ووراء أبي كانت تجلس إلى طاولة سيدتان تطالعان الصحف، ولم تنزعجا أيضا بما كان يدور حولهما. بالنسبة إلي كان الأمر مقلقا أن ينادي شخص طلبا للمساعدة ويقاطعه فرد بتعليقاته الساخرة. ولكن بما أن العاملين في الدار والنزلاء الآخرين تقبلوا الأمر وكأنه أمر عادي مثل دقات الساعة، فقد حاولت أن أعتبره أنا أيضا كذلك. ولكني غضبت قليلا عندما كان أبي في أيام أخرى ينشد أغنية وكانت إحدى السيدتين اللتين كانتا تقرآن الصحف تنادي بشيء من الإصرار: «ماذا؟ ماذا؟ يجب على هذا الشخص أن يصمت!»
عندها قال أبي لفرد: «الأوقات تتبدل، ولكن لن تظل الحال هكذا دائما.»
قالها بحزم وترنحت لهجته بين الأسى والاستسلام للقدر.
فقال فرد: «ليتني أستطيع الذهاب بعيدا! كم أود صعود جبال الألب ثم الهبوط عند ريكاتشفينده!»
فرد أبي: «لن أذهب معك إلى هناك.» «ولم لا؟» «لأني لا شيء.» «أنت ما زلت شيئا ما.»
ابتسم أبي وقال: «لا أعتقد.»
فقال فرد: «يجب عليك فقط أن تريد.» «لم تعد الإرادة كبيرة لدي، وإنما فقط الأمل. كنت شخصا ارتحل كثيرا في حياته.»
فقال فرد شيئا لم أسمعه، لكن ظهرت على أبي الحيرة وقال: «حسنا، لقد فهمت ... وماذا سنفعل الآن؟ نتلو صلاة المسبحة الوردية؟» «لا!» «سيستغرق ذلك طويلا.» «ولن يجدي شيئا. هل تستطيع أساسا تلاوة صلاة المسبحة الوردية؟» «أعتقد نعم.» «إذن فكيف هي؟ قل وسأكرر!»
هز أبي رأسه وغير الموضوع. وعندما دار الحديث مجددا عن أن أبي لم يعد قادرا على فعل الكثير وأن الأمر لن يبقى هكذا، قال فرد: «إذن سيضعونك في التابوت ويرسلونك إلى الآخرة.»
فقال أبي: «ولكني أفضل البقاء قليلا، والثرثرة. كما تعلم، لم أعد قادرا على تمهيد الطرق، ولكن بإمكاني الذهاب والمجيء ورؤية بعض الأشياء والتقاطها.»
Halaman tidak diketahui