392

وأجاب من أجاز الجمع بأنه لايضر عدم البيان لكونه تقديما أو تأخيرا، لأنه قد ثبت الجمع ومتى ثبت فقد بطل القول بوجوب التوقيت سواء كان الجمع تقديما أم تأخيرا، وأما أنه أخر الأولى وقدم الأخرى فلم يثبت ذلك برواية صحيحة، ولايلزم ظن بعض الرواة فلم نتعبد بظنه ومجرد الاحتمال لايؤثر، وأيضا الجمع في الشرع لايطلق إلا على جمع الصلاتين في وقت إحداهما، والجمع الصوري كل صلاة في وقتها وليس إلا جمعا لغويا والحقيقة الشرعية مقدمة على اللغوية، فيقال خبر التوقيت واستمرار فعل الرسول يدلان على الأفضلية، وخبر الجمع في المدينة يدل على الجواز لغير عذر، وفي ذلك جمع بين الأدلة وقد استدل القاسم والهادي عليهما السلام على جواز الجمع بجمعه صلى الله عليه وآله في الأسفار وهو استدلال قوي إذ لم يبين صلى الله عليه وآله وسلم أن العلة في جمعه هي السفر كما بين الكتاب أن الإفطار للمرض والسفر بقوله تعالى: ((فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر)) [البقره:184]، وبين صلى الله عليه وآله وسلم أن القصر للصلاة هو للسفر ومجرد أنه فعله في السفر لايقتضي أنه مقصور عليه إلا لدليل يدل على أنه مقصور عليه كما في الإفطار والقصر، ففعله صلى الله عليه وآله وسلم حجة على الإطلاق سواء فعله في سفر أو حضر إلا لدليل يقصره على أحدهما، وقد استدلوا على جواز جمع الصلاتين بوضوء واحد بجمعه صلى الله عليه وآله وسلم الصلوات في مكة بوضوء واحد وهو في السفر ولم يقصروا الجواز على السفر، بل أجازوه في السفر والحضر مع أنه في الحضر كان يتوضأ لكل صلاة، وكذا سائر أفعاله صلى الله عليه وآله وسلم سواء وقعت في حضر أو سفر لاتخص أحدهما إلا لدليل يدل عليه، وهذا واضح لمن تدبر، ومما يدل على أن وقتي الظهر والعصر وقت لهما وأن وقتي المغرب والعشاء وقت لهما أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يجمع بين العصر والمغرب ولابين العشاء والفجر في سفر ولاحضر لما كان وقت كل واحدة مختصا بها، وكان يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء تقديما وتأخيرا لما كان وقت كل واحدة وقتا للأخرى، وإنما التفريق للفضيلة أو لعدم العذر على حسب الخلاف، وكلام أهل المذهب قريب جدا حيث أجازوا الجمع للسفر وللمرض وللإشتغال بطاعة أو مباح ينفعه وينقصه التوقيت، فما بقي إلا أن يترك الأوقات التي شرع الله تعالى النداء إليها خمس مرات ولازمها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لالمعنى . والله الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب حرر على عجل وشغل بالمعالجة والسفر 10/ ربيع الأول سنة (1412 ه) بالرياض.

Halaman 380