وإذا كنت في ارتياب فطالع
خدع الحب في قصور الملوك
مقدمة المترجم
قد يتوهم القراء بعد مطالعتهم هذا الكتاب، ووقوفهم على ما فيه من مكايد الحب الغريبة المدهشة، أنه كغيره من قصص العشق والغرام التي يطالعونها في هذه الأيام. ولدفع هذا التوهم أقول: لا يخفى أن قصص العشق والغرام - المترجمة والمؤلفة - مبنية في الغالب على حوادث وهمية تخترعها مخيلة الكاتب، فينسج لها على نول التصور الثوب اللائق بها، ثم يزيد عليه بالتحشية والتذييل ما تمس الحاجة إليه من إيضاح وتفصيل، أو يضيف إليه ما يقتضيه المقام من شرح وتعليق وتوشية وتنميق؛ حتى يجيء نسيج قصته طبق مراده من حيث إحكام السدى وإتقان اللحمة، ويقع سرد حوادثها واتساق تفاصيلها أحسن وقع في نفوس القراء.
وهو قد يبالغ ويغرق في تصوير الحوادث الغريبة المدهشة، فتفعل فعلها المطلوب في ذهن القارئ، ومع شدة استغرابه لها يقبل على مطالعتها بشوق ورغبة؛ إذ يعدها من الممكنات البعيدة. وقد يغلو في تمثيل الحوادث غلوا يجاوز فيها حدود الممكنات، ويجعلها في عداد المستحيلات. وعندي أن النوع الأول هو الجدير باحتذاء مثاله والنسج على منواله لاعتبارات ليس هنا محل الكلام عليها.
وقد تبنى هذه القصص على حوادث تاريخية وقعت في زمان بعيد أو قريب. ولكنك قلما تجد فيها للحقيقة التاريخية سوى ظل زائل ولون حائل، يبدو في الثوب الخلق، أو كأطلال خولة ببرقة ثهمد «تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد»، وما بقي مستنبط من مخيلة الكاتب، ومفرغ في قالب البسط والتفصيل على أحد الوجهين السابق بيانهما.
أما مشتملات هذا الكتاب فليست من جنس الحكايات المصنوعة التي لا حقيقة لها على الإطلاق، ولا من نوع القصص الموضوعة ولها شبه ظل الحقيقة التاريخية، بل هي حوادث حب وغرام حقيقية، جرت في قصور أوروبا وقياصرتها في أوقات مختلفة. وقد تخللها من نصب الحبائل والمصايد، وتدبير الخدائع والمكايد، واقتراف المآثم والمحارم، وتجرع غصص الكوارث والفواجع، ما يدهش العقول ويحير الأفكار وتقشعر لشدة هوله الأبدان. وهي كلها منقولة عن شهود ثقات رأوها بعيونهم وسمعوها بآذانهم ودونوها في تواريخهم.
وأما الغرض من ترجمتها إلى لغتنا العربية فليس مجرد التلهي بمطالعة فواجع المحبين ومصارع العشاق، ولا التسلي بالوقوف على تفاصيل حوادث الختل والمكر والخيانة والغدر، وغيرها من ضروب الإثم والشر، ولا التفكه بما فيها من الوقائع العجيبة الغريبة التي تبهت القارئ وتملأ فؤاده دهشة وحيرة؛ فإن هذه كلها مما يراه في القصص الموضوعة في لغتنا والمترجمة إليها.
وإنما الغرض من ترجمتها هو الاعتبار بما فيها من الأمور المخالفة لما يعهده الناس في قصور الملوك، والمغايرة لكل ما هو عادل وحق وشريف وطاهر وسار وحسن. وفي ذلك عظات كبيرة بالغة؛ أهمها ما يأتي:
أولا:
Halaman tidak diketahui