--- على أن ذلك إنما كان متوجها أو مقبولا لو كنا خالين على اللذات, أو منافسين في طلب الراحات، وليس الأمر كما ظنه، بل إنما خلو بشغل عن شغل، وبزيد عن عمرو, فما ننفك ليلا ولا نهارا، ولا نطعم العيش إلا نزرا، ولا النوم إلا غرارا، نذكر ذلك تعريفا لا افتخارا، مع أن ذلك المتحدث يلوم عليه فإذا دخل وخلا بحاجته عذر نفسه, وبسط أنسه, وأمر بإيثاق الباب, وشدة البواب، وغلظة الحجاب, حتى يقضي حاجته ثم يخرج معتذرا عنه وعنا, وعاذرا فيما كان من قبل يعيبه منا، وليس بينه وبين أن يعود لائما, أو يصبح بغيظه كظيما لا كاظما, إلا أن يعود لحاجة أخرى, يوضح دون قضائها بفورها عذرا، ثم يرجع يهينم في نفسه بالملامة, ويهز رأسه إيهاما لوهن وجده في هذه الإمامة، وقد خبرنا هذه الأحوال, وتصفحنا هذه الخلال، فوجدناها كذلك علما يقينا، وإتقانا رصينا، مع أن لنا بأبينا صلى الله عليه أسوة في رد خير الناس من بابه، (( وأمره صلى الله عليه وآله بالشدة في حجابه, حتى انقلب علي عليه السلام عن أنس بن مالك ثلاث مرات )) وهو (( خير البشر, بعد النبي صلى الله عليه )) بنص الخبر.
وأما السادس وهو المعذر في لزومه قعر داره, وحل أوتاره، فإنه على قسمين:
أحدهما: أن يكون صادقا على عظم المشقة وبعد الشقة، فيكون معذورا عند ربه, وداخلا تحت قوله: { ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الدين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله } , وقال: { ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع خزنا ألا يجدوا ما ينفقون } ,فإن الله تعالى عذر النبي صلى الله عليه فيهم وعذرهم عنه، هذا ما لم يضم إلى عزمه ملاما, فيقترف بذلك حوبا وأثاما، فيكون معذورا غير مشكور، ومبتلى غير صبور.
والثاني منهما: أن يكون غير صادق في عذره, ولا منقوص في أمره، فهذا قد جمع بين وجوه من الإثم:
أحدها: الكذب.
--- والثاني: الاعتذار عن الواجب بما ليس بعذر.
Halaman 29