Majmac Fawaid
مجمع الفوائد
Genre-genre
والخلاصة من كل ماتقدم أن دلالة الآية الكريمة على انتفاء رؤيته تعالى في الدنيا والآخرة دلالة قطعية، وكل ماتعلق به القائلون بخلاف ذلك لايتجاوز أن يكون ضبابا من الوهم، لايلبث أن يتلاشى بإشراق شمس الحقيقة ويؤيد نصيتها على ذلك تذييلها بقوله تعالى: ((وهو اللطيف الخبير)) فإن قوله: ((اللطيف)) كالتعليل لقوله: ((لا تدركه الأبصار)) وقوله: ((الخبير)) كالتعليل لقوله: ((وهو يدرك الأبصار))، والصفتان المذكورتان من صفات ذاته تعالى لاتتبدلان أزلا وأبدا، أما الخبير فكونه من صفات الذات ظاهر لأنه كالعليم، وأما اللطيف فلأنه كما يقول الإمام ابن عاشور: "صفة مشبهة تدل على صفة من صفات ذات الله تعالى وهي صفة تنزيهه تعالى عن إحاطة العقول بماهيته، أو إحاطة الحواس بذاته وصفاته، فيكون اختيارها للتعبير عن هذا الوصف في جانب الله تعالى هو منتهى الصراحة والرشاقة في الكلمة لأنها أقرب مادة في اللغة العربية تقرب معنى وصف ذاته تعالى بحسب ماوضعت له اللغة من متعارف الناس.
قوله تعالى لموسى عليه السلام: ((لن تراني)) [الأعراف: 143] فإنه نفي مطلق غير مقيد بزمان ولاتبديل لكلمات الله، فلو حصلت الرؤية في أي وقت من أزمان الدنيا أو الآخرة لكان ذلك منافيا لصدق هذا الخبر، وتتأكد دلالة هذا لنص على هذا المعنى باندكاك الجبل الذي علقت الرؤية على استقراره اندكاكا هائلا، ليكون آية بينة تستأصل أطماع المتطاولين على الله بطلب أو تمني مايستحيل عليه ويتنافى مع كبريائه، وقد وضح لكل ذي عينين صبح الحق بعدم استقرار الجبل، فلامطمع في حصولها لأنها إحدى المستحيلات". انتهى.
قلت: وهذا كلام متين واستدلال رصين، والحكمة ضالة المؤمن، والله تعالى ولي الهداية والتوفيق.
Halaman 312