ورد الأوستوري بثبات: ولكني سوف أتكلم عنه، وأؤكد أنك بعد أن تستمع إلي فإنك لن تقتل أحدا، بل ولن تفكر في الانتحار. - لست أدري وايم الحق ماذا تريده الآن؟! - أريد أن أجد مخرجا من هذا المأزق، إذا أصغيت لصوت العقل وقدمت إلي مساعدتك. - خطة أخرى من خططك العجيبة؟!
فرد فريزن بدماثة طبع: تماما! اسخر كيفما شئت، فما دمت قد رضيت بأن تعيرني سمعك فليس يهمني شيء.
ولما لم يعلق سيرل على هذا بشيء؛ فقد قال فريزن بعد بضع لحظات بصوت هادئ ونبرات بطيئة مؤثرة: ليس لدي شك في أن قصة اختطاف وسجن جلالته كلها من تدبير ألين سان أماند، ويمكنني القول بأن نابليون الثالث يرغب كأي إنسان في أن يخلص من ذلك التهديد الدائم بازدياد ميل الشعب إلى أسرة البوربون، ولكنه في نفس الوقت لا يريد أن يقحم نفسه في عراك مع إمبراطوري، وهو يعلم حق العلم بأن أوستوريا لا يمكن أن تسمح بترك جلالة ملك فرنسا سجينا في مكان مثل قلعة دايك، وأن إمبراطوري لن يتوانى عن أن يقلب السماء والأرض ليخلص جلالته من ذلك السجن.
ومن الواضح أن الإمبراطور نابليون لم يقصد أن يسجن الملك إلى الأبد، إذ إن غاية ما يطلبه من سجنه هو أن يمنع زواجه بابنة المليونير خشية أن يشد المال أزره، وأنه ببقائه محجوزا أطول وقت ممكن يهيئ إلى حدوث الفضيحة التي يستحيل بعدها أن يحصل على هذا الزواج، والآن هل رأيت؟
وانفجر سيرل ضاحكا وهو يقول في سخرية لاذعة: لقد رأيت! إنك إنما تلخص الموقف لتقنع به نفسك، أليس كذلك أيها الرجل العجوز؟ - إنما أفعل هذا لتقتنع به أنت الآخر، وسترى هذا الآن. إنما كل ما عليك أن تقيس الأشياء وتجعلها معا كما فعل، وعند هذا يمكنك أن تقدر عظم أهمية اشتراك الآنسة سان أماند في كل هذا الموضوع؛ فقد تحدث الناس بصلتها بجلالته وشاعت هذه العلاقة بين جميع الأوساط، فإذا تأخر جلالته عن إمضاء عقد الزواج، لم يكن أمام البارون كريستوف إلا أن يضع ملايينه في جيبه، وتبقى فيرونيك المسكينة وحدها تندب زوجا وعرشا! دعني أقل لك يا عزيزي برتراند بأنني لست أعلم تماما إذا كان جلالته قد نقل إلى حصن آخر أو أنه الآن بين يدي محبوبته ألين، ولقد كان علي أن أبذل ما في وسعي للعودة به، فمن سوء الحظ أنه لم يبق لدينا للقيام بهذا غير 48 ساعة.
وتمتم سيرل لنفسه وقد ضايقه أن تتهدم آماله في إنقاذ فيرونيك: لم يبق غير 48 ساعة؟! حسنا! وماذا أيضا؟
ورد فريزن بصوت تهزه العاطفة: ماذا أيضا؟ ليس أكثر من هذا يا صديقي، إنني أعتقد بأن الله قد أراد هذا، كما أعتقد بأنه قد خلقك تشبه جلالته كل الشبه حتى تحل محله غدا! - أنا؟! إنك مجنون!
ورد فريزن بنفس اللهجة المنفعلة التي صاح بها سيرل: لست أنا المجنون، فإن هذا شيء في غاية البساطة، هو دور تؤديه لمدة ليلة، بضع ساعات؛ توقع عقدا وتتسلم شيكا ببضعة ملايين، ثم تتظاهر بالمرض وتتحاشى مقابلة الناس لبضعة أيام حتى أعثر على جلالته وأعود به ثانية!
فمانع سيرل بحرارة قائلا: مستحيل، فإن أمري سوف ينكشف. - أقسم لك أنه لن ينكشف، إذ إن جلالته لم يظهر أمام الجمهور في بادن بادن منذ سنتين تقريبا إلا في ليلة الأوبرا فقط. - ولكن أمي! - سوف أمهد السبيل لها وسوف توافق، لأنها تتعرض لمخاطرة جسيمة لو رفضت. - والآنسة كريستوف؟ - إنها لم تقابل جلالته حتى الآن. - ولكن ...
واستمر سيرل يحتج بحالة مضطربة؛ فقد فوجئ واهتز كيانه جميعه لمجرد سماعه هذا الاقتراح، فقال فريزن في ضحكة: لا تقل لي إنك خائف. - خائف؟! - حسنا، إذن ماذا؟ - إنك تقول إن هناك عقدا أوقعه. - وبعد؟ - هل تعني بالاقتراح علي أن أوقع بإمضاء أخي؟ - ولم لا؟
Halaman tidak diketahui