...فإن قضية فدك التاريخية قد أثير حولها من الجدل الشيعي والسني ، ما لو نطقت عنه المحابر لصاحت واشتكت ، إذ لو سألنا المتأخرين عن نزاع المتقدمين في هذه المسألة لسردوا وأطالوا في السرد ، ولو سألنا متأخري المتأخرين عن نزاع المتأخرين في هذه المسألة لأطالوا في السرد ، ثم نحن لو نحكي حال متأخري المتأخرين وما قالوه ونقلوه ، وجادلوا به في هذه المسألة لوجدنا أقوالا كثيرة ، ثم بعد هذا كله لا اقتناع ولا تسليم!! ، فأين تكمن المشكلة ؟! وماهو الحل ؟! ، فالحق أن الحق في هذا الجدال الطويل العريض ليس إلا واحد ، إما لأبي بكر ، وإما لفاطمة ، وسوء الفهم عند استقراء النصوص في هذه الحادثة لا شك أنه سبب رئيس في تصعيد حجم مشكلة عدم الاقتناع ، والتسليم للحق ، وأهم من سوء الفهم ، التعصب لآراء الرجال ومواقفهم ، وهذا فداء عضال ليس له من دواء ، إلا استحضار الإنصاف والاعتدال في النظر والبحث والنقد والترجيح ، ومنه فإنه لا عيب في إطالة الجدال بغية الوصول إلى الحقيقة ، وإنما السفه كل السفه أن نجادل لأجل الجدل ، لا لأجل الوصول إلى وجه الصواب الحاسم في المسألة ، وهذا فإن حصل وكان ، فإن النتيجة عدم اقتناع ولا وصول إلى الحقيقة ولو بعد آلاف آلاف القرون ، نعم ! ونحن فيعلم الله تعالى أن لا غرض لنا بكتابتنا هذه ، غير النزول عند حكم الله تعالى ، وحكم رسوله (ص) ، بلا إفراط ولا تفريط في القول ، نستعرض تاريخ فدك في عهد رسول الله (ص) باختصار ، ثم نناقش كيفية انتقال فدك إلى ملك فاطمة (ع) ، هل بالإرث أم بالهبة ، ونذكر أدلة هذا من مصادر الطرفين (الزيدية ، والسنة) ، ثم نناقش آلية وكيفية النزاع الذي حصل بين أبي بكر وفاطمة (ع) ، ونذكر في هذا ثلاث كيفيات مشهورة مع مناقشتها ، ثم بعد الوقوف على كيفية تملك فاطمة لفدك ، وكيفية النزاع الذي بينها وبين أبي بكر ، نذكر رأي أهل البيت (ع) في المحق من المبطل في هذا المسألة، والإجماع فنستنتجه من أقوالهم (ع) ، ولسنا حريصين هنا على إبداء رأي أهل البيت (ع) نقضا لقاعدة عدم التقليد والتأثر بآراء الرجال في مسائل البحث والتفتيش ، بل العكس من ذلك تماما فإن معرفة رأي أهل البيت (ع) في هذه المسألة مهم بل وحاسم لو تؤمل في أصوله جيدا ، فرأيهم حاسم لأن الله والرسول (ص) قرنهم بالكتاب ، فالحق مع ما أجمع عليه سادات بني الحسن والحسين ، ورأيهم حاسم لأن الدائرة على أمهم البتول صلوات الله عليها وعليهم ، وليسوا بالمتهمين في دينهم وصدقهم ، نعم ! ثم تناولنا أبرز ما قد يطعن ويعترض على الزيدية به في مذهبهم في هذه المسألة ، وناقشناه بما نسأل الله تعالى أن يكون حقه أكثر من باطله ، وصحيحه أكثر من سقيمه ، فإن يكن الحق هو فلله الحمد والمنة ، وإن يكن غير ذلك فإن الله غفور رحيم ، إذ قد احتطت لنفسي بعدم التساهل المفرط الذي يظلم البتول الزهراء (ع) ، ولا التشدد المفرط الذي يظلم أبا بكر صاحب الرسول (ص) ، وكل هذا اقتداء مني بسادتي وأهل بيت نبيي صلوات الله عليه وعليهم إلى يوم الدين ، على أنه جدير بالذكر بالذكر أن هذا البحث موجه لخصوص الأصحاب أكثر منه إلى عموم الناس ، ولن تخلو أن تطال الفائدة منه الجميع بإذن الله تعالى ، نعم ! وهذا فأوان الابتداء وعلى الله التكلان ، وبه العياذ من الخذلان :
Halaman 3