فلم ينظر إلي، وعبس وجهه، وكأنه عازم على تصعيد الأمر. أخذ يهذي وينظر مرارا إلى صنبور الاستحمام، وسألني عما يجب عليه فعله مع «الآخرين».
وبدأ يلوح بالفرشاة الكبيرة ومبرد الأظافر؛ مما أفقدني تركيزي. وبدلا من أن أطمئنه بادعاء أني سأحميه منهم وأبعدهم عنه، حاولت أن أصرف انتباهه، ولكن دون جدوى. استمر إحساسه بالتهديد وهو ينظر يمينا ويسارا في وضع الاستعداد ورأسه ممدود للأمام.
عندما أردت أخذ الفرشاة منه لوح بالفرشاة في وجهي، ففزعت وقلت له: «هل جننت؟! أنت كاتب محترم في الإدارة المحلية! كيف تفعل شيئا كهذا؟ من علمك مثل هذا التصرف؟ بالتأكيد ليست أمي! وأنت لم تعلمنا نحن أولادك مثل هذه الأفعال!»
انهلت عليه بهذا الكلام وأنا أعرف أن بعضه سيعني الكثير بالنسبة إليه. والجميل هو أن هذه الخطبة العصماء أثرت فيه. نظر إلي متحيرا وكأنه خجل مما فعل، وترك الفرشاة ورضي أن آخذ منه المبرد. وهكذا تخطينا الجزء الأسوأ. ألبسته قميصا واحتلت الحيل حتى أجلسته أمام التليفزيون. ثم هدأ روعه وأصبح مرحا بطريقة مبالغ فيها، في حين كانت ماريا في حجرتها تبكي بعد أن حاولت معه لمدة ساعة وهددها عدة مرات بالفرشاة.
اتصلت بهيلجا التي واجهت معه مثل هذه المواقف المتأزمة من قبل، طلبت منها القدوم للاعتناء بماريا، أما أنا فقضيت المساء مع أبي الذي كان لأول مرة عنيفا إلى هذه الدرجة. كان مرحا ولطيفا جدا وكأنه يعرف كم أقلقني، وكأنه يريد أن تذهب صفحة ما حدث طي النسيان. هذه المرة اكتفت نار الجحيم بأن مستنا.
ولكني لم أدر كيف ستصير الأمور بعد ذلك؛ فستكون مشكلة كبيرة إذا تكرر مثل هذه الأحداث. والمشرفات كن يتفاعلن بحساسية شديدة مع المواقف المتأزمة. لقد أخافني أنا نفسي، وتملكتني خيالات بأنه أصبح مريضا عقليا عنيفا.
ربما تساءل أبي: ماذا تريد هذه السيدة مني؟ الاستحمام؟ هذه بالتأكيد خدعة! لن أترك الغرباء يتحكمون في. إنها لا تتكلم الألمانية بطلاقة، ومع ذلك تسمح لنفسها بإعطائي أوامر وبأن تدفعني. هذا أمر مريب!
لم يكن أبي يحب تذكر الممرضات الروسيات في المعسكر بالقرب من براتيسلافا؛ فبدلا من الرعاية كان يتلقى منهن الأوامر. ربما بقي شيء من تلك الذكريات عالقا في ذهنه وخرج في تلك اللحظة، لا أدري، ولكنها كانت مصادفة غريبة أن تأتي المشرفات على رعايته في فولفورت من سلوفاكيا وبعضهن رأسا من براتيسلافا.
شاهدنا معا في تلك الليلة الموعودة برنامج «هل تفهم الدعابة؟» وبدا أبي مهتما، وعلق ضاحكا على «السخافات» - كما كان يسميها - التي عرضوها، بينما كنت أدون في الكمبيوتر المحمول الخاص بي ملاحظات عما حدث. أعطيت ماريا راحة لبقية المساء، ولشدة شوقها للعودة إلى وطنها تركت العمل لدينا بعد أيام قلائل.
لا أذكر تحديدا إذا كانت قد عرضت في تلك الليلة في برنامج «هل تفهم الدعابة؟» الفقرة التي تعطل فيها مصعد أحد الفنادق وفيه مجموعة من الضيوف، وفجأة انطفأ النور وبعد ثوان عاد، ولكن شابا من بين الموجودين كان قد اختفى وظلت حقيبته ملقاة على الأرض، ومعظم ركاب المصعد انزعجوا بشدة، عدا امرأة لم تتوقف عن الضحك؛ كانت تضحك بحق من كل قلبها.
Halaman tidak diketahui