة بسور عال لا يمكن تسلقه ونظر في مكان القمر من الأفق فعلم أن الساعة قد بلغت الثالثة بعد انتصاف الليل، وقال في نفسه: سأختبئ وراء هذه القبور إلى أن يفتح الحفار باب المقبرة في الصبح فأخرج منه.
وقد اختبأ وراء شجرة كبيرة وهو يبتسم ابتسام الظافر ويتوعد ألن بالانتقام الفظيع.
وفيما هو في مكمنه رأى أن باب المقبرة قد فتح ثم رأى على نور القمر رجلين مقنعين دخلا إلى التربة ودنوا من موقفه وهما يتحدثان فسمع أحدهما يقول لرفيقه: لقد عزمتم على قبول المركيز دي إسبرتهون بينكم؟
قال: نعم. وهل يوجد في نادي هرمين من يفضله؟ وغدا سيقابله رسولنا، وبعد غد نحتفل بإدخاله في الجمعية.
Halaman tidak diketahui