Majmuc
مجموع كتب ورسائل الإمام الحسين بن القاسم العياني
Genre-genre
وأما خطاب الملائكة فلا يكون بعد النبي، ولا يدعيه إلا كاذب من الأنام، وكذلك ما كان يسمع موسى عليه السلام من الكلام. وأما الوحي الذي جعله الله في المنام، فلا ينقطع أبدا عن أهل الفضل والإسلام، ولأئمة الهدى من ذلك ما لا يكون لأحد من المخلوقين، ولا يمكن أن يلقى إلى أحد من المؤمنين، لأن الأئمة شركاء النبيين، وفي ذلك ما يقول أمير المؤمنين الهادي إلى الحق المبين، عليه صلوات رب العالمين: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: ((الرؤيا الحسن من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة)) (1). وكان يقول صلى الله عليه وآله: ((لم يبق بعدي إلا المبشرات. قيل: ما المبشرات يا رسول الله؟ قال: الرؤيا الصالحة يراها العبد أو ترى له، جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة)). وكان يقول صلى الله عليه وآله وسلم: ((الرؤيا من الله والحلم من الشيطان)). وقد فسر الحلم في كتاب الرؤيا بأبين البيان، ولقد شاهدنا بحمد الله من عجائب الأسرار المكتومة ما لو ذكرناه لما صدق به إلا من امتحن الله قلبه للإيمان، وإني لأحتاج إلى الحاجة فأطلبها من مولاي تبارك وتعالى، فأرى في المنام قائلا يقول: إن حاجتك التي تطلب في موضع كذا وكذا، أو عند فلان، وربما تحيرت في سبب فأطلب منه البيان، فما ألبث في منامي إلا يسيرا حتى أرى قائلا يقول: قد استجيبت الدعوة، ثم يشرح لي ذلك القائل كلما سألت عنه، حتى أرى من البيان أكثر مما طلبت، وربما أغفل عن الشيء فأرى في المنام من يقول: لا تغفل عن هذا الشيء، فإن فيه خيرا ومصلحة، وإن كان شرا قال: لا تغفل عن هذا واحترز منه، فإن فيه هلاكا وشرا، وربما أرى في المنام سرا مكتوما، وعلما مكنونا، مما سيكون ويحدث، من الخير والشر، والموت والقتل، فيقال: سيحدث هذا الأمر في الشهر الفلاني، أو في اليوم الفلاني، في أول النهار، وسيقتل فلان، أو سيموت فلان، وهذا على الدوام والحمد لله.
وربما أخبرت بعداوة العدو، وولاية الولي، فأحترز من العدو، وأنبسط إلى الولي، وربما امتحن الله أولياءه الفينة بعد الفينة، وربما أحتاج إلى معنى من المعاني، فأرى صورة ذلك المعنى في المنام، وإلى ما يئول، وكيف يكون، وربما أطلب من الله حاجة أجهلها، وأطلب منه بيان ما أريد من صلاحها، فإذا هجم علي النوم رأيت رجلا يصف لي الحاجة التي أطلب، ويقول: أنا أشير عليك بطلب حاجتك هذه، ولكنها تعسر عليك من وجه ذا وذا، وتسهل من وجه كذا وكذا، وحاجتك هذه التي أشير عليك بها، صفتها ونهتها وحليتها كذا وكذا، أصلها كذا وكذا، فأنظر ذلك جهارا على ما وصف لي في المنام، وربما أغفل عن النعت والصفة، لوجه من وجوه الحكمة، وضرب من ضروب المحنة، وربما اشتبهت علي الإجابة بالألغاز، والتعريض والإشارات، حتى يتبين لي الجهل من نفسي، والعجز عن إدراك مرادي، فأدعو إلى الله عز وجل: يا رب إني لم أفهم ما أوميت إليه، ولم أقف بفهمي عليه، فبين لي أمره، فإني لا أقدر على فهمه، فإذا نمت هجم علي تفسير تلك الألغاز، بأبين ما يكون من البيان، وأوضح ما يحتاج إليه من البرهان.
وقد يجب على الغافل إذا ورد عليه ما لا يفهمه من اللغز والإشارة والتعريض، لا يعجل ولا يتقحم على الشبهة، فإن التقحم بغير بينة، لا يؤمن معه الزلل والخطأ، لأني رأيت في المنام قائلا يقول: إن من الرؤيا ما لا يتبين عند رؤية النائم، وربما رأيت شيئا والمراد سواه، ولعمري لقد جربت ذلك فربما رأيت السيد في المنام، وإنما الرؤيا لعبده، وربما رأيت الأب، وإنما الرؤيا لولده، وربما رأيت الرؤيا للرجل، وإنما هي سميه أو قريبه، وليس لعاقل أن يفسر الرؤيا لنفسه، ولا يعتقد ظاهر ما يرى في منامه، لأن الرؤيا من حكمة الله، وغور حكمة الله لا يدرك.
Halaman 248